حان الوقت الذي يفرح ويحزن فيه اهل السودان.. جاء الموعد الذي حاول الشماليون كثيرا تجنبه، في حين انتظره آلاف الجنوبيين لانهاء ما يعتبرونه سنوات من التهميش والعنصرية.. دقت ساعة الصفر التي تعتصر فيها مشاعر وقلوب اهل الخرطوم من الأسي والحزن علي الوطن الذي اصبح في حكم الغريب بعد ان كان القريب، بينما يستيقظ أهل جوبا علي عرس يتباري الجميع للمشاركة والاحتفال به تحقيقا لحلم الدولة المستقلة ونعيمها الذي روجت له الحركة الشعبية طوال السنوات الماضية. يخرج آلاف الجنوبيين اليوم - الأحد - في حدث فاصل في تاريخ السودان وافريقيا جميعها لتحديد مصيرهم والقاء كلمتهم في استفتاء كفله لهم اتفاقية السلام الموقعة في 2005 لتحديد مصيرهم بالاستمرار في دولة واحدة مع الشمال او الانفصال في دولة مستقلة.. لكن الجميع في السودان يعرف ان النتيجة ستكون الانفصال استنادا الي استطلاعات الرأي في الجنوب وتصريحات قيادات حكومة الجنوب الداعمة لذك الخيار. لم تعد هناك فرصة للتراجع فالجميع سلم بخيار الجنوبيين وحقهم في اختيار ما يرونه مناسبا، ولم يعد هناك وقتا للحديث عن خيارات جديدة بعد ان فشل شريكا الحكم "المؤتمر الوطني والحركة الشعبية" طوال الفترة الانتقالية المحددة ب6 سنوات في ان يجعلا خيار الوحدة جاذبا.. وباتت المباحثات والمناقشات حاليا تدور حول ترتيبات ما بعد الانفصال من تقسيم الثروة وانجاز القضايا العالقة التي يخشي معظم المراقبين ان تتحول الي نقاط خلافية تعيد الصراع بين الطرفين. 4 ملايين ناخب وحسب بيانات المفوضية العامة في الاستفتاء فان عدد الجنوبيين الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات حوالي 3 ملايين و900 الف شخص تم تسجيل اسمائهم في مفوضية الاستفتاء بالجنوب والشمال ودول المهجر التي ستفتح بها مراكز تصويت ، ومن المقرر ان يبدأ التصويت اليوم ويستمر سبعة ايام حتي 15 يناير الجاري وبعدها تعلن النتائج رسميا من المفوضية. وقررت مفوضية الاستفتاء فتح مراكز تصويت في ثماني دول خارج السودان وخاصة التي يتواجد بها عدد كبير من الجنوبيين علي رأس هذه الدول مصر حيث تقرر فتح ثلاثة مراكز للتصويت الاول في المعادي والثاني في عين شمس والثالث في مدينة نصر. ويحظي الاستفتاء بمراقبة دولية ومحلية كبيرة حيث كشفت المفوضية العامة ان هناك حوالي 4 آلاف مراقب دولي ومحلي تم تسجيل اسمائهم في المفوضية، وعلي رأس الجهات المراقبة الاممالمتحدة التي اعلنت متابعة التصويت عبر الاقمار الصناعية تحسبا لاي اشتباكات، يضاف الي ذلك بعثة الجامعة العربية التي تضم 55 مراقبا، بالاضافة الي منظمات مصرية مثل تحالف مراقبون بلاحدود الذي يتابع التصويت في القاهرة والسودان بالشمال والجنوب ايضا. إجراءات أمنية ولتأمين اجراءات الاستفتاء والسيطرة علي الاوضاع الامنية خلال التصويت نشرت الشرطة في الجنوب اكثر من 17 الف شرطي لتأمين اجراءات التصويت ولمنع اي اشتباكات بعد ان تلقوا تدريبا خلال الشهور الماضية علي الجنوب علي اجراءات تأمين الاستفتاء وفنيات السيطرة علي الحشود واعمال الشغب وحماية الشخصيات المهمة والتكتيكات الخاصة بالأسلحة.. ووضعت الحكومة عن طريق وزارة الداخلية خطة لتوزيع الضباط والمجندين الذين تم تدريبهم علي وحدات الشرطة في مختلف الولايات. كما رفعت الحكومة المركزية في الخرطوم درجة الاستعداد القصوي وعقد الرئيس عمر البشير قبل ايام اجتماعا مع قيادات الداخلية لبحث ترتيبات عملية الاستفتاء، كما حرصت القوات المسلحة علي اجراء عدة مناورات الاسبوع الماضي استعداد لاي اشتباكات ولحماية ما اسموه عملية السلام في السودان. يأتي ذلك في الوقت الذي تثار فيه المخاوف من امكانية التلاعب في اصوات الناخبين وهو ما قد ينذر بمشاكل بين الشمال والجنوب خاصة ان حكومة الخرطوم وعدت بالاعتراف بنتائج الاستفتاء اذا تمت بنزاهة وشفافية. ترحيل مكثف وشهدت الايام الاخيرة ترحيل مكثف للجنوبيين من الشمال ودول المهجر الي جوبا للمشاركة في الاستفتاء بشكل اربك الاوضاع بسبب كثرة الاعداد الوافدة ، وقامت ولايات الجنوب العشر بخطة لعودة الجنوبيين من الخارج خاصة الذين هاجروا اثناء الحرب الأهلية مع الشمال. وقامت الولايات بحصر الاسماء الجنوبية في الشمال وتم تحديد موعد لنقل امتعتها واسرها مجانا في مخيمات بمدن وولايات الجنوب وفقا لبرنامج زمني محدد بما يسمح لهم تسجيل اسمائهم ضمن الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء والاعتماد عليهم ككتلة مؤثرة. واستخدم بعض الجنوبيين الذين ترتبط اعمالهم بالشمال طائرات خاصة للسفر الي جوبا والتصويت ثم العودة مرة اخري مثلما فعلوا اثناء تسجيل اسمائهم، في حين تقطعت السبل بعدد كبير من الجنوبيين الذين اختاروا السفر برا، وناشدوا حكومة الجنوب بمساعدتهم للعودة. وحسب تصريحات لوزير الاعلام في دولة الجنوب برنابا بنجامين فان عدد النازحين الي الجنوب وصل الي 2 مليون ورصدت الحكومة حوالي 30 مليون جنيه مساعدات لهم في فترة تصل الي 6 شهور. ومنذ ثلاثة ايام وتجوب المظاهرات والمسيرات في مدينة جوبا للمطالبة بالانفصال وحشد اصوات الجنوبيين للتصويت للاستقلال، وخرج المتظاهرون في مسيرة جابت شوارع المدينة بالسيارات قبل أن تتحول إلي تجمع حضره مسئولون من حكومة الجنوب..ورفع المتظاهرون شعارات تطالب بالتصويت من أجل الانفصال وتندد بالوحدة مع الشمال. ويأتي استفتاء الجنوب في حين لايزال الاستفتاء الذي كان مقررا اجراؤه في منطقة ابيي والنيل الازرق وجونجلي لتقرير مصيرهم بالانضمام الي الجنوب أو الشمال غامضا بسبب خلافات بين الشمال والجنوب حول المنطقة أعاقت تشكيل مفوضية خاصة لذلك الاستفتاء المنفصل.