منذ عشرين عاما تقريبا، استقبل أبو علوة الشبح في مطار القاهرة العالم النووي القرعستاني علي سخانوف وذلك بتوصية من صديقه الدكتور المعز حمودة ملحقنا العسكري في موسكو، وفي طريقه من المطار أبلغه سخانوف أنه مفلس تماما. ويكمل أبو علوة: في السيارة قال لي: سيدي، ليس معي دولار واحد.. معي مائتا روبل استطعت توفيرها في عشرين عاما، هل من السهل بيعها هنا؟ أجبته في ود: سأشتريها أنا منك.. وبالسعر الذي تحدده. لاحظت أنه يجلس بجواري متوترا في وجوم، سألته: هل تناولت طعام العشاء؟ تنهد وأجاب: قدموا لنا في الطائرة بعض الكرنب المسلوق. بدلا من الانطلاق بالسيارة مباشرة إلي حي الهرم حيث أسكن، أخذت طريقي إلي ميدان السيدة زينب، وفي حارة جانبية تناولنا وجبة كباب ساخنة عند محمد رفاعي، إن مشهد البروفيسير وهو يحدق في قطع الكباب والكفتة في ذهول، أعطاني فكرة واضحة عن مدي معاناة الشعب الروسي. أما الآهات والتأوهات التي كان يصدرها وهو يأكل الكفتة فقد سببت لي بعض الحرج عندما أخذ زبائن المكان ينظرون إلينا في دهشة واستنكار. أخذته بعد ذلك إلي مقهي الفيشاوي في حي الحسين وطلبت له شيشة، ومع أنفاس الشيشة ورشفات الشاي بدأ يتكلم: أشعر أنني في الجنة.. هل أنت مليونير..؟ كم مرة في العام تأكل كبابا؟ وهذا الشيء المذهل الذي تسمونه كفتة، هل من الممكن أن تأكله بمفرده، أقصد هل يمكن أن تطلب كفتة فقط؟ ( ياللمسكين ماذا سيقول عندما أدعوه إلي وجبة جنبري وكابوريا واستاكوزا..) وكيف يصنع هذا الكباب.. ومتي اخترعه الإنسان في الشرق الأوسط؟ اصطحبته بعد ذلك إلي البيت وهو نصف نائم، أخذ يتطلع مبهورا إلي حديقة الفيللا، في الغالب تصور أنه يحلم، كانت هند (هند هي مساعدته في المكتب وهي أيضا المسئولة عن إدارة بيته وهي سيدة محترمة ومثقفة.. ع. س) قد أعدت له غرفة خاصة بحمام، فتناول حماما ساخنا ثم نام. في الصباح طرقت هند عليه الباب برفق وطلبت منه أن ينزل لتناول طعام الإفطار معنا في الحديقة، بعد أن التهم طبقين كاملين من الفول بالسمن البلدي ونصف كيلو من الجبن الاستانبولي الفاخر، وعشرة أقراص طعمية، وطبقا من سلطة الطحينة قال: أريد أن أموت الآن. سألته هند بدهشة: لماذا؟ أجابها: من الأفضل أن يموت الإنسان في هذه اللحظات الجميلة. انتقلنا إلي صالة المعيشة بالدور الأول، وبين أقداح الشاي وفناجين القهوة، تكلم البروفيسير: كما هو واضح من اسمي، أنا أنحدر من أصول عربية، ويقال إن جدي الكبير هو علي القرعجي الذي سميت باسمه جمهوريتنا "قرعستان" كان تاجرا ومصلحا اجتماعيا وفليسوفا ومطربا أعجب به قياصرة روسيا فمنحوه مقاطعة تحولت فيما بعد إلي جمهورية صغيرة، ويقال عن جدي إنه ينحدر من أصول مصرية وأنه هاجر من دلتا النيل من مدينة شهيرة اسمها " سخا" من هنا جاء اسم الأسرة، سخانوف. سمحت لنفسي بمقاطعته: بروفيسير سخانوف.. سخا ليست مدينة وإنما هي قرية جميلة من قري محافظة كفر الشيخ، وعموما اتفضل أكمل قصتك. فقال: من طفولتي وأنا أحلم بزيارة مصر وكان هذا أمرا مستحيلا قبل حكم جورباتشوف خاصة أنني أنتمي لفئة ممنوع خروجها قطعيا من الاتحاد السوفيتي.. فئة العلماء.. أنا عالم ذرة، وأعمل الآن نائبا لمدير مفاعل قرعستان النووي، نشأ هذا المفاعل في البداية لأهداف سلمية ثم تخصص بعد ذلك في انتاج القنابل الذرية والرءوس النووية بعيدة المدي. قالت هند: ألاحظ أنك تتحدث الإنجليزية بطلاقة.. فها درستها في الغرب..؟ فاصل ونعود.