بطل الوقائع التي سأسردها عليك، هو أبو علوة كما كنا نسميه أو الشبح كما تذكره الوثائق الدبلوماسية السرية في دوائر الغرب السياسية. ولكن من هو أبوعلوة الشبح؟ وما هو اسمه الحقيقي وماذا كان يعمل؟ بصراحة، لست أعرف ولا أعتقد أن أحدا يعرف، كل ما أعرفه عنه أنه كان يسهر معنا ويشترك في مناقشة قضايا كثيرة، أدبية وفكرية وفنية واجتماعية وسياسية ثم يختفي لعدة أيام أو شهور، وعندما كنا نسأله أين كان؟ وماذا كان يعمل؟ كان يجيبنا بالصمت وبابتسامة غامضة إلي أن قرر ذات يوم لدوافع لا أعرفها، أن يتكلم وأن يبوح لي ببعض أسرار مهماته الدبلوماسية في الداخل والخارج فقمت علي الفور بإثباتها علي الورق خشية أن تضيع من ذاكرتي. أتيح لي بعد ذلك أن أتصفح أوراقه الخاصة فوجدت بينها ما يشير إلي أنه كان يكتب للمسرح والسينما والتليفزيون والصحافة ولكن تحت أسماء أخري. كما وجدت بين أوراقه ما يشير إلي أنه كان الوحيد في مصر الذي حصل علي ترخيص بفتح مكتب للتحريات الخاصة (Private I) ولكنه أوقف نشاطه لأسباب لا أعرفها. أصارح القارئ أن الشك داخلني في البداية في صحة بعض الوقائع التي رواها لي، تصورت أنها ليست أكثر من نتاج لخيال خصب منطلق بغير حدود. غير أن بعض الأصدقاء من العالمين ببواطن الأمور ذكروا لي أنها جميعا حقائق فعلية. إنني أنبه القارئ بقوة إلي أنني لست بطل المغامرات التي سأحكيها له ابتداء من الغد وإن كنت شاركت في بعضها من بعيد. وعلي كل حال علي سبيل الاحتياط أنا أطلب من القارئ الكريم، ألا يصدق حرفا واحدا من حكايتي عن أبو علوة الشبح، لم أعد متأكدا من شيء في هذه الدنيا، ربما حدثت هذه الحكاية وغيرها في خيالي فقط. لقد عرفنا من وثائق ويكيليكس أنه قد عٌرض علي مصر شراء قنبلة ذرية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهياره منذ عشرين عاما، فما صلة أبو علوة الشبح بذلك إذا كان له صلة؟ الواقع أن أبو علوة حكي لي حكاية لم أصدق منها حرفا واحدا عن استعانته بعالم نووي سوفيتي وأنه تمكن بالفعل من عمل مفاعل نووي وفرن نووي صغير ( بيتي) في حديقة فيللته في منطقة الهرم. منذ نحو عشرين عاما، كما أثبت في أوراقي، قال لي أبو علوة: منذ ثلاثة أعوام اتصل بي الصديق الدكتور عبد المعز حمودة الملحق العسكري بسفارتنا في موسكو طالبا مني أن أستقبل صديقا له في مطار القاهرة هو البروفيسير علي سخانوف، وهو عالم شاب من جمهورية "قرعستان" حدد لي رقم الرحلة وموعد وصول الطائرة وطلب مني الاهتمام والعناية به أثناء إقامته في القاهرة. في موعد وصول الطائرة كنت في المطار، سمح لي أصدقائي هناك بالدخول إلي أرض المطار كما فتحوا لي قاعة كبار الزوار، وقفت بجوار سلم الطائرة أراقب نزول الركاب، كان من السهل التعرف عليه من ملامحه القرعستانية الواضحة، وعندما اقترب مني نازلا علي السلم همست: بروفيسير علي سخانوف.. أنا صديق مكلف بالاهتمام بك. التفت إلي الرجل وقد ارتسمت علي وجهه نظرة رعب مفاجئة بددتها علي الفور ابتسامة الترحيب علي وجهي. خرجت به من المطار بسرعة بعد أن فتح رجال الجمارك حقيبته ولم يجدوا فيها شيئا تقريبا، مجرد قميص وبيجامه وفوطة قديمة تثير الشفقة بالإضافة إلي كتاب البيروسترويكا، كان معه أيضا حقيبة بها عدة أدوات صغيرة. في السيارة قال لي: سيدي ليس معي دولار واحد. فاصل ونعود