إذا لم تكن قد قرأت الحلقات السابقة، فسيكون من الصعب عليك فهم الحلقات التالية، الواقع أن تلخيص ما حدث يستهلك مساحة أنا في حاجة إليها، ولذلك أنا أنصحك إذا كان الأمر يستحق، أن تقرأ الحلقات السابقة.. أعود للحكاية التي يرويها لي أبو علوة الشبح: في البداية كان لابد من الحصول علي تأشيرة إقامة عمل للبروفيسور بدلا من التأشيرة السياحية التي تنتهي بعد شهر، أقنعت واحدا من أصدقائي أصحاب المدارس الخاصة في منطقة الهرم بإنشاء قسم جديد لتدريس اللغة الروسية، والإعلان عن ذلك في الصحف، وإبلاغ وزارة التربية والتعليم. فتقدم البروفيسور علي سخانوف للوظيفة وكتب معه عقدا تم توثيقه في مكتب الملحق الثقافي بالسفارة الروسية، وبموجب هذا العقد حصلت له علي تأشيرة إقامة تتجدد تلقائيا كل ستة شهور. استأجرنا سيارة نقل كبيرة وذهبنا إلي أسوان حيث حملناها بحوالي خمسة أطنان من " الطفلة" الأسواني الشهيرة بعد أن تأكد البروفيسور باستخدام جهاز صغير من أنها مليئة باليورانيوم. عدنا بالطفلة من أسوان ووضعناها خلف الفيللا. نزلت معه إلي شارع الجمهورية حيث توجد المحلات التي تبيع أجهزة البحث العلمي، اشتريت له الأدوات التي طلبها، أسلاك.. مواسير.. أنابيب.. عدادات.. إلخ. أخذ البروفيسور يعمل في الغرفة التي خصصتها له في الفيللا بنشاط حتي تحول إلي معمل ذري متكامل في عدة أيام. كان يقوم بجولات استطلاعية في القري المحيطة بنا في منطقة الهرم، من الغريب أنه استطاع في ظرف أيام قليلة، تعلم عدد من الكلمات العربية مكنته من التفاهم مع سكان المنطقة وعمل جسر من الصداقة بينه وبينهم. وذات صباح وجدته واقفا مع مجموعة من الجيران في ركن من أركان الفيللا وقد انهمك الجميع في بناء فرن صغير وبعد أن انتهوا من بناء الفرن، رفضوا الحصول علي أي أجر من أي نوع مقابل جهودهم، اتضح لي فيما بعد أن البروفيسور كان يصلح لهم كل الأدوات والأجهزة الكهربائية التي كانت تتعطل، مجانا. سألته: أري أنك بدأت تعشق حياة الريف.. هل كان لابد من إقامة هذا الفرن..؟ لا يوجد عندنا من يجيد الخبز. أجاب: هذا الفرن يا سيدي ليس مخصصا للخبيز.. هذا فرن ذري، سأستخدمه في مرحلتين، الأولي، استخراج اليورانيوم من الطفلة.. والثانية هي تخصيب هذا اليورانيوم في درجة حرارة عالية. أثناء الليل وفي تكتم شديد، قام بتركيب عدادات وأسلاك في الفرن وأوصلها بسلوك ومواسير تسير تحت الأرض في غرفته. كنت واقفا في شرفة غرفة مكتبي في الفيللا أراقبه وهو يعمل طول الليل. وعند الفجر سألته: أخبارك إيه يا بروفيسور..؟ فقال: خيرا.. كل شيء يسير علي ما يرام طبقا للخطة الموضوعة. قال ذلك وصعد إلي غرفته، بدأت أشعر بخوف غامض، ما هو الضمان ألا يحدث تسرب إشعاعي من هذا الفرن المبني من الطين والطوب اللبن. بعد يومين جاءني وهو يكاد يرقص من الفرح ثم زف لي النبأ السار، لقد عثر علي الماء الثقيل اللازم لعمل القنبلة الذرية. أين..؟ أجاب: قرب نهاية ترعة المريوطية، هناك ترعة أخري، المياه راكدة فيها منذ سنوات، تحللت فيها الحشرات وأجساد الحيوانات النافقة وجرت فيها تغييرات كيماوية لا يعلم بها إلا الله.. هذه التغييرات حولت ماء الترعة إلي ماء ذري ثقيل، بل لقد اكتشفت أن هذا الماء الثقيل بالذات أكثر ثقلا من أي ماء ثقيل آخر علي وجه الأرض، وهذا سيمكنني من صنع قنبلة ذرية صغيرة جدا ولكنها أشد فتكا من تلك التي القيت علي هيروشيما. نلتقي صباحا.