شهدت الفترة الأخيرة مجموعة من التصريحات والتسريبات الصحفية تكشف عن مساعٍ تهدف إلي إعادة إحياء فكرة التسوية من الخارج عوضاً عن الجهود المحمومة لحصرها في دائرة مفاوضات مباشرة ثبت أنها تفتقر إلي المقومات الرئيسية للنجاح، وفي هذا الصدد قد يكون من الضروري التعرض لعدد من النقاط الجوهرية علي النحو التالي: 1- استند التفضيل الإسرائيلي لمقترب المفاوضات المباشرة، مع كل من الأطراف العربية علي حدة، إلي الرغبة في تجنب إجبارها علي التخلي عن جميع الأراضي العربية المحتلة في إطار تسوية مفروضة من الخارج تدعمها القوي العظمي وتستند إلي مبدأ عدم شرعية ضم الأراضي عن طريق القوة؛ وفي مواجهة هذا التوجه تشبثت إسرائيل بأسلوب المفاوضات المباشرة مع كل طرف عربي علي حدة، بشكل يسمح لها بتجزئة المطالب العربية من جانب، وإبعاد شبح التدخل الدولي في قرارات تتصل بمصيرها وطموحاتها سواء فيما يتصل بالأمن أو الأرض. 2- قاد مهندس السياسة الخارجية الأمريكية في السبعينيات من القرن الماضي، هنري كيسنجر توجهاً يتماشي مع الموقف الإسرائيلي، رافضاً مفهوم تسوية مفروضة من الخارج، وداعياً إلي حلول تفاوضية ثنائية بين إسرائيل وجيرانها العرب، وقد استند التوجه الأمريكي آنذاك إلي مقولتين رئيسيتين: التسوية المفروضة من الخارج ستشكل مكافأة للدول المناهضة للسياسة الأمريكية في المنطقة دون مقابل وخسارة للولايات المتحدة في مباراتها الصفرية مع منافسها علي الساحة الدولية، الاتحاد السوفيتي آنذاك، وقد برر ذلك ترويج كيسنجر آنذاك لمقولة أن «السلام يمر عبر واشنطن»، ومساندة الولاياتالمتحدة لأسلوب المفاوضات المباشرة الذي يمسح لها بلعب الدور الرئيسي وإقصاء منافسها السوفيتي حتي وإن اتبعت علي المستوي الرسمي سياسة أطلق عليها «الوفاق» معه. أما المقولة الثانية فتمثلت في أن إسرائيل تلعب دوراً محورياً في تطويق الخطر الشيوعي في المنطقة، وأن أي محاولة لفرض تسوية من الخارج ستؤدي إلي تقويض هذا الدور لدولة تم وصفها بأنها نموذج للديمقراطية في المنطقة. 3- مع تغير المعطيات علي الساحة الدولية في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، تعالت الأصوات العربية مطالبة الولاياتالمتحدة بوضعيتها الجديدة المهيمنة علي القرار الدولي- بإعادة الحقوق إلي أصحابها، وهو ما واجهته واشنطن بطرح مفهوم المفاوضات المباشرة انطلاقا من مؤتمر مدريد، بالرغم من إدراكها التام لعدم توافر الأرضية الصالحة لكي يثمر هذا المقترب. 4- في ظل تهاوي خيار المفاوضات، أصبح من الطبيعي أن يعود خيار التسوية من الخارج ليطرح نفسه بقوة، خاصة في ظل عدم رغبة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في اندلاع مواجهات عسكرية أو شيوع حالة من الاضطراب والعنف في المنطقة، فضلاً عن اختلاف المعطيات الدولية عما كانت عليه في النصف الأخير من القرن الماضي، وإزاء هذا التوجه صدرت تحذيرات إسرائيلية مفادها أن «الخطوات الأحادية الجانب»، والمقصود بها توجه الفلسطينيين والعرب إلي الأممالمتحدة للحصول علي مساندة لدولة فلسطينية يتم الإعلان عنها في حدود عام 1967، ليست «طريقًا ذا اتجاه واحد، وإنما خيار متاح للطرفين»، بما يعنيه ذلك من أن إسرائيل لن تقبل بالوضعية المراد فرضها من الخارج، وأنها ستتعامل معها انطلاقاً من الحقائق علي أرض الواقع من قبيل الجدار العازل والكتل الاستيطانية بل وكذلك المستوطنات العشوائية في جميع أرجاء «أرض الأجداد». 5- من اللافت للانتباه التصريحات التي نُسبت مؤخراً إلي أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية التي تضمنت الإشارة إلي مطالبة الجانب الفلسطيني بخريطة أمريكية للدولة الفلسطينية في حدود عام 1967 وتشمل القدسالشرقية في مقابل الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل التي يلح عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي والأقطاب الرئيسية في الائتلاف الحكومي الحالي. وعلي الرغم من نفي المسئول الفلسطيني لهذه التصريحات، فإن الفكرة في حد ذاتها تعني الشروع في بلورة تحرك يسعي لتطوير الدور الأمريكي ليتجاوز الوساطة وينخرط في مرحلة ترجمة التصريحات إلي مقترحات تحمل العلم الأمريكي، مما يسمح بتمريرها في صورة قرار يصدر عن مجلس الأمن. وختاماً يمكن القول إن خيار التسوية المفروضة من الخارج، وإن كان يمثل أفضل الخيارات للطرف الفلسطيني في الوقت الحالي، فإنه يواجه صعوبات كبيرة علي أرض الواقع لعل أبرزها كيفية دفع اللاعب الأمريكي لتحديد مواقفه من صراع ما دام يحرص علي ترك إسرائيل تتعامل فيه مع الطرف الفلسطيني بيد طليقة.