علي الرغم من الشكوك الكثيرة حول حقيقة نوايا الطرف الإسرائيلي، والقناعة شبه التامة من عدم توافر أرضية صالحة لمفاوضات ناجحة، استجابت السلطة الفلسطينية لمطالب الإدارة الأمريكية وانخرطت في مرحلة أولي في مفاوضات غير مباشرة، ثم بعد ذلك، ورغم الإخفاق في تحقيق أي تقدم، في مفاوضات مباشرة لم يكتب لها الاستمرار حتي ولو لشهر واحد، ليعود الحديث مجدداً فلسطينيا وعربيا عن البحث في البدائل، وحول هذا الموضوع قد يكون من المفيد الإشارة إلي النقاط التالية: حرص الطرف الفلسطيني خلال المرحلة الأخيرة علي أن تحظي تحركاته إزاء ملف المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية الحالية بغطاء عربي، ليس فقط لتبرير مواقفه وقراراته، وإنما للتغطية علي موقف الضعف الناجم عن حالة الانقسام الداخلي الفلسطيني، والأصوات التي لم تكف عن الارتفاع للمطالبة بعدم الدخول في أي شكل من أشكال التفاوض باعتبار أن نتائجها معروفة سلفاً، وضرورة تبني خيار المقاومة عوضاً عن مفاوضات سياسية تستنزف الجهود وتوفر لسلطة الاحتلال الوقت الكافي لفرض تسوية الأمر الواقع التي بدأت منذ الأيام الأولي لإعلان استقلال دولة إسرائيل. من جانبه، حرص الطرف العربي علي إظهار موافقته علي عملية التفاوض الفلسطينية-الإسرائيلية علي أنها تخاطب الإدارة الأمريكية التي ما فتئت تطالب بإعطاء المزيد من الوقت لجهودها الرامية للتوصل إلي تسوية سلمية لجميع الملفات بما يضمن قيام دولة فلسطينية طالبت بها واشنطن وأقطاب الرباعية الدولية، علي مدار الأعوام الماضية، ووضعت خارطة طريق حددت كيفية الوصول إلي تحقيق هذه الغاية. في هذا السياق، يمكن القول أن قرار لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية، والذي تم تبنيه في قمة سرت الاستثنائية بمنح فترة شهر للإدارة الأمريكية لإقناع الحكومة الإسرائيلية باستئناف المفاوضات وفقا لمعطيات جديدة تتمثل في وقف الاستيطان، قد عكس تفضيلاً عربياً حتي اللحظة الأخيرة لخيار المفاوضات من جانب، ورغبة في توفير أدوات تسمح بطرح بدائل سياسية أخري قد يصعب علي واشنطن أو الرباعية الدولية معارضتها، في ضوء فشل جميع الجهود لإطلاق عملية تفاوض حقيقية وتقديم الفرص المتتالية لإظهار حسن النوايا من قبل طرف لا يطالب إلا بالحقوق، في مواجهة آخر يسعي إلي توظيف العملية برمتها لتحقيق أهداف تتجاوز سبب وجود المفاوضات من جانب آخر، وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد التذكير بأن العودة إلي مائدة المفاوضات بعد اتخاذ قرار بمغادرتها يصعُب أن يتم دون تجاوز الأسباب التي دفعت إلي اتخاذه. أن السؤال الجوهري الذي يجب التركيز عليه يدور حول طبيعة البدائل التي يمكن طرحها عربياً ومدي القدرة العربية علي دعمها بتحركات متوازية علي المسارات المختلفة: إعلامياً وسياسياً واقتصادياً وقضائياً، لتوفير أكبر قدر ممكن من عوامل النجاح ولتجنيب المنطقة الدخول في مرحلة من التصعيد التي قد تفرضها مرحلة تنعدم فيها البدائل. وباستعراض تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي يتضح أن الخيارين اللذين تم طرحهما علي الطاولة تمثلا في خيار التسوية المفروضة من الخارج علي الأطراف وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية والتي لا تعترف بالاستيلاء علي الأراضي نتيجة للحروب، وخيار المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وكل طرف عربي علي حدة، وهو الخيار الذي حظي بدعم الولاياتالمتحدة علي مدار العقود، وأسفر عن تحقيق بعض النجاحات في الدائرة الخارجية للصراع، في حين فشل في تحقيق اختراقات ملموسة في جوهره. مع تلاشي خيار المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، واستمرار قبول الطرف العربي بالولاياتالمتحدة كوسيط في التسوية، قد يكون من المجدي التفكير في مستوي آخر من مستويات تدخل الطرف الثالث، وهو مستوي الوسيط/الحكم، الذي يضع تصوراً شاملاً للتسوية لا يفصح عنه إلا في حالة عدم توصل الأطراف المفاوضة إلي تسوية، وتكمن أهمية هذا الخيار في أنه يشكل اختباراً واضحاً لحقيقة موقف قوي عظمي تجري المراهنة علي جهودها في تحقيق سلام طالما وعدت به الإدارات المتعاقبة عليها.