في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر الرئيس الأمريكي عن أمله في أن تشهد الدورة المقبلة في سبتمبر 2011 انضمام دولة فلسطين لعضوية المنظمة، وعلي الرغم من أن هذا التصريح يتناغم مع السياسة الأمريكية المعلنة والتي دفعت في اتجاه إطلاق المفاوضات المباشرة حول قضايا التسوية النهائية واستضافت في أوائل سبتمبر الجاري مراسم البدء في ذلك، تظل إمكانية ترجمة ذلك علي أرض الواقع موضع تساؤلات كثيرة في ضوء القراءة الموضوعية للحقائق علي الأرض، وفي هذا الصدد يمكن الإشارة إلي بعض النقاط الرئيسية: في الوقت الذي أطلقت فيه واشنطن المفاوضات الثنائية كانت الدبلوماسية الأمريكية علي علم تام بأنها ستصطدم سريعاً بعقبة الاستيطان في السادس والعشرين من سبتمبر، الموعد المحدد لإنهاء التجميد الجزئي الذي أعلنته إسرائيل من جانب واحد، ومع اقتراب هذا لم يتبلور موقف أمريكي حاسم تجاه هذا الملف، وإذا كان من الصحيح أن وتيرة التحركات الأمريكية قد تسارعت للالتفاف حول هذه العقبة، فإنها دارت حول طرح بدائل تسمح بحماية ماء الوجه لكل من الطرفين وتساعدهما علي المضي قدما في المفاوضات. بغض النظر عن نتائج هذه المساعي، فإن ما يجري الآن يصب في نهاية المطاف في مصلحة الطرف الإسرائيلي، الذي استطاع أن يخرج المفاوضات عن مسارها المحدد ويزج بها في قضايا فرعية، تؤثر بدورها علي النتائج النهائية؛ حيث إن قرار تجميد البناء في المستوطنات الذي تسعي واشنطن إلي إيجاد صيغة للإبقاء عليه بشكل أو آخر لم يكن موضع التزام كامل من قبل السلطات الإسرائيلية، كما أنه استبعد بشكل علني التجميد في القدسالشرقية باعتبار أن عملية البناء فيها طبيعية شأنها في ذلك شأن البناء في أي بقعة أخري من أراضي دولة إسرائيل، وبعبارة أخري فإن المساعي المحمومة التي تجري حاليا للإبقاء علي المفاوضات، تحمل في طياتها مخاطر جسيمة تتمثل في تكريس الموقف الإسرائيلي من أحد أهم ملفات المفاوضات ألا وهو ملف القدس. تضمن خطاب الرئيس أوباما دعوة للدول العربية "لاغتنام الفرصة واتخذ إجراءات ملموسة باتجاه التطبيع كما وعدت به المبادرة إسرائيل"، وفي حقيقة الأمر تكشف هذه العبارة عن النظرة الضيقة التي تتبناها الإدارة الأمريكية لمبادرة السلام العربية والتي تتبني مفهوم التسوية الشاملة استناداً إلي مبدأ السلام مقابل الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967 بما فيها القدسالشرقية والجولان ومناطق في جنوبي لبنان. ومن هذا المنطلق دعوة الدول العربية لاتخاذ "إجراءات ملموسة" في هذا الصدد تمثل استمرارية في الموقف الأمريكي الذي سبق أن تبنته إدارتا الرئيس السابق جورج بوش الابن خاصة في فترة الإعداد لمؤتمر أنابوليس، وقوبل بالرفض العربي آنذاك باعتباره تدخلاً تحت توصيف "التطبيع المجاني". وفر رئيس الوزراء الإسرائيلي لنفسه مخرجا من المعضلة التي يمكن أن يواجهها في حالة التوصل إلي تسوية مع الطرف الفلسطيني تضمن له التنصل منها استناداً إلي نتائج استفتاء شعبي علي ما يتم التوصل إليه من نتائج، وبعبارة أخري فإن فكرة طرح نتائج المفاوضات علي الاستفتاء الشعبي تضمن له تحقيق هدف الاستمرار في التفاوض من أجل التفاوض وكسب الوقت من جانب، وطمأنة القوي اليمينية التي يمكنها أن تستخدم "حق الفيتو" علي ما قد تسفر عنه المفاوضات من جانب آخر. وفي المقابل، فإن الرئيس الفلسطيني قد دخل المفاوضات دون وجود أي شبكة أمان ورائه ففكرة التفاوض ذاتها تم رفضها من قبل عدد لا بأس به من الفصائل الفلسطينية، الأمر الذي يشير بوضوح إلي إمكانية عدم الاعتراف بنتائجها. إن اقتراب المفاوضات المباشرة من التعامل مع القضايا الحساسة يحمل في طياته احتمالات تفكك الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، بما يعنيه ذلك من إمكانية الدخول في دوامة الانتخابات النيابية المبكرة علي الساحة السياسية الإسرائيلية، كما أن احتمال التوصل إلي مصالحة فلسطينية حقيقية خلال نفس الفترة قد يعني في نهاية المطاف إعادة صياغة التوجهات التفاوضية الفلسطينية الحالية لتلبية متطلبات المصالحة المرتقبة، فضلا عما قد تتمخض من انتخابات تشريعية ورئاسية مؤجلة قد تمثل نقطة تحول في مسار التعامل السياسي مع ملف التسوية.