في «مصر النهارده» مساء الثلاثاء دارت مناقشة مهمة حول اتهامات "المصري اليوم" لحزب الوفد بعقد صفقة مع الوطني للسماح للوفد بالحصول علي عدة مقاعد في مجلس الشعب المقبل، وهي اتهامات أشك كثيرا في صحتها، فهذا ليس نهج الوفد كما كتبت أمس. وفي المناقشة قال الصحفي المخضرم حسين عبدالرازق كلاما مهما في السياسة والصحافة علي حد سواء، وشرح رئيس تحرير الشروق عمرو خفاجي الكثير من الضوابط المهنية التي يجب علي الصحافة الالتزام بها للتأكد من مصداقية الأخبار قبل نشرها، بينما اتهم رئيس تحرير "المصري اليوم" الوفد بالسوقية، وعلق علي اتهام الوفد للمصري اليوم بالفاشية بأنه لا أحد يعرف ما هي الفاشية حتي الوفد. وانبري رئيس الوفد محمود أباظة لتوضيح معني الفاشية، محذرا من وجود اتجاه يعمد إلي ضرب الحياة الحزبية، بمثل هذه الشائعات، للإيحاء بأن أي تغيير يجب أن يتم من خارج المؤسسات الدستورية للدولة وعلي رأسها الأحزاب السياسية، وهو منهج إذا ساد سيقود البلاد إلي حالة من الفوضي. لكن أباظة تفادي الرد علي اتهام حزب وصحيفة الوفد بالسوقية وهنا تكمن مشكلة محمود أباظة. وفي تصوري أن أهم وأكبر مشاكل محمود أباظة أنه "ابن ناس"، فهو ينتمي للعائلة الأباظية التي ضربت بجذورها في التاريخ المصري، وشارك العديد من رموزها في الحياة العامة قبل الثورة، وبعدها وحتي الآن، ولا يميل الأباظية ومنهم محمود أباظة إلي النزول لمستوي الأحاديث السوقية، أو تبادل عبارات وكلام الشوارع لا مع أنفسهم .. ولا مع الآخرين. مشكلة محمود أباظة أنه رئيس حزب عريق، لكنه نموذج لرئيس حزب من الناس، فقد كان الراحل فؤاد سراج الدين الذي أعاد تأسيس الوفد زعيما تاريخيا له كاريزما ومكانة خاصة لدي الوفديين، وحاول خلفه نعمان جمعة وضع نفسه في هذه المكانة العالية، لكن أباظة هو أول رئيس للوفد الجديد لا يفرض نفسه زعيماً، وإنما مجرد رئيس منتخب لحزب وبالتالي هو واحد من الجماهير العريضة التي تشكل هذا الحزب. سلوك محمود أباظة في قيادة حزبه هو تعبير عن حالة سياسية عالمية، فقد انتهي عصر الزعماء التاريخيين في الدول والأحزاب، ولم يعد مطلوبًا كما كان سائدًا طوال القرن الماضي أن يكون القائد السياسي زعيمًا ملهمًا يعيش في برج عاجي وتتحلق حوله الجماهير في انتظار أن يطل عليهم من قصره وينزل إليهم من كاريزمته. حتي رؤساء الدول الكبري عادوا مواطنين عاديين، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما، قدم نفسه لمواطنيه باعتباره واحدا منهم يلتقي بهم، ويمضي عدة ساعات كل يوم في التواصل معهم عبر شبكة الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. مشكلة محمود أباظة أيضا أنه لم يكتف بدراسة القانون في جامعة القاهرة، وإنما حصل علي الدبلوم في القانون الدولي من جامعة باريس، ويبدو أن الفترة التي قضاها في باريس في السبعينيات قد أثرت عليه كثيرا فجعلته يميل إلي اللغة الهادئة، والحوار العقلاني، ومحاولة الاستفادة من التجارب العالمية والتي يرجع إليها ويستحضرها من أعماق التاريخ، لذلك ينبري لتعريف مصطلح "الفاشية" وهي حالة تكاد تكون شائعة في النخبة المصرية السياسية والإعلامية.. ويتفادي الرد السوقي.. لأن السوقية لها ناسها.. وهو ليس منهم!