أم صابر مصرية يعرفها كل الأوروبيين يسمونها ملكة الفراولة فهي أكبر منتج للفراولة فائقة الجودة في العالم بين يديها يقف كبار المصدرين ينتظرون دورهم، يقف خلفها رجال أجادوا الزرع وأتقنوا فنونه، الجميع يعزف لحنا واحدا هو النجاح.. النجاح. إنها قرية أم صابر العريقة باكورة مشروع مديرية التحرير ولم يكن مفاجئا أن تتحول تلك القرية إلي أكبر مركز لزراعة وتجميع وتعبئة وتجهيز وتصدير الفراولة إلي جميع أنحاء العالم لقد تحولت المنطقة إلي سوق ضخم يجمع قوي العرض والطلب وتتحدد الأسعار يوميا فيما يشبه البورصة الحقيقية وفقا لتفاعلات السوق، 3100 فدان تتم زراعتها في هذه المنطقة الواعدة إنتاج الفدان الواحد يزيد علي 15 طناً من الفراولة فائقة الجودة، أبواب الرزق تفتحت علي مصاريعها أمام الجميع ملاك الأراضي والمستأجرين وصغار المستثمرين والمهندسين والعمال وتجار الأسمدة والمستلزمات الزراعية وأصحاب سيارات النقل والخدمات اللوجيستية وأصحاب محطات التبريد والتجهيز ومصانع الكرتون والموردين والسماسرة والوسطاء وأصحاب المطاعم والمقاهي، تحولت القرية الصغيرة والقري المجاورة لها إلي خلايا نحل بشرية انتشرت ثقافة التصدير بين الجميع وأصبح الجميع علي علم بما يدور في الأسواق الأوروبية بدءاً من أذواق المستهلكين وصولاً إلي أسعار تحويلات اليورو والدولار إلي الجنيه المصري الجميع علي علاقة وطيدة بمحرك البحث الشهير جوجل علي شبكة الإنترنت ليتعرف علي آخر ما وصل إليه العالم في فنون الزراعة والإنتاج والتعبئة والنقل، أصبح الإميل أو البريد الإلكتروني هو وسيلة التواصل والاتصال الأساسية بين الجميع في الداخل والخارج إنهم يطوعون التكنولوجيا الحديثة لخدمة أنشطتهم الزراعية وأعمالهم التجارية، لا وقت للكلام لا وقت للفهلوة علي الإطلاق فكل الوقت للعمل، كل الوقت للإجادة والتميز. إنها بالفعل صورة جميلة رائعة تدعو إلي التفاؤل والأمل في مستقبل مشرق لمصرنا الحبيبة بإذن الله إن أم صابر كانت نموذجا للقرية الحديثة عندما تم تدشين مشروع مديرية التحرير عام 1953 فكانت تلك القرية حينئذ مزارا لوفود الدول الصديقة التي تأتي إلي مصر لقد زارها رئيس الاتحاد السوفييتي والرئيس الإندونيسي واستقبلت تلك القرية مئات الوفود من داخل مصر ومن مختلف دول العالم لكي يقف هؤلاء علي هذه التجربة الفريدة في التنمية الزراعية الشاملة وكانت كلمة السر أم صابر أول قرية نموذجية أنشئت في مديرية التحرير لقد خرجت الحركة التعاونية من هذه المنطقة الناهضة وأتذكر جلسة جمعتني بالدكتور أحمد جويلي وكنا نتحدث حول مستقبل مصر الزراعي وفوجئت بالرجل يقول لي اذهب إلي قرية أم صابر في مشروع مديرية التحرير وهناك ستري كيف كانت التنمية الشاملة هناك ستري ما هي التنمية الشاملة وأضاف الرجل أن هذا المشروع كان من المشروعات المدرجة للبحث والدراسة بالأممالمتحدة وكان نموذجا للتنمية المستدامة والشاملة الذي توصي به الأممالمتحدة للدول النامية لقد تعرضت تلك المنطقة لإهمال شديد في الفترة من منتصف الستينيات حتي منتصف الثمانينيات وكانت الأسباب في مجملها غير مفهومة وغير مبررة وغير واضحة تماما، لكن زيارة قام بها الرئيس مبارك لمديرية التحرير في منتصف الثمانينيات كانت إيذانا بعودة الحياة من جديد إلي هذه المديرية وبدأت رياح الرأسمالية تهب علي المنطقة حيث برنامج الخصخصة وتوسيع قاعدة الملكية الذي طبق لأول مرة في مصر في مديرية التحرير وأشهد بأن أول من طبق هذا النظام حتي قبل أن يتم استخدام مصطلح الخصخصة ذاته في الأدبيات الاقتصادية والأوساط الصحفية كان المهندس الزراعي أحمد عبدالمنعم الليثي الذي كان يعمل رئيسا لشركة جنوب التحرير الزراعية قبل أن يصبح محافظا لإقليم البحيرة فوزيرا لزراعة مصر، إن رياح الرأسمالية هبت بقوة علي كل الأنشطة الاقتصادية في مديرية التحرير وها هي الأسواق العالمية تفتح أبوابها للفراولة ماركة أم صابر لكن حتي تستمر مسيرة النجاح والتفوق وتصبح أم صابر حدوتة مصرية لابد من مساندة الدولة.. خاصة وزارات الزراعة والتجارة إن دعم الدولة يجب أن يوجه إلي تشجيع إنشاء كيانات مؤسسية ضخمة متخصصة في التصدير والزراعات التصديرية، إن زيارة لوزير الزراعة بصحبة وزير التجارة ومحافظ الإقليم إلي قرية أم صابر قد تكون بداية جادة لتسليط الأضواء أمام فراولة أم صابر فائقة الجودة ولحماية المصدر المصري من كرابيج الرأسمالية التي بدأت تهدد الحلم المصري في السيطرة علي سوق الفراولة الأوروبي بيد أن الحديث يقودنا إلي ضرورة الحديث عن ملفات الدعم الذي تقدمه الحكومة للمصدر المصري الذي يصل إلي 15 ٪ من إجمالي قيمة صادراته السنوية- ومع كامل تقديري لهذا التوجه - إلا أنني اقترح تخفيض هذه النسبة بمعدل 5 ٪ سنوياً ليصبح صفراً٪ بعد 3 سنوات من الآن علي أن يتم توجيه هذه المبالغ المخصصة للدعم التصديري إلي دعم الزراعات التصديرية عن طريق الجمعيات الزراعية التي ما عاد لها دور علي الإطلاق خلال السنوات الماضية إن الفلاح المصري سيكون بوابة التنمية شرط أن يتم التعامل مع قضاياه بطريقة مغايرة تماما فالفلاح المصري لا ينتظر صدقة ولن يقف في طابور المتسولين أمام الجهات الحكومة، إنه أساس التنمية إذا أردنا تنمية حقيقة وهو بوابة التصدير إذا أردنا أن نكون مصدرين، الفلاح المصري لم يعد كما كان في الصورة التقليدية معدماً أمياً يلبس جلباباً باليا ممزقا، الفلاح المصري أصبح متعلما مثقفا يلبس أفخر الثياب ويتحدث اللغات الأجنبية ويدير حقله ومزرعته علي غرار المزارع والفلاح الأوروبي، لابد أن يقوم الإعلام بدوره في تغيير الصورة. صورة الفلاح المصري من زمن ولي إلي حاضر ومستقبل مشرق كذلك أمين الفلاحين في الحزب الوطني وبقية الأحزاب - إن كانت هناك أحزاب - يجب أن يقوم بدور جديد ومختلف وحقيقي لصالح الفلاح المصري يقوم بفتح ملفات الأسمدة والدعم والمبيدات والمياه والضرائب وبنك التسليف الزراعي ودور الجمعيات الزراعية، مع وضع البدائل والحلول المناسبة بعيداً عن الخطب والشعارات والظهور في المناسبات بالجلباب الفلاحي وتدبيج الخطب الرنانة وترديد شعارات ليس في الإمكان أبدع مما كان إذا لم يكن قادراً علي ذلك فهناك من أبناء مصر من يستطع أن يصنع المستحيل من أجل هذا الوطن وبالنسبة لأعضاء المجالس النيابية عن الفلاحين ماذا فعلوا للفلاح المصري وهل هم حقيقة من الفلاحين؟ يا سادة مصر في حاجة إلي لحظة صدق وقولة حق وهذا دور عقلاء الأمة كما قال رئيس البلاد. وفقكم الله