لا يمكن إلاّ الترحيب بمنح الرئيس باراك أوباما جائزة نوبل للسلام. إنها المرة الأولي التي تمنح الجائزة إلي شخص تقديرا لنياته الحسنة. حتي الآن، امتلك الرئيس أوباما كل النيات الحسنة الممكنة وأثبت أنه يريد بالفعل تجميل صورة الولاياتالمتحدة في العالم وتقديم المجتمع الأمريكي علي حقيقته وليس بصفة كونه مجتمعا لا يؤمن سوي بالفوقية. تبدو مهمة أوباما في هذا المجال سهلة في حال اقتصر الأمر علي النيات. كل ما علي الرئيس الأمريكي عمله هو الخروج بمواقف متعارضة مع سياسات سلفه جورج بوش الابن كي يصفق له الناس، كل الناس. كان خطابه في القاهرة وقبل ذلك خطابه في أسطنبول دليلا علي رغبة حقيقية في مصالحة أمريكا مع العالم، خصوصا مع العالم الإسلامي. ربما كان الهدف الحقيقي للرئيس الأمريكي أن تتصالح الولاياتالمتحدة مع نفسها أوّلا! هل حقق شيئا ما من هذا الهدف أو اقترب منه ولو قليلا كي يستاهل جائزة نوبل للسلام؟ سبق لرؤساء أمريكيين الحصول علي جائزة نوبل السلام تقديرا لهم علي أعمال محددة قاموا بها. فالرئيس تيدي روزفلت، وهو أول رئيس أمريكي يحصل علي الجائزة، كوفئ في العام 1906 من القرن الماضي علي وساطته التي أدّت إلي التوصل إلي معاهدة بين روسيا واليابان حالت دون حرب بينهما. وحصل الرئيس وودرو ولسون علي الجائزة بسبب دوره في تأسيس عصبة الأمم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولي في العام 1919، وعصبة الأمم هي المؤسسة الدولية التي كانت المظلة التي نظمت العلاقات الدولية قبل قيام الأممالمتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. كذلك حصل الرئيس جيمي كارتر علي جائزة نوبل في العام 2002 مكافأة له علي نشاطه من أجل السلام وتحسين الاجواء الدولية، علما أنه كان في الإمكان منحه الجائزة في العام 1979 بعد توقيع معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية وهي الأولي من نوعها بين دولة عربية وإسرائيل. لولا جيمي كارتر لما كانت قمة كامب ديفيد في خريف العام 1978 التي أدت إلي اتفاقين بين مصر وإسرائيل انبثقت عن أحدهما معاهدة السلام. كافأت لجنة جائزة نوبل كارتر متأخرة وها هي الآن تكافئ باراك أوباما علي انجازات لم تتحقق . لم تكافئ لجنة نوبل رئيسا مثل ريتشارد نيكسون، ظلمته لاحقا فضيحة ووترجيت. غير نيكسون العالم عندما انفتح علي الصين في العام 1972 . قلب الموازين الدولية رأسا علي عقب. فجأة، صارت الصين في مكان آخر. صارت جزءا من معادلة دولية مختلفة عن تلك التي كانت قائمة قبل العام 1972 عندما كان هناك قطبان دوليان. كانت زيارة نيكسون لبيجينج خطوة أولي في طريق انتهاء الحرب الباردة وإضعاف الاتحاد السوفيتي. وعلي الرغم من ذلك لم يحصل نيكسون علي نوبل السلام. علي ماذا يكافأ أوباما إذا؟ هل يكافأ علي تنفس العالم الصعداء لمجرد خروج جورج بوش الابن من البيت الأبيض وعدم حلول الجمهوري جون ماكين مكانه؟ في النهاية، لا يزال أمام باراك أوباما طريق طويل قبل أن يحقق انجازا، ولو متواضعا، يساهم، ولو قليلا، في تغيير صورة أمريكا في العالم. ليس كافيا تأكيد الإدارة الأمريكية إنها ستلجأ إلي لغة الحوار كي تتغير صورتها في العالم. ماذا ينفع الحوار مع بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي المصر علي تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية والقدس الشرقية بما يكفل استحالة قيام دولة فلسطينية "قابلة للحياة"؟ وماذا ينفع الحوار مع النظام الإيراني الذي لا همّ له سوي كسب الوقت بغية وضع العالم أمام أمر واقع يتمثّل في سيطرته علي العراق ووضعه تحت وصايته لا أكثر ولا أقل. أما الكلام عن برنامجه النووي فهو مجرد تمويه علي هدفه الحقيقي الذي هو العراق ونفط العراق؟ وماذا ينفع الحوار مع النظام السوري إذا لم تكن هناك رغبة لديه في الانصراف إلي معالجة المشاكل الحقيقية للمواطن السوري بدل الهرب من هذه المشاكل إلي خلق توتر سياسي وأمني في لبنان؟ وماذا ينفع الحوار في أفغانستان في حال كان مطلوبا الاستسلام لطالبان وما تمثله من تخلف علي كل صعيد بدءا باحتقارها لحقوق المرأة ووضعها كإنسان وانتهاء بتربية اللحي وحتي طريقة تربيتها لدي الرجال؟ لا شك أن باراك أوباما شخص استثنائي. هل يكفي أن يكون أول أسود يدخل البيت الأبيض ليستحق نوبل السلام؟ هل يكفي رهانه علي روسيا لتطويق إيران والتخلي عن الدرع الصاروخية في بولندا وتشيكيا إرضاء لها كي يصبح رجل سلام؟ ما حصل تسخيف لنوبل السلام. نعم، يمتلك أوباما رؤية. يؤمن بالحوار ويؤمن بضرورة التصدي للمشاكل الحقيقية في العالم. إنها المشاكل تجاهلها بوش الابن ومن أهمها الاحتباس الحراري. لكن الواضح أن الرجل، بسبب عدم قدرته، اقله إلي الآن، علي استخدام ما لدي بلاده من قوة ونفوذ وقدرات، يمكن أن يقود العالم إلي كارثة. هناك من دون شك ضرورة للحوار في هذا العالم. لكن الرسائل التي بعثت بها الإدارة الأمريكية منذ دخول أوباما البيت الأبيض تشير إلي رغبة في الحوار من أجل الحوار. هل هذا سبب وجيه لحصول الرئيس الأمريكي علي نوبل السلام... أم كان من الأفضل الانتظار ولو سنة أخري للتأكد من قدرته علي قطف ثمار الحوار والكلام الجميل في عالم لا يفهم في أحيان كثيرة سوي لغة القوة؟