بعد الإعلان عن فوز أوباما بجائزة نوبل للسلام، احتدم الجدل حول مدى أحقية الرئيس الأمريكى لهذه الجائزة، واختلفت الآراء ما بين فريق يؤيد قرار لجنة نوبل لأن أوباما يسعى لتعزيز الدبلوماسية فى العالم، وفريق يعارض ذلك القرار باعتبار أنه لم يحقق إنجازات فعلية حتى الآن، وفريق ثالث يرى أنه يستحق الجائزة ولكن بشرط أن يعمل على ترجمة أقواله إلى أفعال. وقد تسابقت الصحف والمجلات الأمريكية فى عرض وتحليل تلك الآراء، ونشرت مجلة «نيشن» الأمريكية مقالا للكاتب ريتشارد كيم يعكس حجم المفاجأة التى أصابت الكثير من الأمريكيين بعد الإعلان عن فوز الرئيس الأمريكى باراك أوباما بجائزة نوبل. ويبدأ كيم المقال بوصف ردة فعله عندما استيقظ يوم الجمعة الماضى وطالع الموقع الإلكترونى لصحيفة نيويورك تايمز كعادته كل صباح، قائلًا: «أصابتنى المفاجأة عندما قرأت أن أوباما يفوز بجائزة نوبل للسلام بسبب جهوده الدبلوماسية، وشعرت وقتها بأننى أحلم أو أننى مازلت تحت تأثير الخمر الذى احتسيته فى حفلة حضرتها فى الليلة السابقة وأغمضت عينى محاولا الاستيقاظ مرة أخرى بعد خمس دقائق لأعود إلى أرض الواقع وأهرب من أرض الأحلام». ويقول كيم فى المقال: «نعم، فاز باراك أوباما بجائزة نوبل للسلام.. هكذا كنت أقول لنفسى محاولا تصديق الخبر»، وأول رد فعل تخيله وقتها هو حجم الجنون الذى سيصاب به الجمهوريون والمحامية الأمريكية أورلى تيتز التى قدمت شهادة ميلاد تثبت ولادة أوباما فى كينيا لتثبت أنه ليس من حقه أن يكون رئيسًا للبلاد وفقا للقانون الأمريكى الذى يشترط ألا يرشح لذلك المنصب من كان غير مولود فى الولاياتالمتحدةالأمريكية بمجرد معرفة هذا الخبر. ويضيف كيم: «إن حصول أوباما على الجائزة لا يثبت فقط أنه اشتراكى قادر على تنفيذ أهدافه لأنه جعل النرويجيين يصوتون لصالحه وإنما يثبت أيضا أنه رجل يجيد المناورة، فبعد أن ضاعت من شيكاغو أوليمبياد 2016 التى ذهبت لصالح ريو دى جانيرو رغم دعمه لها، جاءت جائزة نوبل للسلام لتثبت أنه يسير فى الاتجاه الصحيح». ويصف كيم حيرته بشأن قرار لجنة نوبل قائلا: «منحت اللجنة جائزة نوبل لأوباما مكافأة له على تصرفاته كرئيس عادى للولايات المتحدةالأمريكية، فى مقابل عدم تصرفه كراعى بقر فاسد جاهل. وتصر اللجنة على أن الجائزة لم تمنح لتشجيع أوباما على اتخاذ خطوات إيجابية فى المستقبل، وليس الهدف من الجائزة حث الولاياتالمتحدةالأمريكية ورئيسها على أن يكونا جيرانا أفضل للنرويج». ويضيف كيم: «يقول توربيورن إياجلاند رئيس وزراء النرويج سابقا الذى ترأس لجنة نوبل هذا العام، إن حصول أوباما على جائزة نوبل سببه مكافأته على أعماله التى تحققت بالفعل، فقد بذل جهودا غير عادية لتقوية الدبلوماسية الدولية، وتعزيز التعاون بين الشعوب. وصرح أياجلاند: «نحن لا نمنح الجائزة مكافأة على ما سوف يحدث فى المستقبل، إنما يتم منحها تقديرا لما تم إنجازه بالفعل فى العام الماضى». إن إياجلاند يعتبر أن أوباما أوجد مناخا جديدا على الساحة الدولية يقوم على أساس الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان، وفى نفس الوقت يتيح ذلك المناخ للمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة القيام بدور كبير فى مواجهة التحديات الدولية، والأهم من ذلك أن أوباما يتخذ موقفا داعما لعالم خال من الأسلحة النووية. وحسب إياجلاند فقد «ركزت اللجنة على هذه النقطة بالتحديد». ويصر كيم على أن تصريحات لجنة نوبل ورئيس اللجنة عقب الإعلان عن فوز أوباما بالجائزة طموحة إلى حد بعيد، كما أنه يصر على أنه لا يعتقد أن أوباما مستحق لهذه الجائزة. ويوضح كيم فى المقال أنه يعرف أن الرئيس الأمريكى قال إنه يريد عالما خاليا من الأسلحة النووية، ولكن لايزال الطريق طويلا لتحقيق تلك الرغبة التى تحتاج أولا تصديق مجلس الشيوخ الأمريكى على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وهذا التصديق لا يمكن أن يضمن البيت الأبيض حدوثه قبل مرور فصل الخريف الحالى. ويرى كيم إن الإدارة الأمريكية الحالية لم تختلف عن الإدارة السابقة فيما يتعلق بأن أوباما يؤمن بالتعددية والشراكة مع الأممالمتحدة، حيث قاطعت الإدارة الحالية مؤتمر ديربان لمكافحة العنصرية للتملص من مواجهة القضايا العرقية الفعلية التى أثيرت فى المؤتمر، وقالت وزارة الخارجية الأمريكية وقتها أن الإدارة اتخذت قرارا بمقاطعة المؤتمر بسبب وثيقة تنتقد إسرائيل وتتعارض مع الالتزام الأمريكى بالحرية المطلقة للتعبير. أما عن قضية التغير المناخى، فيقول كيم فى المقال إن أوباما لم يقر حتى الآن بأنه سيذهب إلى مؤتمر التغير المناخى فى كوبنهاجن فى ديسمبر المقبل، وإذا نجحت تلك الرحلة القصيرة التى سيقوم بها الرئيس الأمريكى إلى الدانمارك فى تقليل انخفاض انبعاثات الكربون، فهذا يعنى أن الولاياتالمتحدة ستقدم تنازلات أكثر من تلك المطروحة حاليا. ويقول كيم إنه يمكنه أن يحصى إنجازات أوباما حتى الآن: «الإعلان عن إغلاق معتقل جوانتانامو، وحماية الحقوق المدنية، والالتزام باتفاقية جنيف، والتفاوض مع إيران بحسن نية، والانسحاب من العراق، الذى سيتبعه بالطبع انسحاب من أفغانستان، لأن زيادة عدد القوات الأمريكية هناك أو الإبقاء على الوضع الراهن سيشوه سمعة جائزة نوبل فى عيون التاريخ». وفى نهاية المقال يؤكد كيم على أن أوباما حصل على ثقة النرويجيين الذين منحوه جائزة نوبل، ولكن عليه الآن أن يكسب الجائزة بأفعاله. ويقول كيم إنه يعتقد أن ذلك لن يتحقق إذا استمرت الإدارة الأمريكية فى رفع شعارات تتعلق بالدبلوماسية والتعاون الدولى دون التحرك الحقيقى على الأرض.