هل من حق أى مسئول سعودى أن يزور إثيوبيا ويوقع معها اتفاقيات تعاون؟!..الإجابة هى نعم بكل تأكيد. وسؤال ثانٍ: هل من حق وزير الخارجية القطرى أن يزور إثيوبيا، ويجتمع مع رئيس الوزراء الإثيوبى هيلى ماريام ديسالين، ويوقع معه اتفاقيات متنوعة فى جميع المجالات؟!. مرة ثانية الإجابة هى نعم. والسبب ببساطة أن مصر نفسها لها علاقات متميزة منذ سنوات مع إثيوبيا، ووقعنا معها اتفاقيات كثيرة، ولدينا هناك استثمارات متنوعة، ونستورد منها كميات ضخمة من اللحوم. ليس ذلك فقط، بل فإن أكثر مسئول أجنبى قابله الرئيس عبدالفتاح السيسى منذ توليه منصبه كان رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين، وكانت المرة الأولى بعد تنصيب الرئيس السيسى بأيام على هامش قمة الاتحاد الأفريقى، التى ألغت تعليق عضوية مصر فى يوليو 2014، وبعدها تتالت اللقاءات فى القاهرةوالخرطوم ونيويورك وشرم الشيخ، بل ان الرئيس خاطب الشعب الإثيوبي مباشرة عبر برلمانه في أديس أبابا التي زارها اكثر من مرة. الوفود المصرية لا تتوقف إلى أديس أبابا، وهو أمر طيب ومحمود لأن العلاقات القوية بين البلدين يمكنها أن تساعد فى حل المشكلة الأكبر، وهى سد النهضة وتأثيره على حصة مصر من مياه النيل. مرة أخرى أن يزور أحمد الخطيب المستشار العاهل السعودى فى الديوان الملكى، أو محمد بن عبدالرحمن وزير الخارجية القطرىأديس أبابا، ويلتقيان مع جميع المسئولين الإثيوبيين وتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادى، فهو أمر عادى جدًا، ولا ينبغى أن يثير حفيظتنا كمصريين،وعلي الاعلام المصري ان يتعامل معه بطريقة طبيعية. المشكلة الحقيقية تتمثل فى التوقيت والدلالة والإشارة والرسالة، والأخطر أن يزور هؤلاء المسئولين موقع سد النهضة. المتابع يدرك أن العلاقات الخليجية مع إثيوبيا قوية اقتصاديًا منذ سنوات، باستثناء قطر التى كانت تدعم أرتيريا فى خلافها مع أديس أبابا، لكن علاقات البلدين تجاوزت كل ذلك الأن، والاستثمارات الخليجية فى إثيوبيا فى تزايد مستمر، ومعها تركيا ودول أخرى خصوصًا الصين، لأن إثيوبيا مصنفة الآن من بين أفضل الدول نموًا وجذبًا للاستثمارات الأجنبية. من حق المصريين أن يسألوا حينما يجدوا وفودًا خليجية متتالية تزور أديس أبابا، خصوصًا، حينما يتزامن ذلك مع تراجع لافت فى علاقتهم مع مصر،وبعد أيام فقط من إصدار مجلس التعاون الخليجى بيانًا يستنكر فيه ما اسماه «زج مصر لاسم قطر فى قضية تفجير الكنيسة البطرسية»!!!. ومن حق المصريين أن يندهشوا ويغضبوا إذا شملت الزيارات الخليجية لإثيوبيا سد النهضة، لأنه ما يزال موضوعًا للخلاف بين مصر وإيثوبيا. صحيح أننا جلسنا معهم ووقعنا إعلان مبادئ فى الخرطوم، لكننا لم نتلقَّ حتى الان إجابات واضحة ومحددة تزيل قلق المصريين على المصدر الوحيد للمياه فى حياتهم وهو نهر النيل. كانت مصر طوال السنوات الماضية تراهن على أن تستخدم دول الخليج علاقاتها واستثمارات ومساعداتها لإثيوبيا كى «تلين» موقفها مع مصر فى قضية السد، وأظن أن دولة مثل الإمارات لعبت دورًا إيجابيًا فى هذا الصدد، لكن المأساة أن الآية يبدو أنها انقلبت هذه الأيام، وبدلًا من ذلك قد نتفاجأ أن «بعض» بلدان الخليج قد تستخدم «الورقة الإثيوبية» للضغط على مصر. نتمني أن يتحرك العقلاء في الجانبين لاحتواء هذا التردي المستمر في العلاقات، حتي لا نخسر جميعًا في مصر والخليج. لا أعرف نوايا بعض بلدان الخليج، وما الذى دفعهم لهذه الزيارات فى هذا التوقيت، أو ما هى الرسالة التى تريد بعض الدول إرسالها لمصر حينما توفد مبعوثيها لزيارة موقع سد النهضة، خصوصًا أن أثيوبيا سوف تفسر هذا «الاندفاع الخليجى» إليها، بالتشدد أكثر مع مصر. أتمنى أن تعيد بعض دول الخليج تقييم هذا «الاندفاع المتهور»، وألا تلعب بهذه الورقة المسمومة، لأنها ببساطة لا «تكيد» الحكومة المصرية فقط، بل «تكيد» الشعب المصرى بأكمله وتؤثر على اهم قضية تشغله وهى الماء.