فى إطار رئاسة العراق للقمة العربية افتتح وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى مؤتمر كتابة الدساتير فى دول الربيع العربى الذى انعقد ليوم واحد فى القاهرة وبحضور الأمين العام للجامعة العربية ونائب الرئيس العراقى عادل عبد المهدى بالإضافة إلى عدد من الخبراء القانونيين فى مجال كتابة الدساتير من تونس والعراق وليبيا ومصر واليمن. و ناقش المؤتمر 4 محاور هي: التجربة العراقية فى كتابة الدستور والدروس المستفادة من هذه التجربة، تجارب كل من تونس ومصر وليبيا واليمن فى كتابة الدساتير، والقواسم المشتركة بين التجارب العربية، والتعرف على رؤى دول الربيع العربى لكتابة الدساتير. ويهدف هذا المؤتمر إلى توعية الجهات المعنية بكتابة الدساتير فى دول الربيع العربى بكيفية كتابة دساتير تتماشى مع المتغيرات الحالية فى المنطقة وتتوافق مع تطلعات الشعوب العربية خلال المرحلة القادمة، وفى كلمته الافتتاحية أوضح وزير الخارجية العراقى هوشيار زيبارى أن أسباب عقد هذا المؤتمر هو ثورات الربيع العربى التى تزامنت مع رئاسة العراق للقمة العربية فى دورتها الثالثة والعشرين؛ مشيرًا إلى أنه فى ظل استمرار الحراك الشعبى فى كثير من البلدان العربية وجدنا المناسبة مواتية لعرض التجربة الدستورية العراقية خاصة فى ظل مسعى دول الربيع العربى لكتابة دساتيرها وبناء ديمقراطياتها. وقال إن الدستور الاتحادى العراقى جاء حصيلة تجربة سياسية عبرت عن إرادة الشعب وجسدت مشاركة كافة مكوناته وقومياته وطوائفه المتعددة والمتنوعة، بأن النظام السياسى الذى ولد من رحم الدستور أسس دولة مدنية تحترم الدين الإسلامى والديانات الأخرى وقائمة على فصل وتوزيع وتوازن السلطات الدستورية. وأوضح أن الدستور الاتحادى العراقى هو أول دستور دائم يعرفه العراق وأول دستور لم يفرضه الحاكم؛ إنما كتبه الشعب من خلال ممثليه ونوابه الذين انتخبوا عبر صناديق الاقتراع بإرادة حرة واعية ونزيهة شهد لها العالم بأسره، وأضاف أن دستور العراق أسس نظامًا ديمقراطيًّا برلمانيًّا قائمًا على فصل السلطات وفرض احترام الحقوق والحريات، وأضاف: مضى على تطبيق الدستور سبع سنوات ألهمنا خلالها فن وسياسة الحوار لمواجهة التحديات وتسوية الخلافات وتجاوزها كما علمنا كيف نستثمر الاختلاف فى الرأى لترسيخ الديمقراطية وإثراء التجربة السياسية مما مكن الجميع من تحويل الخلافات إلى مناسبات للتفاهم والحوار والحفاظ على استقرار واستمرار السلطات الدستورية التى تأسست على مبادئه وآلياته فِدرالية الدولة ولا مركزية السلطة وهما مبدآن أساسيان للحفاظ على وحدة وسيادة العراق إضافة إلى تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء احتلال العراق والانتصار على الارهاب. وشدد هوشيار زيبارى على أن الدستور العراقى أصبح المرجعية التى نحتكم إليها عند الأزمات والأساس لشرعية الاتفاقات والتوافقات وقال: إن المحكمة الاتحادية العليا اثرت التجربة الدستورية والسياسية بفقه دستورى يوضح ما كان مبهمًا، ويكمل ما جاء ناقصًا فى الدستور، وأشار إلى دور المجلس النيابى فى متابعة ورعاية وتعديل بعض القوانين وجعل بعض نصوص الدستور تواكب تطور المجتمع والعمل السياسى فى العراق وتجارب ونصوص دساتير الدول الأخرى. وبدوره أشاد الدكتور نبيل العربى بفكرة المؤتمر فى هذا الظرف الذى تمر به دول الربيع العربى ووصف تجربة كتابة الدستور بالمهمة لمشاركة نخبة مميزة من خبراء وفقهاء القانون. وقال فى إطار التغيرات التى تشهدها المنطقة ومطالبة الشعوب العربية بمزيد من الحريات ومزيد من الديمقراطية وتأكيد سيادة القانون والأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية بهدف تحقيق الحكم الرشيد، تولى العديد من الدول العربية اهتماماً شديداً بتطوير وتحديث الضمانات التى توفر وتحقق وتضمن هذه المطالب للشعوب. واعتبر أن الدستور هو القانون الأعلى الذى يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة ونظام الحكم وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات بين السلطات وحدود وواجبات كل سلطة والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات تجاه السلطة نفسها كما يضع الضمانات للأفراد تجاه السلطة، وعلى الدستور أن يحمى ويمثل كافة أطياف المجتمع، فهذه هى القواعد العامة المعمول بها فى العالم. وأوضح العربى أن من أهم البنود الواجب أن يتضمنها أى دستور ضمان ديمقراطية الحكم من حيث إعمال مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، واستقلال القضاء لما فى ذلك من حماية لحقوق المواطن. فيما تحدث الدكتور يحيى الجمل الفقيه الدستورى عن أهمية كتابة الدستور وتحقيق الحكم الرشيد وقال: إن الدستور ينظم سلطات العمل وحدود كل سلطة وواجباتها والحقوق السياسية للأفراد، وأكد على أهمية تمثيل الدستور لكل أطياف المجتمع والعمل على حماية حقوق المواطن لتحقيق العدل والمساواة والأمن فى العالم العربى. وقال: إن الدستور ليس مجرد وثيقة وإلا لجأنا لأى دستور وأجرينا عليه الاستفتاء إنما لابد أن يكون لكل دولة تجربتها الخاصة بها فما يصلح لمصر قد لا يصلح فى سوريا وكل دولة لها خصوصياتها والمسألة تحتاج لدراسة خصوصية كل مجتمع. فيما حذر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد أستاذ القانون مما أسماه الخطر الاعظم فى مصر وقال: نرى نذر الأخطار بسبب الخلاف حول الدستور ودعا النخب المثقفة لتحرى الصدق والموضوعية والتمسك بنقاط الاتفاق والنقاش حول مواضع الاختلاف لاختصارها. وفى ختام اعمال المؤتمر أكدت المناقشات التى طرحها المختصون والمهتمون من البلدان العربية المشاركة أهمية أن يكون أى دستور مُعبراً عن إرادة الشعب نابعاً من ضميره ووجدانه، ولا يمكن أن يكون كذلك ما لم تساهم كافة المكّونات الفكرية أو القومية أو المذهبية أو السياسية للشعب فى إعداده، وقد بحث المؤتمر أهم التحديات التى تواجهها شعوبنا فى تنظيم العلاقة بين الدين والدولة وشكل النظام السياسى أو الحكم، وتوازن وتوزيع السلطات وصون كرامة المواطن العربى وحقوق الإنسان بشكل عام، ومنها بشكل خاص حقوق المرأة. وخلص المؤتمر إلى أن نجاح تبنّى وتطبيق أى دستور مرهون بموافقة الشعب على مبادئه ونصوصه من خلال استفتاء عام يكشف عن قناعة ورضا والتزام الشعب بالدستور واعتباره مصدراً مُلهماً وجامعاً للشعب وقاسماً مشتركاً لجميع مكوناته وتوجهاتهِ الفكرية والعقائدية والسياسية، ومرجعاً للاحتكام إليه والاهتداء بنصوصه وروحه عند الخلاف والاختلاف، كما تضمنت توصيات المؤتمر مفاده أن التضحيات الجسام التى قدمتها شعوبنا من دماء وضياع فَرص التقدم والبناء والحاجة الملحة للحاق بركب التطور ومواكبة شعوب العالم ينبغى أن تتم ترجّمتها إلى وقائع فى دساتيرها وقوانينها من خلال التأكيد والتشديد على احترام حقوق وحريات المواطن فى الرأى والعقيدة والحياة الكريمة فى إطار دولةَ قائمة على حكم القانون وسيادة الشعب واحترام تاريخهِ ومستقبلهِ ومصالحهِ، والمحافظة على الهوية العربية والإسلامية. مشيرًا إلى أن الاهتمام بالحريات والحقوق وفرض تطبيقها على الدولة ومؤسساتها أمر يضمنُ دستورية وقانونية ومدنية الدولة ويصونها من الانزلاق والانحراف نحو التطرف والتعصب والتخلف. إن شعوبنا بدأت مشوارها فى التحرر من التسلط والديكتاتورية والاستبداد والتأمل فى مستقبلها، وأن العمل الدستورى سيكفل ( إن إنشاء الله) المُضى فى مسيرة شعوبنا قٌدماً، وعلينا التواصل دائماً من اجل التشاور وتبادل الخبرات وتعزيز القدرات لتحقيق ما تصبو إليه شعوبنا من إنجازات وأهمها بناء دولة وطنية يسودها القانون تضمن الحرية والأمن والسلام لمواطنيها وتكون مصدر محبة وخير وسلام لشعوب المنطقة والعالم. وشدد المشاركون على أهمية الاستفادة من تجارب الدول العربية عند مراجعة دساتير أو كتابة دستور جديد لوضع مبادئ لنظام ديمقراطى يحدد سلطات وحقوق وواجبات كل من الحكومة من جهة، وكافة أفراد المجتمع من جهة أخرى، بهدف توفير الضمانات اللازمة لتحقيق العدالة والمساواة والتنمية والأمن والحريات المكفولة للحفاظ على كرامة الإنسان العربى.