مغامرة القراءة في رواية «عادل وسعاد» لإبراهيم المصري لن تكونَ سهلةً ومضمونةَ الخروجِ مِن مَتاهَتِهَا بسَلاسَةٍ، فهي تحتاج إلى كامِلِ مَجهودِ وطاقةِ القارئ، إننا نتجاوزُ مَفهومَ القارئ الخبير إلى مفهوم «القارئ التجريبي» إن صحَّ المصطلح، القارئُ الذي لديه القدرة على أن يعيد تشكيل معطيات الرواية مراتٍ ومَرِّات، لكي يخرجَ منها بروايات عدة، ومن بينها يختارُ لنفسِه الروايةَ التي يراها النموذَجَ الأمثَلَ والأكثر قرباً لتجربة قراءته. لكن هل يعني هذا أننا لا يُمكِنُنا أن نمسكَ بنيةً سرديةً رئيسةً نجعلها النقطة الأساسية للانطلاق في محاولة قراءة النص نقدياً؟ فلا بدَّ من عُنصرٍ أساسي هو قوامُ السَردِ لهذهِ الرِوايةِ، هناك «حادثةٌ أُمّ» تتولدُ عنها باقي التَفريعات المتعددة لمتواليات الحكي السردية في الرواية، وهي التي انطلق منها المؤلِّفُ، وفي محاولةِ استِقصائِنَا هُنا لهذا الحدث الرئيسي الأم سنقفُ أمامَ بَعضِ الاقتباسات من الروايةِ ونُحلِّلُ دَلالاتِها لننظُرَ لطبيعةِ الحكي، والمضمون الروائي المتولّد في النهاية من هذا الفعل القرائي. وهم المثالية يقول الراوي: «إذا أخذنا الأحداث التي مرت حتى الآن على أنها حقائق، أو حتى إذا أخذناها على أنها هلوسة، فسوف نسقطُ فورا في الخرافة، ولا يعني هذا أنني أكذب، أنا فقط «مؤلف»، والخرافة كما نعلم جميعاً هي أيضاً.. حِكاية. أنا كمؤلف أحكي حكاية أو خرافة: حورية وضياء عادل وسعاد أمل وعمر وجدان وأنا شهاب الذي لم يقبل القسمة على امرأة. وإبراهيم الذي مات مقتولاً، ربما لأنه كان يطارد نفسه». الحدثُ الرئيسيُ إذن عَن مُتقابِلاتٍ ذُكوريةٍ ونِسائيةٍ، فهناك أمل وعمر، وعادل وسعاد، وحورية وضياء، ثم المؤلف ووجدان، وفي حالةِ لم يكُن للرجل مقابل فإنه يشار إليه بأنه غيرُ قابلٍ للقسمة، كنايةً عن انتقاصٍ فيهِ، لكن هذه المقابلات لها تقابلاتٌ معنويةٌ مختلفة، فمن ناحية، ضياء وحورية، المؤلف ووجدان، هما حالة من حالات الحب الشبِق، الحُب المفضي إلى العلاقة الحميمة، بينما حالتا عادل وسعاد، وأمل وعمر، فيِهما براءة الطفولة، وذكريات المدرسة، باعتبارهما الشخصيتين الرئيسيتين اللتين كانتا مثالينِ في تَصرُّفاتِهِما، بشكل فائق الدقة والانضباط، وتختزن في ذاكرتيهما محاولاتِ التعلم الأولى، وفي الوقت نفسه، هما مثال التسلط الأبوي على الأطفال بفرض ما يرغب الكبار أن يتعلموه وفق رؤيتهم، فتصبح شخصيات عادل وسعاد، أمل وعمر، بقدر ما هي مثالية، إلا أنها شخصياتٌ قابعةٌ تحت سيطرةِ واضعي المناهج.