إنها وصفة تعيسة للسلام: خذوا رئيس وزراء إسرائيليا لا يتمتع بشعبية وما يزال يعاني من نكسات في لبنان، وأضيفوا لذلك رئيسا فلسطينيا ضعيفا فقد سيطرته علي جزء من أرضه، ويحظي بدعم فاتر من الدول العربية.. اخلطوا المزيج الآن مع وزيرة خارجية حيوية واطبخوه علي نار قوية. والدبلوماسية التي ترتدي قبعة الطاهية كوندوليزا رايس تأمل أن تنتج شيئا يقبله الذوق في وقت التحضير لمؤتمر سلام كبير في أنابوليس أواخر نوفمبر الحالي أو النصف الأول من ديسمبر. وسيجمع المؤتمر الإسرائيليين والفلسطينيين مع مجموعة من المسؤولين العرب والدوليين. والهدف هو إعداد وثيقة تجعل الجميع ملتزمين بإقامة دولة فلسطينية والاعتراف بدولة إسرائيل. فهل سيتحقق ذلك ؟ سيكون الجواب واضحا خلال الأسابيع القليلة المقبلة حيث تدفع رايس الطرفين إلي إعداد مسودة وثيقة تفتتح المؤتمر. ولكن رايس تجري تعديلا علي الوصفة في الوقت الحالي بطرق تقلل التوقعات وبذلك المعني تجعل النجاح أكبر احتمالا. وإليكم خلاصة عما يجري طبخه اعتمادا علي مصادر أمريكية وعربية وإسرائيلية. وما هو واضح أن استراتيجية رايس تغيرت قليلا في الأسابيع العديدة الماضية، حيث واجهت بعض حقائق دبلوماسية الشرق الأوسط. وهي الآن تصور لقاء انابوليس باعتباره بداية المفاوضات النهائية، بدلا من أن يكون غاية بحد ذاته. وكان هدف رايس عندما بدأت هذه المبادرة الدبلوماسية في الربيع هو الانتقال نحو مناقشة قضايا "الوضع النهائي" التي يمكن أن تقرر صيغة الدولة الفلسطينية. والافتراض العملي هو ان كلا الطرفين أدرك الخطوط العامة الأساسية للصفقة النهائية: إسرائيل ستنسحب إلي حدودها ما قبل عام 1967 عموما، وسيكون هناك تبادل للأرض للسماح لإسرائيل بالإبقاء علي مستوطناتها الكبيرة حول القدس، ومنح الفلسطينيين ممرا بين الضفة الغربية وغزة. وفي ما يتعلق بالقضايا الأصعب فان إسرائيل ستتخلي عن الكثير من الهيمنة علي القدسالشرقية، العربية، وان الفلسطينيين سيقبلون بعودة اللاجئين إلي الدولة الفلسطينية فقط. وبينما بدأت رايس دفع الطرفين إلي إعداد المسودة لصيغة الاتفاق فإنها توصلت إلي أنها إذا ما دفعت الأمور بقوة اكبر باتجاه المساومات في فترة التحضير لمؤتمر انابوليس، فان العملية قد تنهار، وستجري إدانة رئيس الوزراء إيهود أولمرت والرئيس محمود عباس من جانب الإسرائيليين والفلسطينيين الأكثر تطرفا. من هنا قررت رايس أن المسالة ليست مجرد وثيقة انابوليس وإنما ما سيحدث في اليوم التالي. وأدركت رايس أيضا أنه سيكون ضروريا للولايات المتحدة أن تعرض "لغتها الهادفة لبناء الجسور" فيما يخص قضايا أساسية. وهذا يعود جزئيا إلي الاختلافات الكبيرة ما بين الطرفين بالنسبة لما يجب أن تحتويه الوثيقة. فالفلسطينيون أرادوا مسودة وثيقة طويلة لدولتهم الجديدة، بينما أراد الإسرائيليون إعلانا بحجم بطاقة بريدية يذكر كل طرف فيها التزامه من حيث المبدأ بحل الدولتين. ظلت عملية بناء الجسور خلال الشهر الماضي دليلا علي أن الطرفين يسعيان إلي ربط الضمانات الأمنية التي وعدت بها "خارطة الطريق" مع وثيقة أنابوليس و"أفقها السياسي". لكن التعثر الذي تعرضت له "خارطة الطريق" نجم عن أن الإسرائيليين طالبوا بإجراءات أمنية كشرط لأي خطوة لاحقة. ولكسر هذا المأزق أعد فريق رايس لغة تنازلية تسمح للولايات المتحدة أن تتصرف كحكم لتحديد ما إذا كانت تلبية شروط "خارطة الطريق" الأمنية قد تحققت. ويكمن الأمل خلال الأسابيع القليلة المقبلة فيما إذا كان المفاوضون سيتمكنون من صياغة وثيقة تلزم الطرفين لإنهاء النزاع، من خلال تكوين دولة فلسطينية، مع اعتراف الدول العربية بإسرائيل. وستشمل الوثيقة قضايا يجب حلها كجزء من الحل النهائي، لكنها لن تجبر المفاوضين الإسرائيليين أو الفلسطينيين علي تضمين قضيتي اللاجئين والقدس من الآن. وستأتي الاتفاقيات علي هذين الملفين لاحقا. ولجلب قدر من الدعم الدولي، فإن من الممكن للوثيقة التي سيدعمها الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني لحل الدولتين، أن يتم دمجها ضمن قرار يصدره مجلس الأمن الدولي في هذا الخصوص. كذلك يأمل العرب أن يتضمن إعلان انابوليس خطوات في بناء الثقة المتبادلة، مثل تجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية، وتسهيل نقاط التفتيش في الضفة الغربية، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين. يمكن القول إن رحلة رايس علي هذا الطريق حتي الآن هي مجرد بداية، والمراحل الصعبة منها ما زالت قائمة علي الطريق، لكنها تكتشف أنه، ومع كون هذا النزاع له زخمه الخاص، فكذلك ستكون عملية المفاوضات، ولكن الأهم أيضا أنها، وطالما قد بدأت المشوار، فلن يكون سهلا عليها أن تتوقف.