الضحية الأولي لعملية أمطار الصيف في قطاع غزة لن تكون بالضرورة الحكومة الفلسطينية بقيادة حماس، وقد تكون خطة الانطواء التي يعتزم رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت تنفيذها في الضفة الغربية، وقد تلقت ضربة قاضية بفعل أمطار الصيف التي من حيث الجوهر تهدم الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها خطة الانطواء، كما الأفكار الأحادية من جذورها. والحقيقة أن خطة الانطواء ولدت مشوّهة وهي عانت في الفترة الأخيرة من أزمات ومصاعب ومشاكل عميقة وما فعلته أمطار الصيف، ليس أكثر من رصاصة الرحمة التي تعلن وفاة الخطة ووأدها في مهدها. منذ فوز حزب كاديما في الانتخابات الأخيرة وتشكيل الحكومة برئاسة ايهود أولمرت لم ينجح هذا الأخير في فرض زعامته ومواهبه القيادية وهو أظهر إشكالية كبيرة في التعاطي مع الملفات الصعبة التي واجهها سواء داخلياً أو خارجياً وبالتأكيد فإن خطة ذات أبعاد استراتيجية كبيرة تستلزم مليارات الدولارات وآلاف الجنود وترحيل عشرات آلاف المستوطنين تحتاج قبل ذلك الي زعيم من العيار الثقيل يتولي الاشراف التام علي الخطة وربط جزئياتها ومكوّناتها الاستراتيجية ببعضها البعض الأمر الذي لا يتوافر بشخص أولمرت بأي حال من الأحوال. عطفاً علي ما سبق يمكن الإشارة الي عدم وجود أغلبية مؤيدة للخطة لا داخل الحكومة ولا الكنيست ولا حتي الشارع الإسرائيلي، فداخل الحكومة يبدي وزراء حزب العمل انتقادات وتحفظات كبيرة علي الخطة فضلاً عن معارضة حركة شاس الواضحة لها وداخل الكنيست لا يملك أولمرت الحنكة السياسية والحزبية اللازمة للمناورة وجلب التأييد للانطواء من قبل الأحزاب والكتل السياسية المختلفة، هذه المعطيات تنعكس بوضوح في الشارع الإسرائيلي الذي ما زال منقسماً تجاه خطة الانطواء وحسب استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة يديعوت أحرنوت ومعهد داحاف نشر الجمعة 30/6/2006 فإن خطة الانطواء لا تملك الأغلبية حيث يؤيدها 47% من الاسرائيليين مقابل معارضة النسبة نفسها لا بل ان الاستطلاع أشار الي أن حزب كاديما سيخسر 5 مقاعد في حال اجراء الانتخابات وقت اجراء الاستطلاع ومعلوم طبعاً أن مبرر وجود وإنشاء كاديما هو فك الارتباط عن الفلسطينيين بما يستلزم ذلك من خطوات وانسحابات أحادية، وهي الأفكار التي روّج لها ايهود اولمرت أثناء الحملة الانتخابية وبعد تشكيله للحكومة أيضاً. ضربة أخري وجهت لخطة الانطواء تمثلت في عجز جيش الاحتلال عن وقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة ضد المستوطنات والتجمّعات السكانية اليهودية المحيطة به، والمعروف أن مؤيدي ومنظري خطة فك الارتباط جادلوا بأنها ستحسن الوضع الأمني لإسرائيل وستطلق يد هذه الأخيرة في الردّ بقسوة وسحق أي محاولة من قبل المقاومة الفلسطينية لتهديد الأمن الاسرائيلي من قطاع غزة بعد الانسحاب الكامل من هناك. الي ذلك يمكن الحديث عن معضلة أخري واجهت خطة الانطواء تمثلت في الموقف الدولي المعارض أو علي الأقل المتحفظ. خلال جولاته الدولية علي كل من الولاياتالمتحدة وفرنسا وانجلترا لم ينجح أولمرت سوي بالحصول علي مساندة لفظية من الرئيس جورج بوش، الذي وصف خطة الانطواء بالأفكار الشجاعة، بينما كان هناك تحفظ لا لبس فيه في لندن ورفض واضح في باريس، وعلاوة علي ذلك يمكن الإشارة الي التحريض الجلي من الأردن ضد الخطة بوصفها تمثل تهديداً وجودياً لهذا البلد الذي يمثل ركيزة أساسية في السياسات الغربية، خصوصاً الأمريكية في المنطقة. وبالنسبة لأولمرت فإن الدعم الدولي، خصوصاً الأمريكي ضروري وهام جداً لتمرير الخطة داخل المؤسسات، كما داخل الشارع الاسرائيلي وعلي طريقة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، فإن التأييد الأمريكي ورسالة الضمانات التي قدّمها جورج بوش كانت خطوة مفصلية في انطلاق فك الارتباط الي حيز التنفيذ ونيل موافقة الحكومة والبرلمان وتغيير مواقف بعض القوي السياسية والحزبية الرافضة والمتحفظة. إذاً، في ظل هذه الظروف والمعطيات جاءت العملية الجريئة في كرم ابو سالم واضطرت إسرائيل لإعلان الحرب علي قطاع غزة واستغلال العملية لتنفيذ الحلول الخاصة بوقف إطلاق الصواريخ من هناك، وهذه الحلول تتراوح بين إقامة الأحزمة الأمنية داخل القطاع أو احتلال مناطق واسعة فيه سواء بشكل مؤقت أو دائم، وهي الأمور التي تعني في جوهرها فشل خطة فك الارتباط واستحالة تحقيق الأمن للاسرائيليين، دون وجود مباشر للجيش في قلب المناطق الفلسطينية الشيء الذي تتركز عليه تصريحات المعارضين للانطواء، خصوصاً في صفوف اليمين والمستوطنين الذين يجادلون بأن تنفيذ الانطواء في الضفة الغربية سيقرّب الصواريخ الفلسطينية من تل أبيب وكفر سابا ونتانيا ومطار بن جوريون، لأن نقل تجربة غزة الي الضفة من قبل الفلسطينيين سيكون مسألة وقت ليس إلا.