الانطواء أحادي الجانب يتحول الي صيغة غير ذات صلة. وعد رئيس الوزراء ايهود اولمرت بأن تبلور اسرائيل لنفسها من خلال هذه الخطة حدودا دائما، يبدو اليوم بلا أساس. الخطوة المزمعة التي تعِد بعدم الاعتماد علي الاستقرار في السلطة الفلسطينية، تتحول الي خطوة انفصال تدريجي منسق مع الفلسطينيين لعدة اسباب. أولا، ردود الفعل الباردة من قبل الأسرة الدولية كما حصل عليها رئيس الوزراء خلال زياراته في الآونة الأخيرة. هذه الردود أوصلت له رسائل قاطعة وواضحة. رد الرئيس الامريكي بوش وبيان رئاسة الاتحاد الاوروبي والبيان المشترك الصادر عن حسني مبارك والملك عبد الله حول عدم الاعتراف بالحدود التي توضع من دون اتفاق بين الجانبين كل ذلك يلزم اسرائيل بالانتقال من الخطة أحادية الجانب الي خطة انطواء منسقة. وإلا فان هذه الخطوة لن تحظي بالدعم الدولي الضروري لنجاحها. ثانيا، حالة الفوضي التي تدب في قطاع غزة واطلاق النار المتواصل علي التجمعات الاسرائيلية الجنوبية يعززان الشعور بعدم امكانية اخلاء اغلبية اراضي الضفة الغربية ببساطة، والافتراض في نفس الوقت أن وضع اسرائيل الأمني سيتحسن. التجربة المريرة بعد فك الارتباط عن غزة تشير الي وجوب السعي للتنسيق مع الفلسطينيين من اجل التجنب الأقصي لنتيجة أمنية مشابهة. في هذا السياق يجدر أن نذكر أن فك الارتباط عن غزة ايضا لم يكن أحادي الجانب تماما، ذلك لأن الفلسطينيين امتنعوا عن اطلاق النار خلال عملية التنفيذ الأمر الذي أتاح لحكومة شارون استكمالها بصورة ناجحة نسبيا. وثالثا، من المحتمل أن تكون اسرائيل قد نعت بصورة مبكرة جدا زعامة محمود عباس. سلوكه الفعال والحازم في قضية الاستفتاء حول وثيقة الأسري، والتطورات في هذه الايام، تشير كلها الي امكانية أن يكون شريكا ملائما للحوار والتنسيق. الواقع، وكذلك المصلحة الاسرائيلية، يقودان الي تحويل الانطواء من عملية أحادية الجانب الي عملية منسقة. يجب فقط أن نسأل حول كيفية القيام بذلك آخذين بعين الاعتبار الفوضي التي تدب في السلطة الفلسطينية والغموض السلطوي السائد هناك. الجواب هو: يتوجب نفض الغبار عن خريطة الطريق. خريطة الطريق مقبولة علي السلطة الفلسطينية وكذلك علي حكومة اسرائيل كمسار وحيد للتقدم نحو حل الصراع، ولذلك يجب، بل ويمكن، أن تكون مرساة لتحويل الانطواء الي خطوة منسقة. في اطار المرحلة الثانية من خريطة الطريق يفترض أن تقوم دولة فلسطينية مستقلة في حدود مؤقتة. وعليه يتوجب ربط الانطواء المنسق بخريطة الطريق والسماح للفلسطينيين باقامة دولة في حدود مؤقتة علي 80 90 في المائة من اراضي الضفة الغربيةوغزة. وبذلك ايضا يمكن أن تتبلور ديناميكية تدفع الجمهور الفلسطيني وقيادته الي الاهتمام بنجاح خطة الانطواء. وحتي يقبل هذا الخيار علي الجمهور الفلسطيني والجمهور الاسرائيلي هناك حاجة لتوفير الشروط التالية: بيان اسرائيلي واضح حول مباديء التسوية الدائمة التي توضح هدفا سياسيا واضحا يشكل موجها للمفاوضات المستقبلية ويسمح بتقليص درجة الشك في تنفيذ المراحل الانتقالية من خريطة الطريق. اعلان المباديء هذا يجب أن يرتكز في الأساس علي وثيقة المباديء الستة التي أعلنت عنها الحملة الوطنية والمعروفة ايضا باسم وثيقة أيلون نسيبة. مباديء تلك الوثيقة قُبلت منذ زمن في اطار تصور بوش الذي صرح عن ابقاء الكتل الاستيطانية بيد اسرائيل في اطار مبادلة الاراضي، ورفض مباديء عودة اللاجئين الي داخل اسرائيل. التطبيق الفوري لقانون تعويض اخلاء، الامر الذي يتيح اعادة المستوطنين طوعا منذ مطلع 2007 وتكريس الحدود المؤقتة مع الدولة الفلسطينية وفقا لمسار الجدار الأمني الذي تصادق عليه محكمة العدل العليا وضمان بقاء قوة اسرائيلية ودولية في غور الاردن، علي الأقل حتي التوصل الي التسوية الدائمة وربما من بعدها ايضا. سيكون علي الفلسطينيين أن يفوا بمستوجبات ومطالب المرحلة الاولي من خريطة الطريق، والتي تشمل قبل كل شيء الاعتراف باسرائيل والتصدي الحقيقي للارهاب. الجدوي الملموسة التي تأتي علي شاكلة الدولة الفلسطينية المستقلة الموجودة في متناول اليد ستوفر للجمهور الفلسطيني امكانية الضغط علي حكومة حماس وقبول خريطة الطريق بكل ما ينطوي عليه ذلك