لماذا لا تريد اسرائيل التفاوض مع الفلسطينيين للوصل الي اتفاق لاطلاق سراح الجندي الأسير؟ الاجابة بسيطة جدا وجاءت علي لسان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الذي قال بالنص في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة اصدرت تعليماتي الي القيادة العسكرية للقيام بكل شيء وكل ما يجب عمله لاعادة الجندي الي أهله.. ولكننا لن نجري مفاوضات مع الخاطفين، ولن نرضخ للارهاب ولأي ابتزاز من أي نوع، لأن من شأن ذلك ان يستدعي مزيدا من العمليات الارهابية. فأولمرت لا يعترف بالحكومة الفلسطينية وغير مستعد للتفاوض معها وبالتالي التوصل الي اي اتفاق، وهو لا يفرق ما بين حكومة حماس برئاسة اسماعيل هنية والرئاسة الفلسطينية بزعامة محمود عباس، فالحكومة في نظر أولمرت هي حكومة ارهاب وعباس في نظر اولمرت ايضا رئيس مشلول لا يستطيع القيام بأي تحرك فاعل، وبالتالي فقد اصدر قرارا بعدم السماح لعباس بمغادرة غزة وابقائه فيها الي ان يتم حل مشكلة الجندي الاسرائيلي الأسير واعادته لاسرائيل سالما معافي. وتبذل مصر جهودا مكثفة منذ انذلاع ازمة الاسير الاسرائيلي للتوصل الي اتفاق يسمح باطلاق الجندي مقابل تعهد اسرائيلي بالافراج عن عدد من الاسري والمعتقلين الفلسطينيين وعددهم يفوق 9 آلاف بينهم 130 امرأة واكثر من الف معتقل تحت سن الثامنة عشرة واسرائيل ترفض التوصل الي أي اتفاق بدعوي ان ذلك سيصبح سابقة تشجع علي عمليات خطف جنودها ومواطنيها لمبادلتهم باسري فلسطينيين. والحل الوحيد الذي تصر عليه حكومة اولمرت هو الافراج عن اسيرها بدون اي قيد أو شرط وربما يكون النجاح الوحيد المتوقع لجهود الوساطة هو تعهد بالافراج مستقبلا عن دفعة من المعتقلين الفلسطينيين. نطة الفصل الأحادي وهذا التوجه يتسق مع خطة رئيس الحكومة الاسبق ايريل شارون الميت اكلينكيا الان، بفرض خطة الفصل الاحادي الجانب والتي نفذ مرحلتها الاولي بالانسحاب من غزة واخلائها المستوطنات مع استمرار حصارها والسيطرة علي المعابر والمنافذ الحدودية من كل جانب اضافة الي السيطرة علي السواحل البحرية والاجواء. ويهدف اولمرت الي استكمال المرحلة الثانية للانفصال أو الانطواء في الضفة الغربية عبر الانسحاب من المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية، وتجميع المستوطنات الصغيرة في كتل استيطانية كبري، مع بقاء السيطرة، علي نمور الاردن، لاهميته الاستراتيجية كشريط حدودي مع الاردن اما القدس الكبري فقد توغلت حدودها علي حساب مناطق كبيرة في الضفة والتهمت مساحات ضخمة منها علاوة علي تقطيع اي صلات بالضفة بشكل كامل. ارهاب وليست مقاومة واذا كانت خطة اولمرت واضحة الأهداف فان من وسائل تنفيذها الغاء تواجد المفاوض الفلسطيني، وهو ما قام به شارون قبل وصول حماس للحكم اصلا فقد حاصر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ووضع شروطا مستحيلة للتفاوض حلول خطة الطريق التي وضعتها الاطراف الدولية الكبري الولاياتالمتحدة وروسيا الاتحادية والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي ونجح في تجميد هذه الخطة وشل حركة الاطراف الراعية لها بمساعدة امريكية بالطبع. وخطة أولمرت الجديدة استغلال فوز حركة حماس في الانتخابات التي اعترف العالم بانها ديمقراطية ونزيهة لالصاق صفة الارهاب بالحركة التي رفضت الاعتراف باسرائيل قبل الوصول الي اتفاق تسوية سياسية معها. وبالفعل فان تلك الحملة نجحت في عزل حكومة حماس ودفع الشعب الفلسطيني ثمنا باهظا لذلك عبر حملة تجويعه وحصاره والآن تعرضه للقذف بالطائرات والمدفعية وقرب عملية اجتياح عسكرية مدمرة تحت شعار حملة أمطار الصيف. الصاق صفة الارهاب بحكومة حماس والمنظمات الفلسطينية الاخري وبينها حتي حركة فتح لتشكيلها كتائب شهداء الاقصي، هدف تكتيكي اسرائيلي لالغاء اي جهة يمكن لاسرائيل ان تتفاوض معها، وبالتالي سعيها لفرض حل استراتيجي للتسوية من جانب واحد وفرض الامر الواقع بالقوة. واذا كانت اسرائيل قد عزلت وحاصرت ياسر عرفات، فانها ساهمت في اضعاف محمود عباس بشدة وبالتالي اضعاف تيار الاعتدال الفلسطيني، وتقوية معسكر التشدد الذي يسهل عزله ووصمه بالارهاب كما يحدث الان مع حركة حماس. المأزق العربي وفي ظل الحسابات الاسرائيلية تلك يبدو العالم العربي كله في مأزق، فقد قدم مبادرة للسلام ثم اقرارها في قمة بيروت والتأكيد عليها في تونس والخرطوم، وهي قد قطعت شوطا كبيرا نحو الاعتراف باسرائيل علي أساسي قيام دولتين وانهاء النزاع العربي الاسرائيلي بشكل نهائي. ورغم ذلك فان اسرائيل لا تجد في هذه المبادرة جسرا يمكن ان تسير عليه نحو الحل التاريخي وتسعي الي فرض الحل الذي تريده كما نجحت من قبل في تجميد وشل خطة الطريق وفرض الحل احادي الجانب وبالتالي جاءت قضية الجندي الأسير مناسبة لفرض هذا الحل.. بالضغط المستمر علي محمود عباس ودفعه الي الدخول في مواجهة مع حماس وعقاب الشعب الفلسطيني لانتخابه هذه المنظمة المتطرفة واستغلال الفرصة لالغاء اي عنوان للمفاوض الفلسطيني واقناع العالم بان الحل احادي الجانب هو افضل ما يمكن تقديمه للفلسطينيين الآن. يبقي ان خيار أولمرت بعدم التفاوض خيار يحمل في طياته كثيرا من المخاطر فالرهان علي القوة وحدها لتحرير الجندي المختطف خيار غير مضمون وبالتالي فان خيار الوصول الي اتفاق عبر طرف اخر مصر مثلا قد يكون الخيار الوحيد الذي يمكن من خلال حل الازمة شريطة ان يكون اولمرت علي استعداد لان يدفع ثمنا ملائما لذلك أقله الافراج عن عدد كبير من الفلسطينيين المعتقلين حتي لو كان ذلك لاحقا.. هذا اذا استفاد اولمرت من التجارب القديمة فحتي عتاة الجنرالات الاسرائيليين لم يجدوا حلا سوي التفاوض مع الفلسطينيين. ولسوء حظ أولمرت ان شارون عاجز عن الكلام، وربما اتيحت له الفرصة لنصحه بعدم الاعتماد علي القوة وحدها، وهو ما ادركه جنرال آخر بصورة افضل وهو الجنرال اسحاق رابين الذي دفع علي كل حال ثمنا للتفاوض مع الفلسطينيين والاعتراف بهم في اتفاق اوسلو بالقتل علي يد المتطرفين اليهود. وفي ظل هذه الاوضاع يبدو ان اولمرت وحكومته التي تضم عددا لا بأس به من الوزراء الذين تم تصنيفهم علي انهم من المعتدلين في حاجة الي كثير من الوقت للتعلم، ذلك فلا يكفي اصرار أولمرت علي تنفيذ خطة الانطواء فالفلسطينيون قادرون علي نسفها ما داموا غير قادرين علي ضمان حل عادل لقضيتهم.