في انتظار ما تسفر عنه "ذروة الأزمات" في المواجهة الفلسطينية/ الإسرائيلية، يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت خطته لترسيم الحدود بقرار أحادي الجانب يشمل ضم جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية وتحديداً في محيط القدس (المقامة عليه الكتل الاستعمارية/ "الاستيطانية" الضخمة) إلي داخل حدود "إسرائيل الجديدة". وتستمر هذه المفارقات رغم تزايد الإشارات إلي أن جهود خطة أولمرت لا تحقق النجاح المأمول منها، سواء علي الصعيد الدولي أو الإقليمي أو المحلي. وجاءت الإشارة الأخيرة إلي ذلك من لقاء أولمرت مع رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) أثناء زيارة الأول للعاصمة البريطانية للترويج لفكرته. ذلك أن بلير شدد خلال المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع ضيفه (أولمرت) علي أن "المفاوضات هي السبيل الوحيد لترسيم حدود معترف بها. إن المبادئ المطلوبة لبدء المفاوضات واضحة، إذ ينبغي الاعتراف بأنه يجب أن تقام دولة فلسطينية مستقلة، ويجب التبرؤ من العنف وتبني خريطة الطريق وهي الوثيقة الوحيدة المطلوبة من الأسرة الدولية". وكما في واشنطن، كان أولمرت في لندن يعمل علي كسب الوقت وإظهار مواقف حكومته كما لو أن الحل الأحادي الجانب الذي يدعو إليه ضرورة مفروضة لا بديل عنها. فأولمرت الذي قال كلاماً دبلوماسياً كثيراً لمضيفه، ظهر وكأنما هو راغب في "عملية سلام" فيها "تضحيات من جانبه"، إذ قال إنه مستعد لتقديم تنازلات "مؤلمة ومثيرة للانقسام في إسرائيل من أجل التوصل إلي تسوية مع الفلسطينيين". ولأن صورة إسرائيل في أوروبا تزداد قتامة، جاء رهان أولمرت علي رصيد العلاقات مع بريطانيا ولكنه اضطر إلي الانتقال لموضوع السلاح النووي الإيراني لتطابق وجهات النظر فيه مع الجانب البريطاني، خاصة أن لإسرائيل مصلحة كبيرة في استمرار توتير المجتمع الدولي حول هذا الملف. أما لقاء أولمرت مع الرئيس جاك شيراك فلم يكن أفضل حالاً إذ أكد الرئيس الفرنسي علي النقاط نفسها التي أكد عليها "بلير" وهي أن المفاوضات مع الجانب الفلسطيني والاتفاق والتنسيق معه، هي "الحل الأمثل لتحقيق السلام في المنطقة" معارضاً تماماً فكرة الانسحاب من جانب واحد دون التفاوض مع الجانب الفلسطيني. ولقد جاءت جولة أولمرت إلي أوروبا في إطار البحث عن "تفهم أوروبي لخطة التجميع تمهيداً لتوافق دولي حولها" كما أفادت مصادر قريبة من الحكومة الإسرائيلية. من ناحية أخري، أشار مراقبون إسرائيليون، عشية جولة أولمرت الأوروبية، إلي أن أوروبا غير متحمسة لخطة رئيس الحكومة العبرية، بل دعته إلي "إطلاق مفاوضات جدية" مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبومازن" لغرض "تدعيم مكانته" في مواجهة "حماس". ويري بعض المراقبين أن الموقف الأوروبي المتحفظ كان وراء عدم إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش بشكل واضح تبنيه خطة أولمرت لرغبته في عدم إثارة دول الاتحاد الأوروبي التي يريد منها دعم سياسته في إيران. أما عربياً فلم يكن حظ أولمرت أفضل حالاً من حظه في أوروبا، إذ أن لقاءه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني لم يسفر عن "ردم الهوة بين موقفيهما من الخطوات الإسرائيلية أحادية الجانب"، وهو الأمر الذي اضطر أولمرت إلي عدم ذكر خطة "تجميع المستعمرات/ المستوطنات" في البيان الذي ألقاه أمام الصحافيين في عمّان، منعاً للدخول في نقاش علني مع مضيفه. وأفادت صحيفة "معاريف" العبرية أن حصيلة استقبال الأردن لرئيس الحكومة الإسرائيلية عكست غضب المملكة الهاشمية من خطة أولمرت لتجميع المستعمرات. هذا علي الصعيدين الدولي والإقليمي، ولكن ماذا عن الصعيد الداخلي الإسرائيلي؟ تقول صحيفة "هآرتس" في استطلاع للرأي نشر مؤخراً إن غالبية الإسرائيليين تعارض خطة إيهود أولمرت، وإن كانت تعتقد بأنها، أي الخطة، "ستطبق في نهاية المطاف". وقال 56% من الإسرائيليين إنهم يعارضون الخطة بينما يؤيدها 37% فقط، معظمهم من مؤيدي حزب "كاديما" وحزب "العمل" المحسوبين علي "الوسط" داخل الطيف السياسي الإسرائيلي. إن أبرز ما لم يأخذه أولمرت في الحسبان هو أن الفلسطينيين سيقاومون، بشتي الوسائل، هذه الخطة التي يعتبرونها مكيدة أخري لسرقة الأراضي وضرب فرص السلام واستمرار الاحتلال وممارساته العنصرية. فهل ينجح أي حل أحادي الجانب وغير مقبول فلسطينيا أو عربياً ولا حتي دولياً؟ وهل ثمة مسئول فلسطيني أو عربي يقبل بمزيد من السرقة لما تبقي من الأرض الفلسطينية (وبخاصة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية) وفقاً لما تقول به الخطة الأصلية للمتذاكي والمتشاطر... أولمرت؟!