لشد ما ثارت ثائرة الأمريكيين علي الارتفاع الذي طرأ علي أسعار الوقود. فقد بلغ سعر الجالون الواحد الآن ثلاثة دولارات، ويتوقع له أن يرتفع إلي أكثر من ذلك عند حلول موسم الصيف والعطلات والرحلات. وقد صب معظم الأمريكيين جام غضبهم علي شركات النفط التي يعتقدون أنها تحقق أرباحاً غير مشروعة علي حساب المستهلك الأمريكي. غير أن هناك من منتقدي الرئيس بوش، من ألقوا عليه اللوم لعدم وقفه لهذه الزيادات. وألمح هؤلاء إلي أن الرئيس نفسه كان علي صلة يوماً ما بصناعة النفط، ولذلك فليس مستغرباً منه أن يساعد الشركات النفطية علي جني أرباح غير نزيهة ولا مشروعة. وكان أحد الأفكار التي ينادي بها الساسة الأمريكيون في الماضي، هي "استقلال أمريكا عن موارد النفط الأجنبي". وقد طرحت هذه الفكرة إبان إدارتي نيكسون وكارتر، في استجابة لاستخدام سلاح المقاطعة النفطية العربية حينئذ. لكن وتبعاً للارتفاع الذي طرأ مؤخراً علي أسعار الوقود، فقد ارتفعت الدعوات والنداءات للفكرة ذاتها مجدداً. غير أن من رأي الاقتصاديين، استحالة تحقيق أمريكا لاستقلالها التام عن واردات النفط الأجنبي. ذلك أنها علي حد قولهم، انتقلت من كونها أهم مصدّر للنفط إلي أكبر مستورد له خلال فترة نصف قرن، إذ تستورد الآن نسبة 60 في المائة من حاجتها منه. ومعلوم أن أمريكا تستهلك 20 مليون برميل يومياً. وأحد أهم الأسباب التي تفسر هذا المعدل الاستهلاكي الكبير، الزيادة المذهلة التي طرأت علي عدد السيارات خلال الخمس والثلاثين سنة الماضية. لكن علي رغم هذه الحقائق الاقتصادية، يواصل الساسة دعوتهم لضرورة الاستقلال عن مصادر النفط الأجنبي. من ذلك مثلاً دعوة كل من الرئيس بوش ومنافسه الديمقراطي إبان الحملة الانتخابية لعام 2004، إلي الاستقلال عن تلك الموارد الأجنبية. وما أن انجلت المعركة الانتخابية عن فوزه، حتي أعلن بوش عزمه علي جعل أمريكا أكثر أمناً واستقلالاً في مجال الطاقة. وتأكيداً لذلك تحدث بوش في خطابه السنوي عن "حالة الاتحاد"، الذي ألقاه 31 يناير 2006، عما وصفه ب"إدمان أمريكا للنفط الأجنبي"، داعياً في الوقت ذاته، إلي ضرورة الإسراع بتطوير التكنولوجيا اللازمة لوقف ذلك الإدمان. وجاء في معرض تعليقاته في هذا الصدد أن واردات النفط الأمريكية، لا تأتي جميعها من مصادر وموارد مأمونة يعول عليها. ولذلك حدد الرئيس هدفاً يقضي بتمكين أمريكا من استبدال نسبة 75 في المائة من واردات نفطها الشرق أوسطية بمصادر أخري للطاقة البديلة بحلول عام 2025. وعلي الرغم من أن بوش لم يذكر مطلقاً لماذا جعل من هذا الهدف أولوية قصوي له، إلا أن المحللين والمراقبين قالوا إن ما يفسر ذلك، هو المواجهات الجارية حالياً مع إيران، التي تعد من أهم مصادر النفط الشرق أوسطي، بالإضافة إلي طبيعة الوضع الراهن في العراق، مع العلم بأن إنتاج العراق النفطي لم يستعد بعد معدلاته التي كان عليها قبل شن الحرب عليه. ومن بين هؤلاء علي سبيل المثال، قال سايمون هندرسون، المحلل المتخصص في شئون الشرق الأوسط بواشنطن، إن الرئيس بوش كانت في خاطره إيران لحظة إعلانه عن أولوية التحول النفطي التي تحدث عنها في خطابه الأخير عن "حالة الاتحاد". والسبب هو أن معدلات أسعار النفط الحالية تساعد إيران كثيراً في المواجهة حول ملفها النووي، وفي دعمها للمنظمات الموالية لها. بيد أن الموقف أكثر وأشد تعقيداً من ذلك بكثير. فعلي الرغم من إفراط دول كثيرة في اعتمادها علي النفط الشرق أوسطي، إلا أن قائمة الدول هذه لا تشمل الولاياتالمتحدةالأمريكية. والحقيقة أن كبري الدول المصدرة للنفط إلي أمريكا، يمكن ترتيبها علي النحو التالي من حيث حجم الصادرات: كندا، والمكسيك، والمملكة العربية السعودية، ثم فنزويلا. أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فكثيراً ما نقلت التقارير أنها تحافظ علي أسهمها في السوق العالمية، بسبب عرضها أسعاراً تفضيلية نوعاً ما. والأهم من ذلك أن العمل من أجل تحقيق الاستقلال النفطي، علي النحو الذي يدعو إليه الساسة الأمريكيون، لن يحدث انخفاضاً كبيراً يذكر في حجم واردات النفط الأجنبي، علي المدي القريب المنظور بأي حال من الأحوال. وعلي سبيل المثال فقد تضمنت ميزانية الرئيس بوش للعام المقبل 2007، تمويل الأبحاث في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فضلاً عن دراسة الكيفية التي يمكن بها تحويل النفايات النباتية إلي خلايا طاقة مفيدة. وفي هذه الفئة الأخيرة بالذات، تخصص الميزانية نحو 150 مليون دولار. ومن رأي الخبراء أن في وسع هذه الفئة وحدها، توفير ما يقدر بنسبة 30 في المائة من حاجة أمريكا من الطاقة في المستقبل. غير أن ذلك لن يحدث إلا بحلول عام 2012 إن كان له أن يحدث أصلاً. كما تخصص الميزانية مبلغ 239 مليون دولار لدراسة طاقة الهيدروجين التي يمكن استخدامها وقوداً للسيارات. غير أن هذا الخيار ليس ثمة سبيل إلي جعله خياراً عملياً قبل حلول عام 2020. والملاحظ أن كل هذا الاهتمام بدراسة خيارات الطاقة غير النفطية، إنما يرمي إلي خفض حجم الاعتماد الحالي علي واردات النفط الأجنبي، خاصة في ظل توفر مصادر الطاقة الشمسية والنفايات النباتية وطاقة الرياح محلياً. ولكن المشكلة أن التكنولوجيا المطلوبة لتحويل هذه المصادر إلي طاقة حقيقية تجارية، لم تصل إلي مستوي يمكنها من إنتاج أشكال الطاقة البديلة هذه بتكلفة مالية معقولة، مع ملاحظة الصعوبات المتضمنة في التكهن بتاريخ وكيفية تطوير هذه التكنولوجيا