في جميع محطات الوقود المنتشرة علي امتداد الولايات الأميركية الخمسين, ارتفع سعر جالون الجازولين متجاوزاً الثلاثة دولارات, بل كاد يبلغ أربعة دولارات في بعض المحطات, أو ما يعادل دولاراً عن اللتر الواحد. ونتيجة لذلك فقد كان طبيعياً أن يبدأ حوار قومي عام حول الأمر, لكونه سعراً جنونياً لم يألفه الأميركيون ولا يمكنهم الصمت عليه، بأي حال. وقد تصدر الحوار عن هذا الموضوع قنوات التلفزيون وموجات الراديو, فضلاً عن تصدره للعناوين الرئيسية للصحف والافتتاحيات ومقالات الرأي. والشكوي العامة المشتركة بين الجميع وفي كل البرامج هي ارتفاع أسعار الوقود. ومما لا تدركه غالبية الأميركيين, أن أسعار الوقود في أوروبا تكاد تكون ضعف أسعارها في أميركا. والحقيقة الوحيدة التي يعرفها الأميركيون في هذا الشأن هي أنهم وحتي وقت قريب جداً, كانوا يدفعون ما يزيد علي الدولار بقليل عن الجالون الواحد. ولذلك فهم الآن علي قدر كبير من الغضب والاستياء إزاء هذه الزيادة الجنونية التي يدفعونها اليوم. ومن الطبيعي أن يهرع الساسة في كلا الحزبين, الديمقراطي والجمهوري، سواء علي المستوي القومي أم المحلي, إلي تقديم حل ناجع لهذه المشكلة, بما يؤدي إلي خفض أسعار الوقود. وفي معرض هذا التدافع الحزبي باتجاه الحل, أشارت أصابع الاتهام يميناً ويساراً, في محاولة لإلقاء اللوم والمسؤولية علي هذا الطرف أو ذاك. ورد البعض المسؤولية إلي شركات النفط الأميركية, بسبب احتكار القطاع الخاص لكافة إمدادات الوقود هنا, خلافاً لما هو عليه الحال في الأنحاء الأخري من العالم. فباستثناء الولاياتالمتحدة وبريطانيا وكندا, لا توجد دولة أخري تخلو من شركة قومية حكومية واحدة علي الأقل, في مجال النفط. وإن ألقي اللوم علي شركات النفط الأميركية, فما ذلك إلا لاعتقاد الكثيرين بأن هذه الشركات إنما تعمدت وافتعلت رفع الأسعار إلي هذا الحد, سعياً منها لزيادة ربحيتها. ومما عزز هذا الاعتقاد وأكسبه مصداقية, إعلان شركة "إيكسون موبيل" قبل بضعة أيام فحسب, عن تحقيقها أرباحاً تقدر بنحو 8.2 مليار دولار خلال الشهرين الماضيين فحسب, وإجمالي أرباح للعام الماضي 2005 بلغ 36 مليار دولار, محققة بذلك رقماً قياسياً غير مسبوق في تاريخ ربحية الشركات! كما أعلنت الشركة نفسها منحها رئيسها السابق "لي رايموند" مكافأة معاشية قدرها 400 مليون دولار. ولذلك فقد تعزز اعتقاد لدي الكثيرين بأن الشركة إياها, إنما تحقق كل هذه الأموال والأرباح الطائلة علي حساب المستهلك الأميركي, بوسائل غير قانونية ولا أخلاقية. وليس هذا الاعتقاد قاصراً علي رجل الشارع الأميركي وحده, وإنما يشاركه الشكوك ذاتها, اثنان من زعماء الكونجرس وقادته الجمهوريين. وقد كتب هذان رسالة للرئيس بوش, طالباه فيها بالتحقيق حول ما إذا كانت شركات النفط قد خرقت القانون فيما يتصل بزيادة أسعار الوقود أم لا؟ ومن جانبه أعلن بوش أنه سيأمر بإجراء تحقيق حول الأمر. أما الرد الدفاعي لشركة "إيكسون موبيل" فجاء بالإعلان عن أنها لم تحقق سوي نسبة أرباح تبلغ 8.5 في المئة, وأنها نسبة عادية جداً, قياساً إلي الأرباح الطائلة التي حققتها شركات النفط الأخري, علي حد قول مندوبي الشركة. غير أن ذلك لم ينفِ الشكوك المثارة حولها. وهناك من الساسة من دعا إلي فرض ضريبة استثنائية جديدة علي الشركات إياها, بغية استرداد جزء من الأرباح الطائلة التي حققتها عن غير وجه حق في اعتقادهم. أما رد الشركات علي مثل هذه النداءات, فتلخص في أنه سيكون في وسعها مواصلة الاستكشاف والبحث عن مصادر جديدة للطاقة, حتي تتمكن من تحقيق معدل ربحيتها الحالي. ويتسم الحوار السياسي بكثافة وحيوية خاصة, بسبب الطابع الانتخابي للعام الجاري, مع العلم بأنه لا تفوت علي الساسة أهمية هذا الأمر بالنسبة للناخبين. وفي اعتقاد المحللين أن أسعار الجازولين ستحتل المرتبة الثانية بين العوامل المؤثرة سلباً علي الحملة الانتخابية للجمهوريين, عقب حرب العراق مباشرة. هذا ويسيطر الجمهوريون حالياً علي كل من مجلسي الشيوخ والنواب التابعين للكونجرس, وها هم في خشية الآن من خسارة أغلبيتهم الكبيرة في كلا المجلسين, في انتخابات الكونجرس المقبلة المتوقع إجراؤها في شهر نوفمبر من العام الجاري. أما علي صعيد المعارضة الديمقراطية, فيتهم الديمقراطيون الرئيس بوش وحزبه الجمهوري بإشاعة الفوضي في العراق, ورفع أسعار الجازولين والوقود, مما أضر كثيراً بجمهور المستهلكين الأميركيين. بل تشير أصابع الديمقراطيين صراحة إلي الرئيس بوش ونائبه ديك تشيني, متهمين إياهما بالإثراء الشخصي جراء ارتباطهما بشركات النفط, وتفضيلهما لها علي حساب مصلحة المستهلك الأميركي العادي.