قال مسؤولون في واشنطن إن إدارة بوش عازمة علي قرار إرسال مئات من مستشاري حلف "الناتو" بغية مساعدة قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الجهود التي تبذلها من أجل حماية مواطني إقليم دارفور السوداني من المواجهات والنزاعات المسلحة, الدائرة بين المليشيات العربية "المدعومة" من قبل حكومة الخرطوم من جهة والجماعات المتمردة من جهة أخري. ومن المتوقع أن تشمل هذه الخطوة بعض القوات الأميركية, في تطور واسع وملحوظ, لاهتمام الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفائها بالنزاع الدائر في الإقليم. وحتي هذه اللحظة, لا يتعدي الدور الذي يقوم به الحلف هناك, حدود النقل والترحيل الجوي لقوات الاتحاد الإفريقي الموجودة في الإقليم, إلي جانب توفير عدد ضئيل من الخبراء والمختصين العسكريين, الذين يقدمون خبراتهم ومساعداتهم لعمليات قوات حفظ السلام الإفريقية. بيد أن الموافقة علي هذه الخطوة لا تزال تواجه احتمالات وتحفظات عديدة داخل حلف "الناتو", الذي يبدي مخاوف من أن يؤدي انشغاله بجبهة جديدة في دارفور, إلي الانصراف عن مهامه التي بدأها في أفغانستان منذ عدة سنوات خلت. وحتي في حال المصادقة عليها داخل الحلف, فإن مداها لن يصل مطلقاً إلي ما دعا إليه البعض وتوقع حدوثه, مثل إرسال قوات برية تابعة للحلف إلي الإقليم, أو تنظيم دوريات وطلعات جوية مهمتها حماية قوات حفظ السلام المرابطة هناك, فضلاً عن حماية مواطني الإقليم أنفسهم من عمليات القصف الجوي التي تستهدف حياتهم وقراهم. وعلي حد تصريح أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية, فقد جري استبعاد هذه الخيارات الأخيرة في الوقت الحالي, بعد أن وصفت بأنها ليست ضرورية في هذه المرحلة. وعلي العموم فإن من رأي مسؤولي الإدارة أن الهدف الرئيسي من هذه المبادرة, هو التصدي للنقائص ومظاهر الضعف الملازمة لأداء قوات حفظ السلام الإفريقية, دون تهميش دورها أو إثارة مشاعر الغضب الشعبي في إقليم شديد الحساسية, ضد أي وجود لقوات غربية في أراضيه. وحتي هذه اللحظة, فإن الخطط الأميركية الجارية في هذا الاتجاه, ترمي لإرسال أقل من 500 مستشار من حلف "الناتو". والفكرة هي أن يتم إلحاقهم بوحدات القيادة العامة للقوات الإفريقية, وأن يقدموا مساعداتهم في المهام اللوجستية والاتصالات والاستخبارات, وكذلك في مهام القيادة والتحكم, دون المشاركة المباشرة في العمليات العسكرية نفسها. وأضاف المسؤولون أنه سيتم تحديد عدد المستشارين الأميركيين لاحقاً في إطار إكمال الخطة وبلورتها. وتحدث مسؤول أميركي _رفض ذكر اسمه نظراً لحساسية الخطة نفسها- قائلاً إنها تستهدف دعم عمليات حفظ السلام التي يتولاها الاتحاد الإفريقي, وليس الحلول محل الاتحاد. كما أوضح أن هذا النشر المتوقع لمستشاري "الناتو", إنما قصد منه أن يكون إجراءًَ مؤقتاً إلي حين التمكن من إرسال قوة دولية أكبر, وذات تفويض أوسع من التفويض الحالي الذي تتمتع به قوات الاتحاد الإفريقي, إلي الإقليم. وعلي الرغم من أن التفاوض الدولي حول إرسال قوة كهذه قد بدأ منذ عدة أشهر, فإنه يواجه مصاعب جمة, ناتجة عن تصاعد رفض الحكومة السودانية لأي وجود عسكري للأمم المتحدة في أراضيها, علاوة علي عدم توصل الأطراف المتنازعة في الإقليم لاتفاق سلام فيما بينها بعد. علي أن ذلك لم يمنع مسؤولي الأممالمتحدة من التحذير من درجة خطورة الأوضاع في الإقليم. تأكيداً لذلك قال هدي عنابي -وهو مسؤول أممي رفيع المستوي في مجال حفظ السلام- إن شهر أبريل الجاري, يشهد تصعيداً جديداً للمواجهات ولموجة العنف في الإقليم. ورد ذلك خلال اجتماع تنويري مغلق لمجلس الأمن الدولي, عقد يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي. ومن جانبه كان الأمين العام للأمم المتحدة, كوفي عنان, قد ناشد حلف "الناتو" في شهر مارس الماضي, بتعزيز دور قوات الاتحاد الأفريقي الرامي للسيطرة علي الجماعات المسلحة, وضمان سلامة مواطني الإقليم المدنيين. إلي ذلك تعكف اللجنة العسكرية للناتو الآن, علي إعداد مسودة خطة بهذا الخصوص, يتوقع عرضها علي الهيئات السياسية للحلف بنهاية الشهر الجاري. أما الرئيس بوش, فكان قد أعلن عن تشكيل لجنة جديدة للتصدي لأزمة دارفور قبل نحو شهرين, مردفاً ذلك الإعلان, بدعوة منه لإرسال قوة دولية معتبرة, إلي جانب توسيع مهام ودور حلف "الناتو" هناك. ومن رأي بعض مسؤولي إدارة بوش, أن الإعلان المنسوب للرئيس بوش بتاريخ السابع عشر من شهر فبراير الماضي, إنما كان مرده إلي شعوره بالإحباط والسأم, من عجز الحكومة السودانية والمجموعات المتمردة في الإقليم, عن التوصل لاتفاق سلمي فيما بينهما. هذا ويعود تاريخ النزاع الأخير إلي عام 2003, حين حملت مجموعات متمردة السلاح في وجه الحكومة السودانية, متهمة إياها بممارسة التمييز ضد المجموعات الأفريقية السوداء في الإقليم. ورداً منها علي ذلك التمرد المسلح, شنت القوات الحكومية حملات قصف جوي لقري الإقليم, بهدف إرغام المتمردين علي مغادرتها, إلي جانب ما نسب إليها من تأليب وتسليح لمليشيات الجنجويد العربية, ضد قري المجموعات القبلية السوداء, وحرق بيوتها ونهبها وسلبها. وتشير التقديرات إلي مصرع ما يتراوح ما بين 100 إلي 400 ألف مواطن من مواطني الإقليم, جراء العنف والهجمات والمواجهات المسلحة, بينما بلغ عدد النازحين والفارين من جحيم تلك الأحداث, ما يزيد علي مليوني مواطن, وفقاً لتصريحات مسؤولي الأممالمتحدة ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان. إلي ذلك أعرب جوان مينديز مستشار الأممالمتحدة الخاص لدرء التطهير العرقي, عن شعوره بخيبة الأمل جراء ما وصفه الأسبوع الماضي, بفشل القوي العظمي الدولية عن القيام بما يكفي, للجم العنف ووقفه في الإقليم. ومضي المتحدث قائلاً إن المجتمع الدولي اكتفي خلال العامين الماضيين, باتخاذ أنصاف الحلول والخطوات, التي لم تكن كافية لوضع حد للعنف من ناحية, إلي جانب بروز بعض المؤشرات التي تشير إلي احتمال انفراط عقدها وإرادتها من الناحية الأخري. أما قوات الاتحاد الأفريقي التي جري إرسالها للإقليم في عام 2004, فتعد مشاركتها بمثابة أول اختبار من نوعه لقوات حفظ السلام التابعة للاتحاد. وعلي الرغم من نمو وزيادة هذه القوات إلي ما يصل إلي نحو 6 آلاف جندي, فإنها تظل غير كافية للقيام بكافة المهام التي يتطلبها إقليم تساوي مساحته, مساحة ولاية تكساس الشاسعة تقريباً. ليس ذلك فحسب, بل لقد كشفت ثلاث مراجعات دولية مختلفة لأداء هذه القوات, عن نقاط ضعف وعيوب رئيسية في قدرة تلك القوات, علي إدارة مواردها وتنظيم عملياتها علي النحو المطلوب. وتعليقاً منه علي تصاعد المعارضة التي تبديها حكومة الخرطوم لأي دور للأمم المتحدة في الإقليم -بما في ذلك منعها جان إيجلاند_ أحد كبار مسؤولي المساعدات الإنسانية بالأممالمتحدة -من زيارة دارفور الأسبوع الماضي, قال جون بريندرجاست, رئيس القسم الإفريقي بمجموعة الأزمات الدولية, إن حكومة الخرطوم تخشي من أن تستخدم القوات الدولية في الإقليم, لاعتقال عدد من كبار مسؤوليها الذين يخضعون للتحقيقات الآن أمام محكمة الجزاء الدولية, بسبب الاتهامات المنسوبة إليهم, بإصدار الأوامر بارتكاب الفظائع التي شهدها الإقليم. ولذلك فهي لا تريد وجود أي قوات مؤهلة حقاً, خشية من تحولها إلي "حصان طروادة", ينتهي إلي تقديم عدد من كبار قادتها ومسؤوليها إلي محاكمات دولية, لها صلة بارتكاب جرائم حرب, وجرائم ضد الإنسانية.