لثلاث سنوات، وعلي الرغم من الخطب الرسمية، والدعم العلني المتزايد للقيام بعمل دولي جسور لإنهاء ما يقال إنه أول "إبادة جماعية" في القرن الحادي والعشرين، ظل دارفور، وإلي حد كبير مأساة منسية. ومع توقيع اتفاقية سلام في "أبوجا" بنيجيريا في الخامس من مايو الحالي بشأن الإقليم، انفتحت نافذة من الأمل أمام سكان الإقليم. وعلي الرغم من أن جماعتين من الجماعات المتمردة لم توقعا علي الاتفاق، فإن الحكومة السودانية وأكبر جماعة متمردة وقعتا عليه. علاوة علي ذلك أبدي الرئيس بوش دعماً لعملية السلام يستحق الثناء عليه وهو ما ينطبق علي نائب وزيرة الخارجية الأمريكية "روبرت زوليك" الذي لعب دوراً كبيراً في نجاح تلك المفاوضات. ولكن وكما تبين بوضوح وبشكل مؤلم من القتال الذي اندلع مؤخراً بين الجماعات المتمردة، فإن هذا الإنجاز المهم الذي يمثل نافذة فرص كما قلنا يمكن أن ينغلق في أي وقت تاركاً دارفور في وضع أشد سوءا مما كانت عليه من قبل. وإذا لم تحقق قصاصة الورق التي تم التوقيع عليها في نيجيريا نتائج ملموسة باتجاه السلام، بما في ذلك حماية شعب دارفور من ميليشيات الجنجويد من جانب، والمتمردين من جانب آخر، فإننا سنفقد الزخم الدبلوماسي وما هو أكثر منه أيضاً. فالغضب العميق واليأس الشديد يمكن أن يؤديا إلي إحباط الجهود المستقبلية الرامية لتحقيق السلام، وإلي توفير تربة خصبة لنمو بذور الصراع العسكري لا بل وحتي الإرهاب، كما يتبين من التهديد الأخير الذي وجهه تنظيم "القاعدة" بنقل الجهاد إلي السودان. يوم الثلاثاء الماضي، وافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع علي قرار يدعم اتفاقية السلام، ويتم بموجبه تكوين فريق يقوم بالإعداد لمهمة لحفظ السلام تحل محل مهمة الاتحاد الأفريقي في الإقليم. للإمساك باللحظة، يجب علي إدارة بوش ألا تكتفي فقط بدعوة الأممالمتحدة من أجل عدم التأخر في إعداد الخطط الخاصة بمهمة حفظ السلام، وإنما يجب عليها أيضاً أن تعطي حكومة السودان مهلة محددة وقصيرة كي يعلن خلالها موافقته علي قبول تلك القوة. وكانت حكومة السودان أعلنت أنها ستفعل ذلك بمجرد التوصل إلي اتفاقية سلام، ولكنها عمدت إلي إطلاق تصريحات مبهمة حول هذا الأمر في الآونة الأخيرة، وهو ما يستلزم منا أن نوضح لها أنه يتعين عليها الالتزام بكلامها. ويجب علي الرئيس بوش كذلك أن يقوم بتجهيز الدعم اللوجستي والاستخباراتي وتوفير القيادات التي يمكن أن تساهم بها الولاياتالمتحدة في هذه القوة. ويمكن للرئيس بوش أن ينضم إلي الرئيس النيجيري "أوليسيجون أوباسانجو" الذي لعب دوراً مفيداً في الدفع باتجاه اتفاقية السلام، من خلال قيامه شخصياً بالحصول علي تعهدات من قادة الدول، بتقديم جنود لقوة الأممالمتحدة الخاصة بحفظ السلام في إقليم دارفور. وعلي الرغم من أن "الناتو" نفسه لن يكون مقبولاً من قبل حكومة السودان، فإن ليس هناك ما يمنع من قيامنا بضم قوات من بعض الدول الأعضاء في الحلف ضمن القوات التي تضطلع بعمليات للأمم المتحدة. علاوة علي ذلك، يجب علي الولاياتالمتحدة أن توضح بشكل جلي أنه إذا ما رفض السودان قوة الأممالمتحدة، فإننا في أمريكا نقوم بالضغط علي "الناتو" للعمل في دارفور، حتي من غير الحصول علي موافقة من قبل الحكومة السودانية، بما في ذلك إنشاء منطقة حظر طيران في الإقليم. وفي الوقت الذي تعتبر فيه العقوبات التي فرضتها الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة ضد أربعة من المسئولين السودانيين المتورطين في أعمال إبادة جماعية خطوة في الطريق الصحيح، فإن الحاجة تستدعي اتخاذ إجراءات أوسع نطاقاً بكثير ضد كبار الداعين لأعمال الإبادة الجماعية، والمقيمين في العاصمة السودانية الخرطوم، إذا ما قاموا بإعاقة إرسال القوة التابعة للأمم المتحدة. وهناك عقوبات أخري تتجاوز العقوبات متعددة الأطراف حيث يمكن علي سبيل المثال للولايات المتحدة أن تعمل مع الدول التي يحتفظ فيها المسئولون السودانيون بأصول أو التي يأملون في السفر إليها وذلك من أجل فرض جزاءات عليهم. في نفس الوقت نجد أن الأزمة الإنسانية تتفاقم وتغدو أكثر يأساً، ويرجع السبب في ذلك إلي أنه في الوقت الذي ازدادت فيه احتياجات سكان الإقليم، فإن الأموال اللازمة للوفاء بتلك الاحتياجات قد تقلصت. فنحن نجد مثلاً أن برنامج الغذاء العالمي قام بتخفيض المخصصات اليومية التي يقدمها لسكان الإقليم إلي مستوي خطر وهو 1050 سعرة حرارية يومياً. علاوة علي ذلك اضطرت منظمة "اليونيسيف" إلي تقليص مستوي العمليات التي تقوم بها في الإقليم. علي ضوء ذلك كله طلب الرئيس بوش من الكونجرس زيادة المساعدات الغذائية للسودان بقيمة 225 مليون دولار وهو الطلب الذي يجب علي الكونجرس أن ينظر فيه دون إبطاء. أما بالنسبة للعديد من الأمريكيين الذين أعربوا عن ثورة غضبهم بسبب تردد المجتمع الدولي في تقديم العون لدارفور، فإن الوقت قد حان كي يقرنوا الأقوال بالأفعال من خلال المساهمة في العديد من المنظمات الإنسانية مثل "اليونيسيف" ولجنة الإنقاذ الدولية، و"أطباء بلا حدود". إن أي فشل للإرادة الدولية سيكون معناه السماح باستمرار نزيف الدم في دارفور ودخول الإقليم إلي عام جديد من الاغتصاب، والذبح، والمجاعة. فقط القيادة القوية والعمل العاجل العازم، هما القادران علي إنقاذ حياة الكثير من البشر في هذا الإقليم، قبل أن تضيع هذه اللحظة من لحظات الأمل