لم يكن خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش الأخير شيئاً شبيهاً بزيارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون إلي الصين، غير أنه لم يكن مجرد كيس مملوء بحبات اللوبيا. والحق يقال، إن في خطاب الرئيس بوش حول "حالة الاتحاد"، لا سيما في دعوته إلي ضرورة وضع حد لإدماننا لوقود النفط وتحسين مستوي تنافسنا الأكاديمي التعليمي وغيرهما، ما يشبه زيارة الرئيس نيكسون إلي نيو مكسيكو. فعلي رغم التغيير البالغ الأهمية في الاتجاه، والذي أحدثه ذلك الخطاب، فإن الرئيس بوش لا يزال بعيداً جداً عن التوجه نحو الصين. فما أكثر الأميال والبرازخ التي تفصله عنها وتغير السياسات والتوجهات وتطبيقاتها! إيه فريدمان... ألا تكن منطقياً وواقعياً أبداً يا رجل؟ فها هو الرئيس يقذف ببعض الفقرات التي تصب فيما تدعو أنت إليه... فلا تقابل ذلك إلا بالشكوك والاستهانة؟! وهل من سبيل سوي طرح كل هذه التصريحات جانباً والقذف بها إلي سلة القمامة؟ فأنت تعلم أن أهل البيت الأبيض ليسوا أهل عزم وجد. فكيف تصدقهم اليوم وكنت أنت من ظن أنهم سيحسنون خوضهم للحرب علي العراق... ألا تذكر ذلك الآن؟ ولكن انظر إلي أين ذهبت بك تلك الظنون أيها المغفل. لقد كان عليك أن تستمع إلي ما كانت تقوله زوجتك الحكيمة! إيهٍ... إيهٍ إنني لعلي علم بكل ما جري وكل ما رأيناه من تخييب للآمال والظنون. غير أني أدرك شيئاً آخر أيضاً، ألا وهو أن بوش سوف يظل رئيساً للولايات المتحدة خلال السنوات الثلاث المقبلة. ولذلك فإنه ليست لدينا ثلاث سنوات لنهدرها سواء فيما يتصل بمشكلة التغير المناخي، أم بكفاءة استهلاكنا للطاقة، أم بتحسين أدائنا الأكاديمي في مادتي الرياضيات والعلوم. ولست في موضع من يستمرئ الجلوس العاطل الكسول الذي لا يأتي شيئاً سوي القدح في أهل البيت الأبيض وسب كل ما يفعلونه، أملاً في أن يحل محلهم بعد ثلاث سنوات، رئيس ديمقراطي يصحح الاتجاه والمسيرة. أفق من غفوتك وأحلام يقظتك أيها المغفل... فالوقت يقطعنا كما حد السيف. وكنت قد استمعت إلي الرئيس بوش وهو يتحدث بلغة جديدة عن أهمية الكف عن إدماننا لوقود النفط، عن طريق تبنينا للابتكار والإبداع في تقنيات الطاقة البديلة، دون أن يشير من قريب أو بعيد إلي أهمية التنقيب والحفر في حقول ألاسكا النفطية. وعلي أية حال، فما أن يشرع الرئيس باستخدام لغة جديدة كهذه، تلامس ملامسة مستديمة موضوعات علي كل هذا القدر من الأهمية والحيوية لا يزال علينا اختبار ومراقبة استدامتها واستمرارها فإن في ذلك ما يلهم البلاد كلها، ويحفز الجهاز البيروقراطي الأمريكي بأسره لترديد اللغة والمفردات الجديدة نفسها. وإن كان كل ما فعله الرئيس حتي الآن هو مجرد القول والحديث، فكيف لنا أن نمسك بأفعاله لا بأقواله؟ إن إحدي أقصر الطرق المؤدية لهذا، أن يطلب الرئيس من أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ دعم "خيارات السيارات والطاقة المتضمنة في قانون الأمن الأمريكي" التي حظيت سلفاً بتأييد عدد من كبار القادة الجمهوريين والديمقراطيين علي حد سواء. ويوفر هذا القانون وسيلة لتوفير كميات كبيرة من الوقود في زمن قياسي، إضافة إلي كونه وسيلة لإنقاذ ديترويت مالياً، قبل أن تقعد بها هذه الأزمة تماماً. وإن كنا نريد لبلادنا تبني خيارات عملية في الطاقة، فإن ذلك لا يكون إلا كما قال "جال لوفت" الخبير في شئون الطاقة: "إن كنا نريد إرسال دولاراتنا لأسوأ الأنظمة الشرق أوسطية، فما علينا إلا استهلاك الجازولين. أما إن أردنا إرسال الدولارات نفسها إلي أفضل المزارع الأمريكية الواقعة في الغرب الأمريكي الأوسط، فعلينا في هذه الحالة استهلاك الكحول المصنوع من مواردنا ومنتجاتنا الزراعية المحلية. أما التكنولوجيا التي نحتاجها للحد من استهلاكنا للجازولين، فمتوفرة لدينا سلفاً في السيارات المرنة في استهلاكها للوقود. ولذلك فإننا لسنا بحاجة لابتكارات وفتوحات تكنولوجية رئيسية في هذا المجال". وبقدر ما هي جيدة فكرة حث شركات ديترويت علي تصنيع السيارات عالية الكفاءة في استهلاك الطاقة، فإننا في أمس الحاجة في الوقت ذاته، لفرض ضرائب علي استهلاك الجازولين، بحيث نرغم المستهلكين علي شراء السيارات الجديدة عالية الكفاءة. ولكن المشكلة أن الرئيس يعارض فكرة الضرائب هذه. والخطأ هنا أنه لن يكون في وسعه وضع حد لإدمان بلادنا للنفط. بل لن يكون في وسعه تحقيق أجندته الديمقراطية العالمية الطموحة نفسها، ما لم تفطم أمريكا العالم كله عن النفط.