«نظام سياسي وإداري واقتصادي يحصل فيه إقليم أو أقاليم من دولة على صلاحيات واسعة لتدبير شئونها بما في ذلك انتخاب الحاكم والتمثيل في مجلس منتخب يضمن مصالح الأقاليم على قدم المساواة .. » هذا هو ما يقصد بالحكم الذاتي ، ذلك الحكم الذي يسعى فلسطينيو 48 للحصول عليه وذلك من أجل الاستقلال عن اسرائيل . وعرب إسرائيل أو عرب 48 أو عرب الداخل هي التسميات الشائعة في العالم العربي للعرب الذين يعيشون داخل حدود إسرائيل (بحدود الخط الأخضر، أي خط الهدنة 1948)، ويشكل العرب في إسرائيل ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى وهم فلسطينيو ال 48 وهو محور حديثنا اليوم وهم الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم في سنة 48 وأصبحوا مواطنين في الدولة العبرية منذ بداية تأسيسها، خلافاً عن المواطنين العرب في القدس والجولان الذين يملكون إقامة دائمة فقط ولا يحصلون على الجنسية. والمجموعة الثانية من العرب في إسرائيل هم سكان مدينة القدس الذين تم ضمهم للدولة العبرية بعد سنة ال67 وتم منحهم الإقامة الدائمة لكن بدون اعطائهم الجنسية الإسرائيلية وغالباً هم يمتلكون جوازات سفر أردنية أما المجموعة الثالثة والأخيرة من المواطنين العرب في إسرائيل هم سكان الجولان وهم مجموعة صغيرة من السكان السوريين الذين بقيوا في الجولان بعد أن احتلتها إسرائيل. ويسعى فلسطينيو 48 للحصول على الحكم الذاتي من خلال مشروع قانون طالبت فيه بالاعتراف بفلسطيني الداخل ك"أقلية قومية"، مما قد يتيح لفلسطيني 48، ان ينالوا حكما ذاتيا اجتماعيا وثقافيا في حال إقرار القانون. الكنيست والأقليات وتقدمت كتلة التجمع الديمقراطي العربي في الكنيست الاثنين، بمشروع القانون ، وتم تقديمه من قبل عضو الكنيست ورئيس كتلة التجمع البرلمانية، الدكتور جمال زحالقة، الذي أوضح انه لا يستبعد مطالبة الفلسطينيين في مناطق 48 مستقبلا بحقوق قومية وسياسية لهم. وذكرت صحيفة "معاريف": ان عضوي الكنيست من التجمع حنين الزعبي، وباسل غطاس، وقعا الى جانب جمال زحالقة على هذه المطالبة. وقال النائب جمال زحالقة :"مشروع القانون يستند الى المعاهدة الدولية بشأن حقوق الأقليات، واسرائيل لا تعترف بنا كمجموعة قومية، بل تعترف بنا كأفراد ومجموعات دينية، حيث لا يوجد بالقانون الإسرائيلي عرب ولا فلسطينيين". واضاف :"نحن نطالب بالاعتراف بنا كعرب، وما يترتب على ذلك من حقوق جماعية لنا كفلسطينيين من أهل البلاد الأصليين". وحول فرص التوصل من خلال هذا القانون، الى حكم ذاتي لفلسطيني 48، قال زحالقه: ان "مستقبلنا مرتبط بالقضية الفلسطينية، لأننا سنكون جزءا من الحل النهائي لها. نحن سنطالب بحكم ذاتي، لكننا ملتزمون بالقضية، ولن نتوصل الى اتفاق مع اسرائيل بعيدا عنها". ومضى قائلا: "لكن هناك واقعاً نعيشه، ونريد حقوقنا ضمن القانون الدولي، وحقوق الاقليات حسب هذا القانون الدولي، تتضمن حقها في ادارة شؤونها الثقافية، وحقنا بالتواصل مع ابناء الشعب الفلسطيني، واقامة علاقة خاصة معهم، وحقنا في ادارة شؤونا التعليمية". واشار زحالقة الى انه "في حال تم الاعتراف بنا كأقلية قومية، فانه من حقنا وقتها، المشاركة في اي قرار يتعلق بنا". وتطرق زحالقه الى الموقف الاسرائيلي من هذا المطلب، قائلا: " قدمنا سابقا مشاريع قوانين مشابهة للقانون الذي طرحناه حديثا، ورفضته اسرائيل بشدة، لذا فاننا نتوقع ان ترفضه مجددا، لأنها اشترطت علينا الاعتراف بيهودية الدولة كمادة في الدستور الاسرائيلي، مقابل الاعتراف بنا كمجموعة قومية، لكننا رفضنا ذلك بشدة". وتابع: "لن نوافق على سبيل المثال، ان يتم اتخاذ قرار حيال خطة تسكين بدو النقب بدون إشتراك وموافقة ممثلي الجمهور العربي". من جهتها، أشارت صحيفة "معاريف" إلى ان القانون الإسرائيلي لا يعترف بالحقوق الجماعية للعرب كمواطنين في إسرائيل، بل على اساس انتمائهم الديني، حيث تتحدث السلطات الإسرائيلية عنهم رسميا ك "ابناء الاقليات" أو "السكان من غير اليهود" وليس كأقلية عربية قومية. مقدمة لإقامة دولة وحذرت الصحيفة الإسرائيلية من ان "بلورة القومية العربية، والقومية لفلسطينيي الداخل، هي مقدمة لإقامة دولة لهم" و"انهم سكان أصليون، لا تتساوى حقوقهم مع المهاجرين، الذين وصلوا إلى البلاد بهدف الاندماج، مع امة جديدة او لخلق امة أخرى، لا ينتمون لها بالأساس". ونوهت الصحيفة إلى ان أحد بنود مشروع القانون المقدّم يتعاطى مع "المؤسسات القومية" بحيث يطالب ان "يكون لأبناء الأقلية العربية في إسرائيل، الحق في إقامة وتأسيس مؤسسات تمثيلية خاصة بهم في جميع مجالات الحياة". ويقول المشروع أيضا بوجوب أن يكون" لأبناء الأقلية القومية العربية الحق في التمثيل الفاعل في جميع مؤسسات الدولة، وان يكون لهم الحق في تطوير وتعزيز ثقافتهم وعاداتهم وتصرفاتهم بشكل حر، وبدون تدخل من سلطات الدولة". وينص بند آخر في اقتراح مشروع القانون على انه يتوجب "على دولة إسرائيل ان تعترف بالرابط الخاص للاقلية القومية العربية في اسرائيل مع الشعب الفلسطيني، وباقي جماهير الامة العربية، وعلى هذا الاساس لا يجوز محاكمة العرب الذين يقومون بزيارة الدول العربية كسوريا مثلاً". رفض فلسطيني وفي موقف مغاير لطلب الحكم الذاتي ، رفض الامين العام لحركة أبناء البلد، رجا اغبارية، تقديم مثل هذا المشروع للكنيست "لأن الاعتراف بالفلسطينيين كأقلية قومية، معناه اعترافا أبدياً بدولة اسرائيل ويهوديتها، وكأننا كأقلية جزء من هذه الدولة". ويرى عضو الكنيست عن حزب الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عفو إغبارية، ان "خطوة كهذه قد تعيق هدفنا كفلسطينيين بالداخل، لنيل المساواة الكاملة مع المواطنين اليهود في إسرائيل. نريد مساواة اجتماعية وثقافية واقتصادية، والاعتراف بنا كأقلية قد ينتقص من ذلك". يأتي ذلك رغم أن الفلسطينيين في أراضي 48 ينظرون إلى أنفسهم على الدوام بوصفهم جزءاً لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني رغم شتى السياسات والوسائل التي اتبعتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لإضعاف وتفتيت هذا الانتماء العربي الفلسطيني عن طريق تطبيق إستراتيجية سيطرة إسرائيلية على الأقلية العربية تحول دون تمكينها من القيام بدورها كجماعة قومية متكاملة تنتمي إلى الشعب العربي الفلسطيني. وفي هذا السياق استندت العلاقة بين النظام الإثني العرقي في إسرائيل والأقلية العربية إلى قاعدة قانونية أساسها التمييز العرقي تسيطر بموجبها مجموعة عرقية يهودية على أخرى عربية، مع منح المجموعة المسيطر عليها حقوقاً وامتيازات لا تمس جوهر نظام السيطرة القائم لصالح اليهود الذين يشكلون الغالبية ويحتفظون بالتفوق في كل القضايا الجوهرية التي تتعلق بالصالح العام للدولة، كما يحتفظون أيضاً بالوظائف الرئيسية التي تقرر طبيعة هذا "الصالح العام". التجنيد والعصيان المدني هذا ويتجه فلسطينيو 48 نحو عصيان مدني إذا ما أصرت إسرائيل على فرض مشروع "الخدمة المدنية" بموجب ما تسميه قانون "المساواة بتقاسم العبء"، في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات في المجتمع الإسرائيلي لفرض الخدمة المدنية أو العسكرية على العرب بإسرائيل أسوة باليهود "الحريديم". وارتأت لجنة يعقوب بيري، التي صاغت القانون، عدم فرض الخدمة العسكرية على فلسطينيي 48 والإبقاء على حرية الاختيار للتطوع والانخراط في الجيش الإسرائيلي مع الإبقاء على بند الخدمة الإجبارية على الدروز وبعض عشائر البدو. لكن اللجنة مقابل ذلك طرحت فرض "الخدمة المدنية" على من هم في سن الثامنة عشرة، مع رصد محفزات مالية لمضاعفة المنتسبين العرب لمشروع الخدمة المدنية من ثلاثة آلاف متطوع إلى ستة آلاف بحلول عام 2016. وأجمعت الأحزاب السياسية والقوى الوطنية في الداخل الفلسطيني على تأكيد رفض القانون ومشاريع التجنيد بمختلف أشكالها ومسمياتها، وأطلقت "لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية" بالتعاون مع "الحملة الأهلية لمناهضة الخدمة المدنية" أثناء فعاليات "المؤتمر الوطني لمناهضة الخدمة المدنية والعسكرية وكافة أشكال التجنيد" الذي احتضنته مدينة الناصرة وثيقة وعريضة تواقيع لفلسطينيي 48 لمناهضة التجنيد والخدمة المدنية. وقالت مديرة منتدى "حراكنا" جهينة صيفي إن مختلف الأطر السياسية والحزبية وجمعيات العمل الأهلي بالداخل الفلسطيني أجمعت في موقف حازم وموحد على رفضها للقانون وعدم التعامل معه والاستعداد لدفع الثمن. وقالت "نرفض نحن أصحاب الأرض الأصليين التعامل معنا على أساس إثبات الولاء للدولة وخدمتها للحصول على الشرعية، وسنواصل التصدي لمخططات المؤسسة الإسرائيلية التي نبعث لها رسالة واضحة برفض التجنيد بمختلف أشكاله ولو بالعصيان المدني". وأشادت صيفي بوعي الشباب ومواقفهم الرافضة لكافة أشكال التجنيد، لذلك رأت أن "مخططات المؤسسة الإسرائيلية ستتحطم على صخرة إرادة الأجيال الفلسطينية الشابة رغم أدوات ما تسمى بمديرية "الخدمة المدنية" الإسرائيلية التي فشلت في إزاحة الشباب عن الثوابت الوطنية والقومية برفضهم لمشاريع الأسرلة". من جهته أكد رئيس كتلة التجمع الوطني النائب جمال زحالقة إجماع كافة الأحزاب والفعاليات السياسية والوطنية على رفض قانون "الخدمة المدنية" وتصديها لكافة مخططات التجنيد، مبينا أن الغالبية الساحقة من الشباب في الداخل الفلسطيني ترفض مشاريع التجنيد وتفضل دفع الثمن بالسجن والاعتقال. واعتبر زحالقة توصيات لجنة بيري بتجنيد الشباب من فلسطينيي 48 إعلان حرب على الداخل الفلسطيني الذي سيدخل في مواجهة للحفاظ على وجوده وهويته مهما كلفه ذلك. وقال رئيس كتلة الجبهة النائب محمد بركة إن مشروع "الخدمة المدنية" بديل للخدمة العسكرية، وبالتالي لا يستطيع من لديه ضمير أن يحترمه أو يلتزم به كونه "يتناقض ومواقفنا وانتمائنا"، و"يجب أن لا نتردد في خرق هذا القانون مهما كلف الثمن". وتساءل بركة مخاطبا المؤسسة الإسرائيلية عن أي عبء يتحدثون عنه ويريدون أن نتقاسمه معهم؟ هل هو عبء الاحتلال والاستيطان والأيديولوجية الصهيونية؟ واعتبر أن فلسطينيي 48 لا يمكنهم تقاسم هذا العبء وهم يرفضون أن تكون الخدمة المدنية مدخلا للمواطنة. الفلسطينيون والاسرلة وبينما كانت الأوساط الصهيونية والقيادة الإسرائيلية تسعى إلى تفتيت النسيج المجتمعي للأقلية العربية وتبديد هويتها القومية من خلال التعامل معها كأقليات "إثنية" من المسلمين والمسيحيين والدروز، وإنكار وجود الفلسطينيين كأقلية قومية، ومحاولة "تهجينهم" عبر شتى أساليب "الأسرلة" الرامية إلى عزلهم عن جذور هويتهم العربية، كان الفلسطينيون في المقابل يجهدون في محاولة إيجاد معادلة تحقق التوازن بين كونهم مواطنين إسرائيليين يكافحون في سبيل المساواة داخل الدولة العبرية، وبين كونهم ينتمون إلى الشعب الفلسطيني والأمة العربية. وإذا كانت هذه المعادلة تعني في شقها المتعلق بالمواطنة الإسرائيلية النضال ضد محاولات إبقائهم على هامش المجتمع الإسرائيلي ومن أجل المساواة الكاملة في الحقوق مع بقية مواطني الدولة اليهودية، فإنها تعني في شقها المتعلق بالانتماء العربي رفض الانزواء على هامش الأمة العربية، ومشاركة العرب همومهم وتطلعاتهم بالتزامن مع مشاركة أبناء جلدتهم الفلسطينيين نضالهم الوطني في مواجهة المشروع الاسرائيلي، وهي مشاركة تكفل في نهاية المطاف انتصار اتجاه "الفلسطنة" على اتجاه "الاسرلة" الذي طالما سعت الحكومات الإسرائيلية إلى ترسيخ مرتكزاتها في صفوف فلسطينيي 48.