منهج جديد للتطور د.أيمن رفعت المحجوب منذ أن طالب السيد الرئيس بتغيير الدستور وحتي خطابه الأخير في عيد العمال, وأنا أشعر بأننا نمر بنقطة تحول علي طريق التطور, الذي يرمي الي الحرية والعدل سويا مع دفع التنمية, ولا يكفي أن يبدأ التطور بل يجب أن يتم, وعلينا وبنا شعبا وقيادة تقع مسئولية إتمامه ونجاحه, تقع علينا هذه المسئولية في مواجهة أنفسنا, ومواجهة الأجيال القادمة, ثم في مواجهة التاريخ الطويل, الذي بدا بصفحات مجيدة والذي نقصر في حقه إذا لم نضف إليه صفحات مجيدة أخري. ويقصد بالتطور إحداث تغييرات عميقة وسريعة في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها, وفي فكر الجماعة الحاكمة, وفي الفلسفة التي تقود عقل المجتمع, كما يقتضي أيضا تغيير الأوضاع القانونية, بل ويستتبعه تغيير منهج الحياة ذاتها لنصنع منها حياة أفضل.. ولا يمكن إحداث تطور حقيقي دون ان نقيم بناء جديدا, فالتطور الذي يقف عند هدم القديم دون ان يقيم الجديد تطور غير حقيقي, ولا يمكن أن يستمر بل سرعان ماينتكس وذلك لأن الهدم الذي لا يتلوه البناء لا يعني الا الفراغ, ولم يغب عن قيادتنا الواعية أيضا أن هذا البناء الجديد يجب أن يتسع لكل أصحابه ويشملهم حتي لا تقوم الفئات المستبعدة بهدمه. وتقضي سلامة البناء الجديد حشد كل القوي البناءة التي تؤمن بالتطور واشراكها في صنع القرار, إذ إن البناء يجب أن يوكل للقوة المؤمنة بالتطور والقادرة علي تقديم الجديد وطرح الحلول الموضوعية التي تتماشي مع ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهنا أجدني مضطرا ان أعرض موضوعا مهما طالما شغل عقولا كثيرة من المفكرين في بلدنا, وهم أهل الثقة أم أهل الخبرة, وأجدني اصل الي النتيجة الآتية: وكما يقال دائما إن أسوأ ماتصاب به امة في مراحل البناء ان يكون أهل الخبرة فيها ليسوا أهل ثقة, وان يكون أهل الثقة فيها ليسوا أهل خبرة, وذلك البناء الجديد في حاجة الي أهل الخبرة والثقة معا, فالنيات الطيبة لا تستطيع وحدها اقامة التطور كما ان الخبرة السيئة النية لن تقيم البناء ولا تدفع التطور أبدا, وانني أري أن هناك فئة ثالثة جديدة أسوأ من هذه, وتلك وهي من هم ليسوا أهل الخبرة ولا هم أهل ثقة. وفي مجال الحديث عن الخبرة والثقة والبناء الجديد والتطور نكون في حاجة الي مزيد من الصراحة لنجد أن التخصص في العمل هو الطريق الوحيد الذي يضمن عملا للكل ويضمن التعاون للثقة والخبرة ويضمن سلامة البناء ويمهد الطريق للتطور وهو الذي يضمن أيضا استبعاد الفئة الثالثة. ومن المؤكد ان البناء الذي ننشده يبلغ من الضخامة حدا يعطي مجالا لكل يد تريد أن تعمل وكل عقل يريد أن يفكر, بل ويلزم الا نسقط من حسابنا أي يد تقدر علي العمل أو أي عقل يقدر علي التفكير, واستكمالا للبناء الجديد ودفعا للتطور لابد من بناء المواطن الحر, وان نقيم البناء السياسي كامل الحرية, ولذلك فإن الحرية السياسية الكاملة لا تصبح حقيقة واقعة الا اذا تمكنا من رفع المستوي الاقتصادي للمواطن بما يتناسب مع متطلبات الحياة بصورة واقعية, وهذا لن يحدث إلا بربط علمي بين الاجور والاسعار مع الحفاظ علي معدلات تنمية متزايدة, وحتمية التخلي عن منهج النفعيين في توزيع الدخل القومي واستبداله تدريجيا بمنهج التعوضيين الذي هو الأكثر عدالة وانصافا للطبقات محدودة الدخل مع ضرورة الاستمرار في زيادة التحويلات الاجتماعية وتوسيع شبكة الضمان الاجتماعي لكي تغطي كل من هو غير قادر في هذا البلد, وذلك لإرساء مبدأ التكافل وضمان استمرار السلام الاجتماعي, وهذه هي اللبنة الأولي في أي بناء صحي جديد وأول خطوة علي طريق التطور المنشود. وفي النهاية فإن مثل هذا البناء يتطلب احترام الحريات العامة والحريات السياسية وحقوق الإنسان, إن هدفنا هو أن نقدم للأجيال القادمة مواطنا حرا صالحا ومنتجا ونظاما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا سليم البنيان, إن عظمة الحاكم لا تقاس فقط بحرية المواطن بل أيضا برضاء المواطن وسعادته في بلده, وقد كان لقيادتنا القدر الكافي من الحكمة في هذا المضمار بل والريادة. وكما أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان, فبدون الخبز أيضا لن يحيا الإنسان. وهؤلاء الذين يظنون أننا ممكن أن نعود إلي جان فالجان( فيكتور هوجو) الذي يري الخبز ولا تصل إليه يده, نقول لا لن نعود هيهات فلا وجود عندنا في مصر للباستي فنحن جميعا مؤمنون بقيادتنا مادام فينا قيادة واعية يقظة ضميرها لاينام والله متم نوره ولو كره الغافلون. عن صحيفة الاهرام المصرية 20/5/2008