حزب الله: استهدفنا ميركافا إسرائلية بصاروخ ما أدى إلى احتراقها    إسرائيل تضع يدها على الزناد.. غزة ولبنان في المشهد الخلفي لضربة إيران المتوقعة    بقنابل فسفورية.. اشتعال النيران في مدرسة خليفة التي تؤوي نازحين شمالي غزة    اشتباكات ضارية بين مقاتلي حزب الله وقوات إسرائيلية بجنوب لبنان ومروحيات تنقل جنودا مصابين    مساعدات عسكرية أمريكية لكييف بقيمة 425 مليون دولار    إصابة 5 أشخاص جراء انقلاب أتوبيس ب محافظة كفر الشيخ    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 29    «المخفي» يقدم أحمد سلطان في أول بطولة سينمائية مُطلقة.. قصته وموعد عرضه    تركي آل الشيخ يكشف عن مسلسل جديد ل يوسف الشريف بدعم موسم الرياض    محمد هنيدي يتحدث ل أول مرة عن جده الذي عاش أكثر من 100 سنة.. وحكاية فصله من معهد السينما (فيديو)    في اليوم العالمى ل«العصا البيضاء».. جهود حكومية لدعم ذوى الإعاقة البصرية    وزير الأوقاف يهنئ اللواء حسن محمود رشاد لتعيينه رئيسًا لجهاز المخابرات العامة    وزارة التربية والتعليم تصدر خطابا عاجلا بشأن سعر الحصة الجديد    محافظ الغربية ونائبه يشهدان احتفال الطرق الصوفية بمولد السيد البدوي    اللواء سمير فرج يكشف أسرار نصر أكتوبر | تفاصيل    إطلاق 10 صواريخ باتجاه "كريات شمونة" شمال إسرائيل (فيديو)    السوبر المصري، موعد مباراة الأهلي وسيراميكا كليوباترا في نصف النهائي    موقف عمر جابر من السوبر المصري.. وجوميز يطلب إعارة هذا اللاعب    موعد مباراة الأهلي والزمالك في نصف نهائي بطولة إفريقيا لليد    معلومات الوزراء ينشر إنفوجرافا حول خريطة تسليم وحدات الإسكان الاجتماعي لحاجزيها    قبل اجتماع المركزي.. توقعات سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري في البنوك    النيابة العامة تطالب شركات النقل والمؤسسات التعليمية بالكشف الدوري على السائقين    رئيس اللجنة النقابية للمصوغات والمجوهرات يفجر مفاجأة عن أسعار الذهب    وكيل صحة الغربية يتفقد وحدات نهطاي وحانوت استعداداً لتشغيلهما    محافظ سوهاج يتفقد أعمال مشروع تطوير كورنيش أخميم    إجهاض وخيانة، مفاجآت في وفاة المغني ليام باين بعد سقوطه من شرفة منزله    أحمد عادل: الأهلي سيدخل السوبر المصري بدوافع مختلفة    مصر تدعم الصومال في تحسين «إدارة المياه»    مصرع عامل وإصابة شقيقة بطلقات نارية في حفل زفاف بقنا    تدريب 15 ألف متعافٍ من الإدمان على الحرف اليدوية    عبير نعمة تتصدر التريند بعد حديثها عن لبنان في مهرجان الموسيقى العربية.. ماذا قالت؟    دراسة أمريكية: زراعة الكلى آمنة بين المصابين بفيروس نقص المناعة    وكيل وزارة الأوقاف بكفر الشيخ: تدريب 50 إمام للتوعية بأهمية الحفاظ على المياه    نتنياهو يوافق على ضرب إيران وصفارات الإنذار تدوي شمال إسرائيل بعد الهجوم الصاروخي    حدث ليلا، خبير يكشف عن تطور جديد وقع في إثيوبيا يهدد بانفجار سد النهضة    إصابة 6 أشخاص فى حادث تصادم سيارة بتوك توك في أسوان    قوى خفية قد تمنحك دفعة إلى الأمام.. توقعات برج القوس اليوم 17 أكتوبر    إعلام فلسطيني: 5 شهداء جراء قصف منزل سكني جنوب غربي مدينة غزة    أسعار التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 17 أكتوبر 2024    لغز العثور على طفل مشنوقا بأطفيح    شوقي حامد يكتب: الجبلاية تتعقل    هانئ مباشر يكتب: الشعب يريد ونحن معه    إعلام عبري: صفارات الإنذار تدوي في كريات شمونة ومحيطها    أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 17 أكتوبر 2024    "الأهلي يضمن حقوقه".. سيد معوض يكشف تفاصيل انتقال نجله عمر إلى ريال بيتيس    بوجبا: أنا مثل أسد مسجون.. وسأتخلى عن المال من أجل البقاء في يوفنتوس    جوميز مدربا ل الأهلي الليبي وأبو جريشة يعاونه    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 17 أكتوبر.. «ركز على عاطفتك»    فشل اللصوص في سرقة طالب بسوهاج فمزقوا جسده بالأسلحة البيضاء    "الآيس كريم: الحلوى المفيدة التي قد تتفوق على الحلويات الأخرى!"    سعاد صالح: من يتغنى بالآيات القرآنية مرتد وكافر ويطبق عليه حكم الردة    أمين الفتوى يوضح على قناة الناس حكم استخدام "الهارد جيل" والأظافر الصناعية    وزير الصحة ونظيرته القطرية يبحثان سبل التعاون    تضامن الفيوم تنظم قافلة طبية لغير القادرين بمركزي أبشواي وأطسا    طب أسيوط تنظم المؤتمر السنوي الرابع لقسم الأمراض الباطنة والكُلى    الأزهر للفتوى محذرا من تطبيقات المراهنات الإلكترونية: قمار محرم    حكم إخراج الزكاة على ذهب المرأة المستعمل للزينة.. الإفتاء تجيب    عضو لجنة الفتوى بالأزهر يوضح صيغة دعاء نهى النبي عنها.. احذر ترديدها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أول مجندة في الجيش المصري تروي لمصراوي رحلتها.. ''كرمها مشير ودعمها رئيس'' - (حوار)
نشر في مصراوي يوم 30 - 09 - 2016


تصوير محمود أبو ديبة:
على سجيتها تتحدث، لا تخشى ذلة لسان ولا انفلات الكلمات من شفتيها، تترك الحديث ينساب بتلقائية ومرح غير آبهة بالنتائج التي ربما تترتب على مثل هذه الروايات، "أنا مبخاففش"، هكذا تصف الملازم أول ابتسامات محمد عبد الله، أول مجندة في الجيش المصري، نفسها، لم يكتب الله لها رزق الأبناء، فجعلت من جدران منازلها خير أنيس وشاهد على لحظاتها السعيدة، فهنا تجد ركنا لصور زفافها هي وشقيقاتها، وآخر يضم صور العائلة والوالدة والوالد، وثالث لتدرج الزوج في رتبه وبعض الأحداث من تكريمات للأشقاء والواد الذي جمعهم سلك الجيش والشرطة، وفي جهة أخرى دولاب للنياشين والميداليات التي حصل عليها الزوج طوال فترة خدمته، فبمجرد أن تطأ قدماك منزلها تشعر أنك تحركت بالزمن للماضي إلى حقبة ولت ربما الخمسينيات أو الستينيات أو أبعد من ذلك.
عمر آخر يُضاف لابتسامات عندما تسترجع ذكرياتها أثناء حرب 48، ابتسامة عريضة تعلو وجهها وحالة من البهجة والنشوة تعتريها فتشابه نبرات صوتها مع الأطفال وكأنها استعادت شمس غابت منذ عقود، "يااااه يا ريت الأيام دي ترجع تاني، بحنلها أوي، ولو قالولي ارجعي تاني هروح"، باعتناء شديد تحتفظ بدروع وشهادات التقدير التي حصلت عليها في تكريماتها، تخرجهم من حافظاتهم بهدوء وتتطلع بهم والسعادة تملؤها متذكرة تاريح كل تكريم والجهة التي كرمتها، "أنا لسه هعملهم دولاب كمان مش هسيبهم في العلب كده".
ربما من خلال لمحة سريعة تتساءل ما الذي تتذكره هذه السيدة التي تخطت العقد الثامن بعدة سنوات، ولكن مع بداية الحديث معها تتدفق عليك الأحداث والمواقف بترتيباتها الزمنية، فالتحاق "ابتسامات" بالجيش لم يكن وليد اللحظة، ولكن نشأتها في عائلة عسكرية كانت سببا وراء ذلك "كنت بتغاظ من اخواتي الأربعة علشان هم ضباط وأنا لأ"، ولحبها الشديد في الملابس العسكرية صنعت فستان وهي بعمر الأربعة عشر عاما وعلقت على أكتافه نجوم من القماش وهو ما رفضته شقيقتها التي تكبرها "تنهُدات" التي انتقلت للعيش معها وزوجها بعد وفاة والديهما "قالتلي هتودينا في داهية، بس جوزها دافع عني وقالها سيبيها تلعب".
انهت الفتاة دراستها الابتدائية بالمدرسة الفرنسية وحصلت على شهادتها من وزارة المعارف (التعليم الآن)، جلست في بيت شقيقتها"تنهُدات" تلعب بعروستها المصنوعة من القطن وهنا بدأت تكتشف حبها للتمريض "كنت بجيب سرنجات من الصيدلية وأديها للعروسة وأحيانا كنت أقول لأصحابي تعالوا أديكوا حقنة فكانوا يخافوا ويجروا"، ومع بلوغ ابتسامات لعمر العشرين تقريبًا، لم يكن اللعب بالعروسة القطنية والمزاح مع أصدقاءها كافي لها فبدأت في البحث عن شئ آخر تفعله فتقول: "لقيت وقتها إعلان في الجريدة عن إن الهلال الأحمر طالب متطوعات فروحت وقدمت"، درست بعدها ابتسامات شفهي وعملي لمدة عام وحصلت على شهادة التمريض.
عادت "ابتسامات"، إلى الجلوس في المنزل تبحث عن شئ آخر تشغل به وقتها، تعلمت الحياكة وشغل ال "كنافا" وصنعت تابلوهات كثيرة تزين بها شقتها حتى الآن، ولكنها قررت بعد ذلك أن تبحث عن عمل بشهادة الهلال الأحمر في إحدى المستشفيات "أختي مكنتش موافقة وقالتلي بنت عبد الله بيه تشتغل ممرضة، بس جوزها قالها متقفيش في طريقها"، خلال هذه الفترة كانت ابتسامات تطالع الصحف وترى النماذج النسائية التي اجتازت حاجز التقاليد وخاضت مجال كانت هي الأولى فيه وتمنت أن تحذو ذات يوم حذوهم " كنت بشوف أو محامية وأول معلمة ودكتورة ومكنتش أعرف إني في يوم من الأيام هبقى الأولى زيهم في حاجة"، علمت الفتاة العشرينية بعد ذلك أن المستشفى العسكري يطلب 75 متطوعة للمستشفى العسكري وقت حرب 48 وكانت من أوائل المتقدمات".
جاء موعد المقابلة لاختيار المتطوعات، كانت ناهد رشاد وصيفة الملك وزوجة يوسف رشاد طبيب الملك ترأس اللجنة، تم قبولها ومع اشتداد الحرب أعلنوا حاجة المستشفى لعسكري في غزة حاجتها ل 10 متطوعات وكانت ابتسامات في مقدمة المتطوعات للمرة الثانية "كنت دايما مستعدة" تضحك وهي تقولها، بعد الحصول على موافقة الأهل أعلنت ناهد رشاد أسماء المقبولات للسفر إلى غزة وكانت ابتسامات أول فتاة ضمنهم "أول ما نادت الإسم قالت الملازم أول ابتسامات، مكناش نعرف إننا هناخد رتب أو هنلبس زي عسكري، كنت حاسه بفرحة وقلق وقتها"، الخوف من الحرب شئ لم تفكر فيه ولكن كل ما كان يرهبها هو ركوب الطائرة "كنت خايفة جدًا أول مرة أركب بس لما لقيت ناهد رشاد قاعدة جنبي ومش خايفة اتشجعت".
في غزة كانت الحرب على أشدها، ضحايا ومصابين، ووجود النساء وسط هذه الأجواء لم يكن مألوفا "كنا بنشوف مآسي اللي متفجر في وشه لغم واللي دراعه أو رجله مبتورين، وكان في تحت المستشفى مكان علشان ندفن الضحايا والموضوع ده كان بيستمر طول اليوم"، الأوضاع الصعبة لم تثبط عزيمة ابتسامات وزميلاتها في الحرب بل كان يزيدهم ذلك إصرار على البقاء والتواجد لآخر لحظة "متأثرتش خالص رغم إن الضباط والعساكر الإسرائيلين بليل كانوا بيعملوا أصوات ذئاب علشان يخوفونا لأنهم كانوا عارفين إن في بنات في المستشفى"، طموح الفتيات في الحرب زاد بعد رؤيتهم للمجندات الإسرائيليات مسموح لهم بحمل السلاح والمشاركة في الحرب ولكن الملك لم يوافق بذلك "كان خايف علينا واحنا كنا متغاظين إن المجندات الإسرائيليات بيشيلوا سلاح".
توطدت علاقة الملازم أول ابتسامات، بناهد رشاد خلال الحرب، ولكنها بدأت قبل السفر إلى غزة من خلال تواجدهم أثناء الاستراحات في المستشفى العسكري حاولت أن تتقرب منها فسألتها أن تقرأ لها الفنجان "مكنتش بعرف اقراه وللصدفة الكلام كله طلع صح وقالتلي انتي من دلوقتي صاحبتي وهسميكي قطتي السوداء وقالتلي كتير من أسرار القصر"، كانت علاقة ابتسامات بناهد رشاد سبب في لقاءها الأول بالملك، فبعد واقعة الفنجان طلبت ناهد منها أن يذهبا إلى الملكة فوزية في القصر حتى تقرأ لها ابتسامات الفنجان ووقتها مر عليها الملك أثناء انتظارها وأدت له التحية العسكرية، والمرة الثانية أثناء تواجدها في المستشفى العسكري بالقاهرة حيث كان الملك يطمئن على المصابين لإهدائهم سمكة ضخمة اصطادها بنفسه "كانت الساعة 4 الفجر ولما العسكري بلغني مصدقتش نزلت لقيته في عنبر العظام وكنت المسؤولة عنه وسألني وقتها عن أحوال المصابين ومشي".
ولم تكن علاقة ابتسامات بناهد رشاد هي فقط التي توطدت خلال عملها بالمستشفى العسكري في القاهرة، فخفة ظلها ومرحها جعلها على علاقة جيدة بالضباط والعساكر المصابين خاصة وأنها كانت تحاول دائما الترفيه عنهم بطرقها الخاصة "كنت بجيبلهم قصب وجاتوه واسطوانات عبد العزيز محمود وننزل الجنينة ونسمعها كلنا".
10 أيام قضتها ابتسامات في غزة قبل أن تعود إلى القاهرة، ونظير المجهودات التي بذلتها الممرضات المتطوعات حصلن على نوط الجدارة الذهبي وساعة ذهب ونجمة فلسطين ونيشان "الدبانة" الخاص بالأخلاق الحسنة، ومن خلال موقف صغير حدث أثناء حضورها إحدى المباريات التقت محمد حبيب الذي أصبح فيما بعد زوجها "كان في ناس قاعدين في مكاننا وحصلت مشكلة فهو وفرلنا مكان نقعد فيه وقعد جنبي وبدأ يسأل أسئلة ظهر منها إنه شخص عايز يتجوز"، اعترض شقيق ابتسامات على زوجها في البداية بحجة أنه شخص خام واستنجدت هي باللواء محمد نجيب الذي كان صديق العائلة ليساعدها على إتمام الزيجة "روحتله وقلتله الأمين مش موافق فرفع السماعة وكلمه قاله أنا سألت عليه وهو شاب كويس وفعلا تم الزواج".
عقب ثورة 1952 أُصدر قرار بالاستغناء عن المتطوعات دون أي شكر أو تقدير، فشعرت ابتسامات بالحزن واستعانت بأحد الصحفيين ليثير قضيتها وهو ما تلاه اهتمام بسيط "اتكتب عننا كلام والموضوع كان له حيز في الصحافة بس لفترة بسيطة"، عاشا الزوجان بعد ذلك ما يقرب من 57 عاما خلال هذه الفترة لم يكن يعلم أحد عن الملازم أول ابتسامات شئ، حتى فارق حبيب الحياة في عام 2007 وترك ابتسامات وحيدة "مشوفتش راجل زيه في حياتي، بحس بوحدة من غيره وبشتاقله وخاصة لما اخواتي كلهم توفوا، بس اللي مصبرني إن أولادهم دايما بيسألوا عليا".
وفي 2010 كرم المشير طنطاوي، ابتسامات كأول مجندة التحقت بالجيش المصري في حرب فلسطين، وأنهالت عليها بعد ذلك التكريمات وكان أبرزها من الرئيس عباس أبو مازن وبدأ الجمهور يعرفها، وعند سؤالها عن ما تتمناه تجيب بأن كارنيه المحاربين القدامى هو أسمى أهدافها "أنا اشتركت في الحرب أمال إيه، احنا كنا مُعرضين إننا ننضرب في المستشفى في غزة أو إن طيارتنا تستهدف"، تقضي ابتسامات معظم الأوقات الآن بمفردها ما بين قراءة القرآن أو متجولة في منزلها، تجد تسليتها في الطبخ وقراءة القرآن وسماعه بصوت محمد رفعت، بعد أن كان البيت يعج بالضباط ليالي الخميس لسماع أم كلثوم وصوت زوجها الذي مازالت تسمعه يتردد في أرجاء المنزل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.