تبذل القوات الأفغانية الموجودة في إقليم هلمند جنوب غربي البلاد جهودا كبيرة لتوفير الأمن خلال الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجالس المحلية التي تجرى يوم السبت. وفقدت الشرطة الأفغانية 400 رجل خلال معارك جرت في الأشهر القليلة الماضية، وهذه أسوأ خسارة تُمنى بها في فصل الشتاء منذ اندلاع الصراع هناك. ويقول قدرة الله نقشبندي، رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات، إنه ليس من الممكن فتح مراكز اقتراع في نحو ثلث الإقليم، إذ تخضع مناطق كبيرة الآن شمالي هلمند لسيطرة حركة طالبان. وفي الوقت نفسه، لا تزال الحملة السنوية للقضاء على زراعة الخشخاش - المستخدم في صناعة الأفيون - في البلاد مستمرة. ويقول العقيد محمد عبدلي، رئيس جهاز مكافحة المخدرات، إن الحكومة المركزية لم تتمكن من دفع بعض الأموال اللازمة لشراء الوقود للجرارات الزراعية، أو أجرة العمال الذين يعملون في تدمير محاصيل الخشخاش. وفي العام الماضي، بلغ حجم محصول زراعة الخشخاش في أفغانستان رقما قياسيا. وهو العام الذي شهد وجودا عسكريا كبيرا للقوات البريطانية والأمريكية. وأشار العقيد عبدلي إلى أنه لن يتمكن إلا من تدمير جزء صغير جدا من نحو 100 ألف هكتار من الأراضي يعتقد أنها زرعت بنبات الخشخاش. ويستطرد عبدلي قائلا إن عليه أن يقاتل مسلحي حركة طالبان كل يوم. وكان المسؤول الأمني الأفغاني يتحدث أثناء قيادة سيارة مصفحة من طراز همفي تبرعت بها الولاياتالمتحدة وتوجد على كل نوافذها آثار لطلقات الرصاص. ويعلم عبدلي، الذي يعد أحد أبناء جيل جديد من قيادات الشرطة الذين تلقوا تعليما أفضل ولديهم حافز أقوى من سابقيهم، أن جهود القضاء على زراعة الخشاش لن يكون لها أثر دائم في غياب سياسات أخرى. ويقول عبدلي طلبي من السلطات هو أن المزارعين الفقراء يجب أن يمنحوا بدائل أخرى، حتى نضمن لهم مستقبلهم. بدون ذلك، فإننا حينما نقضي على محصول الخشخاش الخاص بهم، فسوف يُجبرون على الانضام إلى طالبان، أو ارتكاب الجرائم. وبينما كانت الجرارات الزراعية تقوم بتقطيع حقول الخشخاش، كان المزارعون يتوسلون إليه أن يتوقف. وقال أحدهم إلى من أشتكي، وأين أذهب لأشق قميصي، - وهو تعبير تقليدي أفغاني يشير إلى اليأس. وقد لجأ هؤلاء المزارعون للاقتراض من أجل شراء حبوب الخشخاش والأسمدة، ويخشون عدم القدرة على السداد. ويقولون إنهم زرعوا فقط كميات قليلة منه لإطعام أسرهم، ولا يوجد أمامهم سبيل آخر للرزق. ويقول ذلك المزارع إنه غاضب جدا لدرجة ستدفعه إلى عدم التصويت في الانتخابات الرئاسية يوم السبت. لكن في ما يبدو مفاجئا، أن بعض المزارعين هنا يقولون إنهم سيصوتون في الانتخابات المتوقع أن تحظى بإقبال كبير في أرجاء البلاد. وقال أحد هؤلاء سوف نشارك في الانتخابات، ونحن نفكر في مستقبلنا، وفي أن تصبح أفغانستان بلدا مستقرا. وحينما تصبح أفغانستان آمنة، فلن نحتاج إلى زراعة الخشخاش، وسيتوافر فيها كل شيء. وكان معظم الجنود البريطانيين الذين قتلوا في أفغانستان، والبالغ عددهم 448 جنديا، لقوا حتفهم بعد اتخاذ القرار بتأمين إقليم هلمند عام 2006. أما الآن فقد انسحبت القوات البريطانية من الريف بالرغم من بقاء قوة صغيرة في معسكر باستشن ، ونقطة تمركز أخرى، قبل الانسحاب النهائي في وقت لاحق من العام. وبعد ذلك، سيكون الوجود الوحيد للقوات العسكرية البريطانية في أفغانستان في مقر الأكاديمية الجديدة للشرطة بالقرب من العاصمة كابول. وفي مقر القوات البريطانية الخاوي بمدينة لشكر كاه، انتصب حائط تذكاري به آثار لأجزاء تم انتزاعها. والعلامة الوحيدة في المكان على أن البريطانيين كانوا هنا يوما من الأيام هي عدد من أكاليل الزهور بجوار الحائط. لكن هناك ميراثا لا ينتهي. فهناك وضع أمني أفضل بكثير في أكثر الأماكن المأهولة بالسكان في الإقليم، وهو الحزام المركزي بمحاذاة نهر هلمند. كما قوضت زراعة الخشخاش لتنتقل إلى أطراف الإقليم، ومكنت الطرق الممهدة بشكل أفضل الحكومة الأفغانية من توصيل الخدمات، وتقديم بديل أفضل من حركة طالبان. وفي إقليم ناد علي غربي البلاد، أصبحت القاعدة البريطانية السابقة ملعبا للكريكيت. وكانت القاعدة موجودة داخل قلعة قديمة تعود تاريخيا إلى الحروب الأفغانية الأولى. وتفتخر أفغانستان حاليا وبشكل كبير بالفريق الوطني للكريكيت الذي ظهر من العدم لينافس أكبر الفرق الرياضية في العالم. ويعد محمد إبراهيم، حاكم إقليم ناد علي، شخصية أخرى من الجيل الجديد الذي حصل على تعليم جيد، وهو من التكنوقراط الذين يعملون حاليا على إعادة بناء أفغانستان. وكان هناك مزارع مسن يدعى الحاج لال، وهو يتحدث عن مهندس أمريكي يدعى سكوت ، وكان موجودا في أفغانستان في فترة الستينيات لبناء نظام للقنوات المائية. لكن انسداد المجاري المائية جعل الكثير من جهود الري لا قيمة لها، إذ تراكمت كميات كبيرة من الأملاح في الأراضي الزراعية. ويقول الحاج لال لم يقم أحد بتنظيف هذه القنوات منذ 30 عاما. وسوف يصوت هؤلاء المزارعون في الانتخابات، وهم الذين شهدوا مجيء ورحيل القوات الروسية، ثم سيطرة طالبان خلال العشرين عاما الماضية. ويعلق كثيرون آمالا كبيرة على الرئيس الذي سيخلف الرئيس الحالي حامد كرزاي. وتجرى انتخابات يوم السبت لاختيار رئيس جديد للبلاد، بالإضافة إلى المجالس المحلية في أقاليم أفغانستان البالغة 34 إقليما. وإذا سلم الرئيس كرزاي الحكم لرئيس جديد، سيكون ذلك أول تسليم سلمي للسلطة في أفغانستان منذ أكثر من 100 عام.