في كثير من الأحيان، ان لم يكن في جميعها علي وجه الاطلاق والعموم، يكون للتوقيت في اتخاذ القرارات أهمية بالغة ومعني كبير، كما يكون له دلالات واضحة، وتأثيرات وانعكاسات لا يمكن تجاهلها، بل لابد من وضعها في الاعتبار والحسبان عند اتخاذ هذه القرارات. وتنبع أهمية التوقيت في اتخاذ القرارات من كون عامل الوقت هو الفاعل المؤثر والمتحكم عادة، او في اغلب الاحيان، في حجم ونوع الاثار الناجمة عن هذه القرارات وانعكاساتها علي المواطنين او الفئات المستهدفة به بالايجاب او بالسلب. وفي هذا الاطار، كان من المفترض ان تكون الحكومة علي قدر كبير من الاستعداد والجاهزية لاتخاذ القرارات اللازمة والمكملة لما اعلنته من تحرير لسعر الصرف وتعويم للجنيه، وذلك لتلافي الاثار الناجمة عن التعويم، وبهدف دعم الاسر الفقيرة ومحدودة الدخل، التي سوف تزداد معاناتها نتيجة التعويم. بمعني انه كان من المفترض ان يقترن بقرار التعويم مجموعة من القرارات ملازمة له ومصاحبة له في ذات التوقيت، وكلها تهدف لدعم هذه الفئات غير القادرة وامتصاص وتقليل الاثار السلبية للتعويم عليهم. علي ان يكون في مقدمة ذلك زيادة شبكة الامان الاجتماعي لهم في برنامج تكافل وكرامة، وزيادة المواد والسلع المدرجة علي بطاقات التموين، وزيادة اسعار توريد المحاصيل الزراعية لدعم الفلاحين والمزارعين،...، وان يتواكب مع ذلك تعديل الضرائب والاخذ بالضريبة التصاعدية لزيادة العائد وزيادة مساهمة القادرين في تحمل الاعباء في اطار العدالة الاجتماعية، بالاضافة الي زيادة الجمارك علي السلع الاستفزازية وتقييد الاستيراد. وكان من المفترض ان تقوم كل الوزارات بإعداد بحث دقيق للتأثيرات المتوقعة للتعويم في المجالات الهامة مثل الادوية، وكافة السلع والمواد الوسيطة المستوردة والداخلة في الصناعات المحلية، واتخاذ ما يلزم من قرارات بشأنها،...، ولكن ذلك لم يحدث في التوقيت الصحيح بل تأخر كثيرا،..، حيث مضي علي قرار التعويم وتحرير سعر الجنيه اكثر من شهر، ولا زالت بعض القرارات المكملة تأخذ طريقها للنور، في حين ان بعضها الآخر لم ير النور حتي الان.