للمرة الثانية بل قل الثالثة والرابعة التي يلقي فيها رجال الأعمال الكرة في ملعب الحكومة باقتراح وجيه من رجل أعمال معروف هو محمد فريد خميس رئيس اتحاد جمعيات المستثمرين بأن يطالب البرلمان أمام جلسات مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي الثالث الذي اختتم أعماله قبل أيام بتشريع لفرض ضريبة تصاعدية علي الأغنياء. الفكرة كررها سابقا عدد لا بأس به من رجال الأعمال بمعني أنها محل توافق مجتمع الأعمال واعتبرها فرصة ذهبية للحكومة لاقتناصها بهدف زيادة الموارد الضريبية وهي عنصر مهم من عناصر برنامج الإصلاح المصري وفق ما أكده مسئولو صندوق النقد الدولي. لماذا تفضل الحكومة الانتظار في الإشارة الصفراء رغم الضوء الأخضر الذي أعطاه مجتمع الأعمال وفي اعتقادي أن هذا التشريع المتعلق بالضريبة التصاعدية كان أولي من حيث إلحاحية التطبيق من قانون القيمة المضافة أو تعويم الجنيه أو تحريك أسعار المحروقات. مجتمع الأعمال يقترح الضريبة في شكل رسم تنمية لثلاث سنوات علي الأقل تبدأ ب 3 % علي المليونيرات وتنتهي ب 7% وهذا فضل وعدل ليحس جميع فئات الشعب أنهم شركاء في تحمل تبعات برنامج الإصلاح وفي مقدمتها ارتفاع الأسعار أي بالمعني الاقتصادي مستوي التضخم وبالتالي تناقص مستوي الدخول فعليا فمن كان يشتري 10 وحدات من السلع بدخله الحالي سيضطر بعد هذه الإجراءات لخفضها بنفس نسبة ارتفاع الأسعار. ورغم أن الوقت مازال مبكرا للحكم علي القرارات الاقتصادية الأخيرة خاصة المتعلقة بالتعويم وتحريك أسعار الوقود غير أن البشائر بدأت في الظهور بعودة أسعار الدولار بعد تراجعها نسبيا لمستوياتها قبل التعويم وكأنك يا أبو زيد ما غزيت سوي تقنين ارتفاع الأسعار. ولعل الأزمات المتكررة التي تواجهها الحكومة خاصة بعد التعويم من ارتفاعات التكلفة في مختلف القطاعات خاصة الأدوية والسلع الغذائية وزيادة أعباء قطاعات كان أداؤها إيجابيا تجعل الحكومة تدرك أنها سقطت في فخ التعويم أو بالمعني العامي وضعت نفسها في »حوسة». ولما كان الفأس وقع في الرأس علينا اتخاذ تدابير تساعد الدولة والشعب في تجاوز هذه القرارات وامتصاص الأثر الاقتصادي لها وأولها تفعيل الرقابة خاصة وأن ارتفاع الأسعار طال كل السلع والخدمات تقريبا حتي طبق الفول الطعام التقليدي لمعظم المصريين. لا ضير ولا غضاضة من أن تستعين الحكومة باتحاد الغرف التجارية الممثل لتجار مصر واتحاد الصناعات الممثل للصناع في وضع جداول محددة بالسلع المقترح وقف استيرادها فترة معينة بحيث تصدر في قرارات ملزمة وليس بطريقة اتفاق الجنتلمان وكذلك الاستعانة بدراسات هذه الجهات في التحديد الدقيق لنسب الارتفاع في تكلفة السلع بعد التعويم وزيادة الوقود حتي لا ينصب كل تاجر وكل منتج من نفسه حاكما بأمره يحدد أسعاره كيفما يشاء ونظرة بسيطة للأسواق لتري الحكومة ماذا يفعله التجار بالمستهلكين. علي الحكومة أن تتعامل مع قضية الدعم بصدر رحب وعدم استخدامه في المن علي الشعب فالدعم موجود في أعتي الدول الرأسمالية في العالم وليس عيبا أو سبة ولننظر لأحد أكبر اقتصادات العالم وهو الاقتصاد الألماني الذي يعطي دعما من وقت لآخر حسب الظروف وما ظاهرة جبال الزبد إلا أكبر دليل علي ذلك.. لا أحد يعارض وصول الدعم لمستحقيه كهدف نبيل واقتصادي لكن يجب ألا نستخدم هذه الوسيلة لإفقار الطبقة المتوسطة التي أصبحت تعيش بالكاد وتقترب من التنافس للحصول علي دعم الفقراء. علي الحكومة أن تخبرنا بصراحة هل ما حدث في الأسواق بعد التعويم يعالج الخلل في الموازنة العامة؟ وهل راعت في قراراتها التأثيرات الجانبية للدواء المتمثل في برنامج الإصلاح الاقتصادي؟.. هل تحسبت للأعباء الكبيرة التي ستتحملها الوزارات والجهات الحكومية جراء ارتفاع السعر الرسمي للدولار وهي لا شك بالمليارات؟ وهل احتسبت الحكومة لأعباء فوائد الدين الخارجي والداخلي بعد التعويم وما تلاه من رفع الفائدة؟.. والشئ الأهم كيف تقول الحكومة إن هذه الإجراءات ستساعد علي جذب الاستثمار وبالتالي معدلات النمو الاقتصادي في ظل شبح ركود تضخمي بفعل الارتفاع الكبير في مستويات الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للدخول. الشعب المصري كعادته أثبت أصالة ورقيا وتحضرا في تعامله مع التحديات التي تواجه البلاد وعلي الحكومة أن ترمي بياضها وتشرح له ببساطة وببرامج محددة يعني إيه: هنشيل الوهم وهنوصل الدعم وأيضا ما معني بالإصلاح الجرئ هنقصر الطريق؟!