لن أضيف جديدا إذا قلت ان الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الآن لا تحتمل خطوة واحدة نحو تعميق الخلاف بين الاطراف السياسية المتصارعة علي المكاسب الذاتية ولا تحتمل لحظة واحدة من استمرار المزايدة علي مصالح المواطن البسيط.. والشعارات الجوفاء التي يرددها ليل نهار الذين ينصبون انفسهم أوصياء علي الشعب يتحدثون باسمه وباسم ثورته بينما يقبضون من الداخل والخارج ثمن اسقاط الدولة.. ولا اعتقد ان هناك مواطنا واحدا من الشعب الكادح الذي يلتف حبل الاسعار الملتهبة حول عنقه.. يصدق ان الذين يدعون إلي الاحتجاجات والاعتصامات والمليونيات يضعون الدولة أو الشعب أو المواطن البسيط نصب اعينهم.. لأنه ببساطة شديدة إذا استمرت هذه الأوضاع المتردية والمعارك السياسية الخاصة فكل طرف يبحث عن تحقيق ذاته ومكاسبه ولا وجود للدولة أو الشعب في ابجديات هذه المعارك ويخطئ ألف مرة من يتصور ان زعماء الفضائيات المأجورة لاسقاط الدولة يعنيهم الشعب ولا الاستقرار فكل هؤلاء يتصارعون ويتراقصون علي جسد الوطن الذي يئن وينزف ولا أحد يعمل لايقاف النزيف أو انقاذ المريض الذي يئن.. فالوطن بالوضع الحالي والانهيار الاقتصادي وجنون الدولار وارتفاع الاسعار وتوقف العمل والانتاج علي بعد سنتيمترات من الهاوية.. ومع ذلك والوضع واضح للجميع وفي مقدمتهم زعماء الفضائيات ومن يطلقون علي انفسهم نشطاء.. و.. و... لا أحد يبالي بنزيف الوطن ولا أنينه ولا أحد يمد يده لانقاذ المريض الذي يتألم ويستصرخ ملائكة الرحمة أن يمدوا إليه ايديهم.. ولا مستجيب.. إذ يبدو ان البعض صدق نفسه انه زعيم لمجرد التفاف مجموعة من المنتفعين حوله يهتفون نفاقا باسمه ويحملونه علي الاكتاف عند اللزم فالعطايا لا تتوقف.. والمأجورون كثيرون والشعب المغلوب علي أمره يكتفي بالفرجة ولا يملك إلا صوته يدلي به في كل انتخابات أو استفتاء.. فلا يملك فضائية يعبر من خلالها عن رأيه ولا منبراً له يروج لما يريد ولا أحد يريد حتي ان يحترم كلمته.. بل يخرج بين الحين والآخر من يشكك في هذا الشعب وفي رأيه وكلمته.. وهناك من يطلق الدعوات لاسقاط هذا الشعب لأنه قال نعم للدستور.. فالدعوة لإسقاط الدستور بعد أن قال الشعب له نعم هي دعوة لاسقاط هذا الشعب واسقاط كلمته رغم انهم يملأون الدنيا ليل نهار حديثا عن الديمقراطية والحرية وحرية الرأي.. بينما لا يقيمون وزنا للشعارات التي يروجونها تماما مثل الأمريكان الذين يتشدقون في كل حين بالديمقراطية وحقوق الإنسان وهم أبعد ما يكوون عن ذلك فالديمقراطية لديهم ديمقراطية المصالح .. وحقوق الإنسان لديهم نفي الانسان الأمريكي فقد احتلوا العراق ودمروها . ونهبوا بترولها وثرواتها وتراثها باسم الديمقراطية وقتلوا الأطفال والشيوخ والنساء والشباب باسم حقوق الإنسان وضعوا العالم بأسره وكذبوا علي المجتمع الدولي باسم أسلحة الدمار الشامل وتبين للجميع بعد 10 سنوات من احتلال العراق اعدام صدام ونهب الثروات وقتل الآلاف زيف كل المزاعم والأكاذيب التي روج لها بوش إبان حربه ضد العراق.. ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا لأن أمريكا هي المجتمع الدولي وهي الأممالمتحدة ومجلس الأمن والنظام العالمي الجديد.. وهي القوي المحركة لبوصلة السياسة الدولية وتوجهها.. وإذا قالت علي ملاك من السماء.. انه شيطان رجيم.. قال العالم آمين.. وإذا زعمت ان سفاحا.. ملاك يمشي علي الأرض تمسح الجميع في ثيابه تبركا.. هذه هي الديمقراطية أمريكا.. والديمقراطية البعض الذين يريدون اسقاط الدولة.. والديمقراطية وحقوق الإنسان لا تتجزأ.. فكيف ينادي أحد بالديمقراطية بينما يرفض ولا يريد إلا رأيه ولا يسمع قولا إلا قوله.. ولا صح إلا ما يراه.. ولا حق إلا ما يؤمن به.. كيف ينادي أحد بالديمقراطية ثم يرفض كلمة الشعب. ان جزءا أصيلا من مشكلتنا هو ازدواجية التعامل وازدواجية المعايير في طرح قضايانا وتناول مشكلاتنا.. قمة التناقض.. فكثير منا يتحدث عكس ما يبطن.. ويزعم عكس ما يقتنع به.. جينات موروثة عن الأجداد العرب من كبار الشعراء الذين كانوا يتبارون في سوق عكاظ الشهير في مدح الملوك والأمراء والسلاطين.. من أجل حفنة دنانير. صحيح.. ولا ينكر أحد ان الدستور الجديد.. لم يحقق طموحنا في الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية خاصة بعد الثورة التي اسقطت الفساد.. ولم يحقق طموح فئات كثيرة ومختلفة من المجتمع منهم الجماعة الصحفية.. ولكن هل المرحلة التي تمر بها البلاد من صراعات واحتجاجات وتوقف عجلة الانتاج وانهيار الاقتصاد وارتفاع الأسعار تسمح بمزيد من الصراع وسقوط المزيد من الضحايا.. أم يكون من الأفضل أن تمضي عحلة الحياة.. ومع تشكيل أول برلمان يمكن إجراء التعديلات المطلوبة علي الدستور.. أيهما أفضل أن نمضي بالبلاد نحو النفق المظلم والافلاس ومزيد من الانفلات والعنف وندعو لمليونيات لاسقاط الدستور.. واسقاط الشعب والدولة.. أم نغلب الصالح العام ونترفع قليلا عن "الأنا".. وعن المصالح الشخصية والمكاسب الحزبية.. الزعامة الوهمية.. ايهما أفضل أن نتنازل جميعا من أجل الوطن.. أم نظل نتصارع علي جسد الوطن الواهن.. فلا يفوز أحد من المتصارعين.. ولا يبقي الوطن.. أيهما أفضل أن نستجيب لصوت العقل والحكمة.. أم نمضي في طريق التهديد والوعيد واسقاط الدولة؟! اعتقد ان الذين يدعون لمليونيات جديدة.. يدركون جيدا.. الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.. والدرجة التي وصل إليها الاقتصاد.. وخطورة استمرار هذه الأوضاع علي الشعب والوطن.. فما معني اصرارهم علي ذلك.. لا يحتمل الا معني واحدا وهو ان الوطن ولا الشعب في حسبانهم.. وانهم يريدون تنفيذ المهمة.. ومهما كان حجم الخلاف مع الحزب الحاكم فإن الوطن المفروض ان يكون فوق الجميع.. ولابد أن نتنازل من أجل الوطن.. وأنا شخصيا عانيت واعاني من الحزب الحاكم الذي له تجارب مريرة مع الصحافة والصحفيين ولكني عاهدت الله ان يكون سيفي الذي هو قلمي درعا للوطن والصالح العام وليس مصلحتي الشخصية.