في الوقت الذي تتعالى فيه صيحات المصريين من الفقر والعجز، جهارًا نهارًا، على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل المواصلات، وفي الشوارع والأسواق، جراء جنون الأسعار الذي طال كل شيء، من غذاء وخضروات وفاكهة وخبز وأدوية ومواصلات وأرز ولحوم وأسماك، وبدلاً من أن تستجيب الحكومة لصرخات مواطنيها، ذهبت نحو تشديد القبضة عليهم وإفقارهم. إذ أوقفت الحكومة آلاف البطاقات التموينية منذ أمس الأربعاء، حسبما أكد مصدر بالشعبة العامة للمخابز وأصحاب مخابز في محافظات مختلفة، قالوا إن أصحاب تلك البطاقات غادروا دون الحصول على الخبز المدعم، بعدما أظهرت ماكينات التموين أن بطاقاتهم "غير مستحقة"، ما تسبب في مشاحنات مع أصحاب المخابز. وكان وزير التموين، شريف فاروق، قد أعلن الشهر الماضي أن الوزارة تلقت كشفًا بأسماء 300 ألف مواطن حُررت لهم محاضر سرقة كهرباء، وأنها ستوقف الخدمة عنهم، ولن يتم حذفهم من بطاقة التموين إلا بعد صدور حكم قضائي بحقهم. ولم يقتصر وقف البطاقات على المتهمين بسرقة الكهرباء، وإنما شمل من حُررت ضدهم محاضر للبناء على الأراضي الزراعية، بالإضافة إلى من تحذفهم الوزارة ضمن مراجعاتها الدورية لتجديد البيانات وحذف غير المستحقين. وتوفر البطاقات التموينية سلعًا مدعمة لأكثر من 62 مليون مواطن، وفقًا للموازنة العامة للدولة للعام المالي الجاري. وكانت الحكومة قد بدأت هذا الأسبوع جلسات للحوار الوطني حول قضية التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، الذي يتخوف منه ملايين المصريين، إذ أن أي قيمة قد يحصل عليها المواطن من أموال ستتلاشى مع تأثيرات تعويم الجنيه المستمرة، وانهيار القدرة الشرائية للجنيه، وهو ما لن يمكنهم من توفير الخبز اليومي الذي يشترونه ب20 قرشًا للرغيف الواحد، وسلع الزيت والأرز والسكر، وسط موجات غلاء كبيرة وغير مسبوقة. بعثة الصندوق ويرى خبراء ومراقبون أن هذه الخطوة تترافق مع العديد من إجراءات التقشف الحكومية الحالية لاستجلاب رضا صندوق النقد الدولي قبيل المراجعة الرابعة، التي تأجلت إلى نوفمبر. وتأجلت مراجعة صندوق النقد الدولي الرابعة لبرنامج قرضه لمصر، البالغ ثمانية مليارات دولار، للمرة الثانية، لتُجرى في نوفمبر، بعدما كان مقررًا إجراؤها في سبتمبر، قبل تأجيلها إلى نهاية أكتوبر، بحسب موقع "إيكونومي بلس". إملاءات وشروط موقع "إنتربرايز" أرجع تأجيل المراجعة، التي يليها شريحة بقيمة 1.3 مليار دولار، إلى انتظار الحكومة حتى تطبيق كافة الحوافز الاستثمارية، وتنفيذ اتفاقيات استثمارية جديدة لتضمينها في المراجعة، وكذلك بسبب تغيير الجدول الزمني لبقية المراجعات بعد إرجاء المراجعة الثالثة، التي سبق أن أقرها الصندوق في يوليو الماضي، وأشار تقرير المراجعتين الأولى والثانية، الصادر في أبريل، إلى عدم التزام مصر بشرط في الاتفاق يرتبط بتأسيس آلية لمراجعة تنفيذ سياسة ملكية الدولة، الصادرة عام 2022، والمرتبطة في الأساس بالتخارج من قطاعات كاملة من الاقتصاد. وعلى أي حال، فإن المواطن البسيط هو من سيصطلي بنيران تلك الإجراءات، التي تهدد حياته، من غلاء فاحش ونقص في الأدوية والغذاء، مما يؤثر على حياة المصريين، تنفق تلك القروض والديون على مشاريع وهمية لا تخدم سوى أقل من 2% من أثرياء مصر، ويدفع ثمنها المواطن البسيط والأجيال القادمة.