شهدت مصر منذ انقلاب 30 يونيو 2013 قرارات خطيرة في أبرمها السفاح عبد الفتاح السيسي، يؤكد مختصون أنها عملت على تدهور حياة المصريين، منها قرار تحرير سعر الصرف، الذي تسبب في رفع سعر الدولار من7 سبعة جنيهات إلى 17 جنيهًا. كما خطّت حكومات الانقلاب المتعاقبة خطوات متسارعة في رفع الدعم عن السلع والخدمات؛ استجابةً لشروط صندوق النقد الدولي، وتضاعف دَين مصر الخارجي؛ فعند استيلاء السفيه السيسي على الحكم عام 2014، كان الدين الخارجي يبلغ 46.1 مليار دولار، في حين تجاوز بحلول عام 2019، 106 مليار دولار، فضلاً عن ذلك، تخطى الدين الداخلي أربعة تريليونات جنيه مقابل تريليوني جنيه، بلغها في 2014. وبشكل عام، لا تؤدي الانقلابات العسكرية تقريبًا إلى مستويات أعلى من الحرية السياسية أو الديمقراطية أو حقوق الإنسان، وتقدم مصر اليوم برهانا جديدا على هذه الحقيقة. فبالرغم من أن فترة حكم الرئيس الشهيد محمد مرسي، والتي استمرت سنة واحدة لم تكن بالضرورة نموذجا للكمال الديمقراطي، إلا أنها شهدت أجواء مفتوحة وحرة وتنافسية، خاصة عند مقارنتها بالمناخ السياسي القاتم الحالي. 30 يونيو ألّب السفيه السيسي الرأي العام على الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي، وتعويق مؤسسات الدولة أثناء حكمه، ولم يكتف بذلك بل أعد العدة للانقلاب العسكري عليه، مستخدما بعض الرموز السياسية والشبابية لزعزعة الاستقرار، وتعويق المسار الديمقراطي. وبعد أن انقلب على رئيسه، وخالف الدستور الذي أقسم عليه، فرط في الوطن وسلب مقدراته، وسلّمها لأعدائه في أكثر من موقف، وقام بتقليص دور مصر داخليا وخارجيا. يصف الكاتب البريطاني "إيان ولاس" السفيه السيسي بأنه نسخة ثانية من المخلوع مبارك، لكنه في جوانب عديدة يدير عصابة أكثر قمعا، وتحت قيادته انتكس كل تقدم تحقق بعد أول انتخابات ديمقراطية في مصر حيث تدهورت ممارسات حقوق الإنسان في البلاد بسرعة باستهداف للصحفيين والإسلاميين والليبراليين. وفي العام الجاري 2020 ترقب المصريون إبصار “دولة تانية" وفق وعد السفيه السيسي، الذي تعهد مراراً بالرخاء لأهل مصر، الذين وصفهم ب"نور العيون" في أعقاب انقلابه في 30 يونيو 2013، التي استغلها الجيش لإطاحة الرئيس المنتخب الشهيد محمد مرسي في الثالث من يوليو من ذلك العام. بيد أن الواقع يظهر أن مصر تحولت فعلياً إلى دولة أخرى في سبع سنوات أضحى فيها أكثر من نصف الشعب فقراء يعيشون على المساعدات، وصعدت الديون إلى مستويات غير مسبوقة لتلاحق أجيالاً عدة مقبلة، بينما يدعو السفيه السيسي المواطنين إلى أن يفخروا بإنجازات على رأسها الجسور، في بلد لم يعد يبصر، إلا بعين واحدة. مرت سبع سنوات على ذكرى 30 يونيو، شهدت مصر خلالها وعودا متكررة من السفيه السيسي بالرغد والاستقرار، فبعد أن كان عام 2015 هو عام الرخاء الموعود، تأخر الوعد إلى 2016 مع مطالبات بالصبر، ثم تأجل إلى 2017، وبعده إلى 2018 ثم 2019، حتى جاء الوعد الأخير قبل شهور بأن تصبح مصر بنهاية يونيو 2020 “حاجة تانية خالص"، قائلا “سنقدم دولة بشكل مختلف خالص غير اللي أنتم موجودين فيها، بجهد الدولة والحكومة والناس، وجهد ولاد مصر". ويتفاخر السفيه السيسي بتشييد الجسور والطرق ومنشآت خرسانية في العاصمة الإدارية الجديدة في صحراء شرق القاهرة التاريخية، بينما انجرف ملايين المصريين إلى العوز في ظل سياسيات اقتصادية يصفها خبراء اقتصاد بالفاشلة، حيث يمعن العسكر في الاستدانة وتحميل المواطنين فاتورة الإنفاق على مشروعات من دون جدوى اقتصادية. وقالت جماعة الإخوان المسلمين إنها ترفض الاعتراف بأي شرعية للسفاح عبد الفتاح السيسي، وشددت على أنها تمد يدها إلى كل القوى الوطنية لاسقاط الانقلاب العسكري. جاء هذا في بيان للجماعة بمناسبة الذكرى السابعة للانقلاب العسكري على الرئيس الشهيد محمد مرسي، في 3 يوليو الجاري 2013، بعد عام من حكمه، في إعلان متلفز ألقاه السفيه السيسي، حين كان وزيرا للدفاع. وقال البيان: "في الثالث من يوليو 2013 أقصت طغمة بقيادة وزير الدفاع الرئيس الشهيد محمد مرسي، وشنت حملة شاملة على ثوار 25 يناير، وفي القلب منهم، الإخوان، اعتقالا وقتلا وتشريدا". وتقدر منظمات حقوقية عدد المعتقلين السياسيين بالآلاف، بينهم مرشد الإخوان د. محمد بديع، وأضاف بيان الجماعة: "تمادت الطغمة الحاكمة في جرائمها، حتى انتهى بها الأمر إلى قتل الرئيس محمد مرسي، بعد اختطافه واعتقاله". وتحمّل جماعة الإخوان المسلمين عصابة السفيه السيسي مسؤولية اغتيال الرئيس الشهيد محمد مرسي -68 عاما- وتابعت الجماعة: "عاشت مصر وما زالت سبع سنوات عجاف، ما أدى إلى انهيار مستوى المعيشة، تحت وقع الفساد والاحتكار وموجات الغلاء الرهيبة"، وهو ما تنفيه القاهرة. وبحسب مؤشر "هانك للبؤس" جاءت مصر في المرتبة الخامسة للدول الأكثر بؤسا من الناحية الاقتصادية، واحتلت مصر المركز الخامس بين الدول الأكثر بؤساً في العالم حسب مؤشر هانك للبؤس. ومؤشر هانك الأمريكي للبؤس (Misery Index) هو مؤشر اقتصادي سنوي أنشأه آرثر أوكون، الخبير الاقتصادي السابق في مؤسسة بروكينجز وعضو في مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي الأسبق ليندون ب. جونسون. ويتم حساب مؤشر البؤس ببساطة عن طريق إضافة معدل البطالة إلى معدل التضخم. سنوات عجاف في أكتوبر من عام 2018 نشر الدكتور عبدالخالق فاروق الخبير الإقتصادي المصري، كتابا بعنوان هل مصر بلد فقير حقا؟، فند فيه نظرية (إحنا فقر أوى) التي تبنتها عصابة العسكر جيلا بعد جيل، فقامت قوات الشرطة بمداهمة منزله وإلقاء القبض عليه، لأنه تجرأ فوصف مصر بالغنية جدا، متعددة الموارد، متنوعة المصادر، وهبها الله من كل وجوه الخير. وتدهورت الحالة الاقتصادية في مصر من حيث الارتفاع الكبير في نسبة البطالة ومعدل التضخم، وتعزي مجلة فوربز الأمريكية حالة البؤس الاقتصادي التي وصلت إليها البلاد تحت الحكم العسكري الذي يقوده السفيه السيسي، والذي يهيمن فيه الجيش على نصيب الأسد من اقتصاد البلاد، إلى الارتفاع الهائل في الأسعار بعد تعويم الجنيه وتدني قيمته أمام الدولار الأمريكي، وانخفاض معدل النمو الاقتصادي في البلاد. وفي السنوات السبع التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي أوصل السفيه السيسي إلى السلطة في عام 2013، ارتفع الإنفاق العسكري بنسبة 215 بالمائة مقارنة بالسنوات الخمس السابقة على الانقلاب؛ فقد اشترت البلاد أسلحة تُقدر ب 6.6 مليار دولار، مما جعل مصر تصبح ثالث أكبر مستورد للأسلحة في العالم بعد الهند والمملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، شرعت عصابة الانقلاب في إقامة مشاريع إنشائية كبرى يصفها كثير من منتقديها بأنها مشاريع هلامية غير مدروسة، وبالإضافة إلى المدينة الإدارية الجديدة، فقد قامت العصابة بعمل تفريعة جديدة لقناة السويس بقيمة 8 مليار دولار. وتستمر تكاليف الإنفاق العسكري الضخم في تصاعد مستمر؛ ففي أوائل نوفمبر، أعلن البنك المركزي المصري أن إجمالي الديون الخارجية للبلاد تجاوزت 92 مليار دولار، بزيادة قدرها 17.2 في المائة في السنة. وتضاعفت تقريباً الديون الخارجية منذ عام 2015، ويبلغ إجمالي ما تدفعه العصابة الآن لسداد فوائد الديون حوالي 30 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل 38 في المائة من ميزانية المصريين في الفترة 2018-2019. واستقبل المصريون خطابا شديد التفاؤل حول أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية عقب الانقلاب العسكري في يوليو 2013، ووعدوا بالخروج من ضيق العيش إلى سعة الرخاء الاقتصادي خلال عامين، ومضى العام الأول تحت ستار المرحلة الانتقالية، وتولى السفيه السيسي لتُختبر مقولاته التبشيرية التي صدرها للمصريين حول البنية الأساسية ومكانة مصر الاقتصادية وتدفق الاستثمارات. ومضت سبع سنوات عجاف على انقلاب السفيه السيسي، ليفاجأ المصريون بأنهم مطالبون بدفع فواتير تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، كان أولها تخفيض الدعم بالموازنة المصرية على الوقود والسلع الغذائية وبنود أخرى بنحو 51 مليار جنيه في موازنة 2014-2015، مما ترتب عليه ارتفاع أسعار وقود السيارات، والغاز الطبيعي بالمنازل والمصانع والأنشطة التجارية، وارتفعت كذلك رسوم استهلاك المياه. ثم جاءت دعوة المصريين للتبرع في حساب "تحيا مصر" الذي حوّل إلى صندوق فيما بعد، وكانت آخر دعوات التبرع من قبل السفيه السيسي نفسه حملة "صبح على مصر بجنيه". ورغم هذا الأداء السلبي تبنى السفيه السيسي نفسه خطابا يتسم بتحقيق إنجازات، وأنه يواجه تحديات عصر مبارك الذي امتد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن. عانت مصر من ظروف سيئة في عهد المخلوع محمد حسني مبارك، لكن في عهد السفيه السيسي، دخلت مصر إلى مراحل لا مثيل لها من الاستبدادية. بداية، سعى أول تحرك للثورة المضادة في 9 مارس 2011؛ عندما هجم الجيش على ثوار ميدان التحرير لإنهاء مكاسب الانتفاضة الشعبية التي كانت تحاول الاكتمال بتغيّر الحكام والعقول. بعد سبع سنوات، انفرد السفيه السيسي والدولة البوليسية ونخبة رجال الأعمال الفسدة بالسلطة، مع استبعاد منهجي لكل المنافسين؛ آخره اعتقال المرشحين الرئاسيين المحتملين في الأسابيع الماضية. فهم السفيه السيسي والموالون له أن المتظاهرين يمكنهم في 18 يومًا تغيير الرئيس فقط وليس العصابة العسكرية بأكملها؛ كانت هناك ضرورة لوجود تنظيم للثورة، وخبرة سياسية، وتماسك أيديولوجي وفهم تاريخي؛ وهو ما لم يحدث. لذا؛ تمكنت الثورة المضادة والقوة والدعاية الإعلامية من إنهاء ثورة 25 يناير، لكنّ غرور الجيش بقيادة السفيه السيسي يمكن أن يتسبب في استكمال الوضع إلى ثورة هذه المرة. مثّل انقلاب السفيه السيسي قبل سبع سنوات معجزة ربانية بالنسبة للإسرائيليين وفق تعبير الحاخام يوئيل بن نون، وفرجا لبعض الخليجيين الذين أسهموا في انقلابه ووعدوه بعشرين مليارا مقابل الإطاحة بالرئيس مرسي وفقا لمجلة "نيويوركر"، ولكنه تحول اليوم بحسب الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله إلى متسول عند أقدام حكام دول الخليج العربي، التي وصفها ذات مرة "بأنصاف دول".