هل ذهبت وعود الإصلاح والرخاء التي وعد بها السفاح عبد الفتاح السيسي، المصريين أدراج الرياح؟، التقارير الدولية رصدت ارتفاع معدلات البطالة والفقر في مصر، مشيرة إلى أن حزمة الإجراءات الاقتصادية المتتالية التي أقدم عليها غراب الانقلاب خلفت وراءها ملايين الفقراء، وقصمت ظهر الطبقة الوسطى في المجتمع. وكالة بلومبيرج الأمريكية قالت: "رغم أن الاقتصاد المصري سجل أسرع معدلات نمو في الشرق الأوسط، فإن معدلات الفقر شهدت صعودا كبيرا رغم برنامج الإصلاح الاقتصادي". لكن العامل الأخطر يتمثل في ارتفاع الدين العام إلى 106 مليارات دولار، وعجز الموازنة، والقروض الهائلة التي تعتمد عليه الحكومة، منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، ودخول البلاد في أزمات سياسية متعاقبة، ظهرت عواقبها في الاقتصاد المنتكس. خفة يد..! قبل ثورة 25 يناير 2011، انصاع المخلوع مبارك في تنفيذ روشتة إفقار المصريين عبر تنفيذ أوامر صدرت من صندوق النقد والبنك الدولي بتعويم الجنيه، ثم الإسراع في تنفيذ برنامج الخصخصة وبيع الأصول العامة، والإيحاء بزيادة ظاهرة في معدل النمو السنوي، بلغت في ثلاث سنوات متتالية 7%، ولم يكن ذلك سوى خفة يد من العسكر. وجرت أيام المخلوع مبارك سرقة مئات المليارات من أموال التأمينات والمعاشات، وإضافتها للخزانة العامة، للإيحاء بتحسن المؤشرات، ومراكمة احتياطي من النقد الأجنبي، مع خلع الأصول الانتاجية بالخصخصة، والتحول الكامل إلى اقتصاد ريع من عوائد السياحة وغيرها، هو في الحقيقة اقتصاد تسول للمنح والمعونات والقروض. يقول الناشط السياسي أحمد مروان: "للأسف كل ده من قروض البنك الدولي اللي هى بشروط ف لازم مايبنيش مصنع أو يعمر صحرا للزراعه أو يبنى مستشفى أو مدرسة كلها مقاولات فلل وقصور واحنا كشعب مصرى نسدد انا حاسس البنك هيجى يحجز علي الشعب فى مره كده وياخدنا". ويقول تامر رفاعي هلال: "بعد خمس سنين من تولي السيسي امور البلاد لسه مصر بتاخد قروض من صندوق النقد.لسه الجنود و الضباط بتموت فى سيناء لسه قانون الطوارئ شغال لسه الاسعار بترتفع لسه الاقتصاد بينهار .لسه عدد الفقرا بيزيد لسه الانتخابات بتتزور لسه مجلس النواب بيعرص لسه احمد عز بيمتلك مصنع الحديد..ولسه!!". وثمة سؤال واحد يبحث عن إجابة، فمنذ استيلاء السفاح عبد الفتاح السيسى على السلطة، في انقلاب 30 يونيو والذي غدر فيه الجيش بالرئيس الشهيد محمد مرسي، والعسكر يقترضون قروضاً ذات فوائد تراكمية ضخمة، وطوال سنوات الانقلاب السبع لم يتم بناء مصنع واحد، فماذا سيحدث عند موعد استحقاق دفع تلك القروض وفوائدها، هل سيبادل العسكر الأراضي والجزر المصرية مع البنك الدولى، أم سيمنح السفيه السيسي وعودا كاذبة للبنك الدولي كما فعل ذلك مع المصريين؟ فقاعة العسكر..! في عهد المخلوع مبارك وقبل تسلم جماعة الإخوان المسلمين السلطة، بدا الاقتصاد وقتها كالفقاعة التي انفجرت وتبخرت بسرعة، ليعود معدل النمو السنوي إلى التراجع والانحطاط، ومع ارتفاع مطرد في معدلات توحش الفقر والبطالة والبؤس العام، وشفط ثروة البلد إلى أعلى، وتكون طبقة الواحد بالمئة، التي تحوز وحدها نصف إجمالى الثروة الوطنية. وكان طبيعيا أن تدفع الأوضاع المختلة إلى الاحتجاج الشعبي وثورة الغضب، كما كان طبيعيا أن تزداد الأوضاع سوءا مع انكشاف ما بعد الثورة، والدخول في مرحلة انتقالية مضطربة قادتها عصابة المجلس العسكري. ومع انقلاب السفيه السيسي في 30 يونيو 2013 لم يتغير شيء وعادت أسطوانة مكافحة الإرهاب، والعودة من جديد إلى سياسة الافقار التي كان ينتهجها المخلوع مبارك، والاتفاق من جديد على وصفة صندوق النقد الدولي، وتعويم الجنيه من جديد، وإطلاق برامج الاستدانة والاقتراض، والزعم من جديد بتكوين احتياطي كبير من النقد الأجنبي، والقفز بمعدلات الديون الداخلية والخارجية، ومضاعفة الديون الخارجية التي تركها مبارك قبل رحيله. ومع إضافة برامج إلغاء دعم الطاقة هذه المرة، وعلى طريقة ما جرى في قرارات رفع أسعار المحروقات الأخيرة، وهي المرة الثالثة من نوعها في الثلاث سنوات الأخيرة، والمتوقع امتدادها وتكرارها في السنتين المقبلتين على أقل تقدير، مع الزيادة المتواصلة في أسعار خدمات الكهرباء، والمتوقع امتدادها وتكرارها سنويا حتى عام 2022. إضافة لرفع أسعار المياه وتذاكر المترو والقطارات والنقل العام، مع الأثر التراكمى لضريبة القيمة المضافة، وهو ما يجعل حياة غالبية المصريين من الفقراء والطبقات الوسطى ماضية إلى جحيم. مرونة الفشل..! إلا أن هذا الجحيم وجد من يطبل ويهلل له، حيث أشاد النائب محمد السلاب، وكيل لجنة الشئون الاقتصادية في برلمان الدم، بسياسة الاقتراض التي ينتهجها العسكر وينفذها وزير المالية في حكومة الانقلاب. وهلل فتخراً بأن العسكر لن يطلبوا تمويلا إضافيا من صندوق النقد الدولي، حتى ينتهي البرنامج الحالي الخاص باقتراض 12 مليار دولار العام المقبل، لافتًا إلى أن حكومة الانقلاب ستحافظ فقط على علاقة أكثر مرونة مع الصندوق لطمأنة المستثمرين، معتبراً ذلك علامة نجاح للسفيه السيسي! وأشاد السلاب بدور "الشعب المصري العظيم" في تحمل نكبات وكوارث وأزمات سياسة الإفقار التي ينفذها الانقلاب، والتي يطلق عليها "الإصلاح الاقتصادي"، مؤكدا أنه هذا الشعب يستحق وصف السيسي له أمام العالم كله بأنه "بطل الإصلاح الاقتصادي"، على حد قوله. وفي الثمانينيات من القرن الماضي، استخدم المخلوع مبارك أسلوب التبرع كحل لأزمة الاقتصاد التي صنعتها حكومته وجنرالات النهب، حاول استغلال المشاعر الوطنية محاولاً كسب التعاطف الشعبي، فأطلق "حملة تسديد الديون"، ثم جاءت مبادرات عديدة في ذات السياق، ثم أصبح اقتصاد الإحسان والتسول النمط المفضل عند العسكر. واعتمدت حكومات العسكر منذ المخلوع مبارك وحتى السفيه السيسي على القروض والمنح والمساعدات من مؤسسات ودول عربية وأجنبية، داخلياً، أنشأ السفيه السيسي، وتولى بنفسه صندوق "تحيا مصر"، الذي ترافق مع عبارة "صبح على مصر ليتبرع كل مواطن بجنيه كل صباح"، بينما يدفع السائح دولاراً يومياً. وفشلت تجربة الصندوق في جمع ما طمح إليه السفيه السيسي، ولم تختلف ردود الأفعال، هكذا اتبعت حكومات العسكر منهجاً للتعامل مع الأزمة الاقتصادية بالاقتراض والإحسان، وبجانب اقتصاد الإحسان والاقتراض والمنح والقروض، ظهر اقتصاد التسول العسكري، اقتصاد مد الأيدي للمواطنين، لتنقلب الآية وتتغير الأدوار، وتطلب عصابة الانقلاب دعم المواطنين لكفالة المواطنين! إعلام بائس وشاءت إرادة الله أن يسلط على العسكر أعمالهم الظالمة ودعوات المظلومين التي ليس بينها وبين الله حجاب، فكان الفشل من نصيبهم في كل المجالات بعد أن أسفروا عن وجوههم الحقيقية التي تؤكد الظلم والقمع والقتل والنهب والقبح الإنساني. وبعد أن كان كبيرهم السفيه السيسي يقول: "مصر قد الدنيا"، صارت على ألسنتهم "أشلاء دولة!"، وبعد أن كانت عقب ثورة يناير العظيمة تتمتع بحرية وليدة تؤذن بتطور إيجابي، يحرك الطاقات المعطلة، ويشد القوى المختلفة للمشاركة والعمل المنتج، ماتت في 30 يونيو 2013 السياسة والحركة والنشاط وصار التخبط والارتباك والارتجال عنواناً لمرحلة أبرز ملامحها انهيار الاقتصاد ومضاعفة قيمة الدولار وركود السياحة، وهروب الاستثمار، ومدّ اليد للتسول والاقتراض والديون، وفرض الضرائب الباهظة على جموع الكادحين والبسطاء والمحرومين، وارتفاع الأسعار، واختفاء الأدوية المهمة، وتوقف آلاف المصانع، وتراجع الزراعة مع خسائر فادحة للفلاحين، وانقسام المجتمع، وازدهار الكذب والتدليس والتضليل. واعتمد العسكر على إعلام بائس مجرم يؤلّه الجنرال ويدافع عن الخراب الذي يتمدد بقوة في شتى الاتجاهات، وقمع همجي متوحش، وتكميم الأفواه، وإغلاق الصحف والقنوات ودور النشر التي لا ترعاها المخابرات، وحرب ضروس ضد الإسلام والمسلمين، وتواصل الفشل الذريع في الإدارة والعمل لدرجة أنه لأول مرة في تاريخ مصر يرى الأهالي لجان الثانوية العامة هذا العام في حالة غش جماعي مرضي عنها من العسكر، ولا تحتاج معها إلى تسريبات السيد "شاو مينج"!