لا يطعن الثورات إلا الانتهازيون، وبعدهم يأتى المتنطعون والمتعجلون إلى حصد الثمار، وأولئك الذين يروجون مزاعم لا أصل لها عن أنهم «الثوار الأنقياء» ويتهمون غيرهم بأنهم جهلة أو عبيد، لا يستحقون الحرية ولا الكرامة، ثم يمنون على الناس بما بذلوه من جهد فى سبيل تحريرهم، وإخراجهم من أوضاعهم المزرية، وترقية معاشهم. وينسى هؤلاء أننا ظللنا سنوات بضع مئات نصرخ على سلالم نقابتى الصحفيين والمحامين ودار القضاء العالى وعند ضريح سعد زغلول ونقول «لا للتمديد.. لا للتوريث»، لكن هذا الهدف لم يتحقق إلا حين نزل شعبنا العظيم بالملايين إلى الشوارع يوم 28 يناير سنة 2011، الذى أعتبره يوم الحسم، وكل ما جاء بعده هو من قبيل «تحصيل الحاصل». هذا الشعب صوّت للتيار الإسلامى فى الانتخابات التشريعية حين ظن أنهم سيكونون أمناء على مطالب الثورة ومبادئها، ثم منح مرشحى الثورة أغلب الأصوات فى انتخابات الرئاسة، لكنهم هم الذين لم يتوحدوا ولم يتفقوا، تغطرس أغلبهم وركبهم الاستعلاء وتملكتهم الأنانية المفرطة ولم يروا سوى مصالحهم الصغيرة الضيقة، ونسوا أنهم ما كان لهم أن يجدوا هذه الفرص أبداً لولا ثورة ضحى فيها شباب أوفياء بأعز ما وهبهم الله من أجل أن تولد مصر أخرى جديدة، وحمل أمثالهم مسئولية تحقيق حلمه، فخذلوه الآن، وليتهم يتعلمون من هذه التجربة المريرة، فيوحدون صفوفهم، ويعالجون أخطاءهم، ويتحلون بفضيلة إنكار الذات، فيصدون ويردون أى سلطة قادمة تريد أن تستبد بنا، وتعيدنا إلى ما كنا عليه قبل أن تنطلق الطليعة الثورية الواعية الشجاعة، لتفتح الباب كى يعبر منه الشعب إلى الحرية. أيها المتعجلون فى اتهام الشعب، راجعوا الأرقام التى صنعها التصويت فى الانتخابات، لتروا كيف اتجهت؟ ولمن؟ ولماذا؟ وقدروا أن هناك شيئاً غير عادى قد جرى، تزوير أو تزييف، ليس هذه المرة بتبديل الصناديق وتسويد البطاقات ومنع الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع إنما بطريقة ناعمة، قد تكون إعطاء حق الانتخاباب لمن لا حق لهم، أليست هناك شائعات تدور حول هذا؟ وهناك معلومات يتم تداولها، وشهادت فردية عزلاء، إن جمعناها قد ترسم لنا الصورة كاملة، وتؤكد أن العجلة فى اتهام الشعب بالتفريط فى ثورته أمر عار تماماً عن الصحة. وفى ركاب هذا ادرسوا جيداً ظروف الناس الذين أجبرهم العوز والأمية على أن يفعلوا ما فعلوا، بعد أن أفقرهم الطغاة، وانطلت عليهم الدعاية الرخيصة بأن هذا هو طريق الخلاص. إننا يجب ألا نفقد الثقة فى شعبنا أبداً، ولا نظلمه، فقد امتلك قراره، وكلى ثقة فى أنه سيرمم الشروخ، ويرتق الثقوب، ويتجنب العيوب، ويتقدم بمرور الأيام نحو الأفضل ولو كره الفاسدون والمستبدون والانتهازيون.