اليوم تُعقد القمة الأمريكية الخليجية فى واشنطن بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجى، وهى القمة التى دعا إليها الرئيس أوباما قبل شهرين مضيا، مستهدفاً من وراء اجتماعه مع كل قادة دول الخليج العربية احتواء حالة القلق التى سادت لديهم بعد الإعلان عن قرب توقيع اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووى. وليس جديداً القول إن دول مجلس التعاون الخليجى مهمومة بالعلاقة مع الولاياتالمتحدة، لكن هذه المرة يبدو القلق أكبر من توترات ومناسبات سابقة شهدتها العلاقات الخليجية الأمريكية، فالتأثيرات المتوقعة للاتفاق النووى المزمع توقيعه بين الولاياتالمتحدة ومعها دول الاتحاد الأوروبى وإيران ستكون ذات طابع استراتيجى وسوف تؤثر على مسارات تحقيق الأمن والاستقرار فى المنطقة ككل، وربما تتيح لطهران مزايا إقليمية على حساب دول الخليج العربية. ووفقاً للإدراك الخليجى أن تأثيرات الاتفاق النووى الإيرانى تتضمن تداعيات سلبية على مكانة ومصالح دول الخليج، فى حين أنها ستعطى فرصة أكبر لطهران للتمدد وزعزعة استقرار دول المنطقة تحت سمع وبصر واشنطن. وكما هو معلن فإن الاتفاق الغربى الإيرانى لا يتعلق بالبرنامج النووى الإيرانى وحسب، حيث سيُتاح لطهران الاحتفاظ بقدرات نووية فى مجال تخصيب اليورانيوم فى حدود أقل من 19%، ولمدة 10 سنوات مقبلة، بل يتعداه لمنح إيران عدداً من المزايا أو الجوائز الاقتصادية والمالية والتجارية مثل رفع الحظر عن الأموال الإيرانية فى البنوك الأمريكية والأوروبية واستعادة التجارة مع إيران، وذلك مقابل خضوعها المشدد للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة عشر سنوات لضمان عدم قيامها بإنتاج قنبلة نووية. واختصاراً فإن الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة يبحث عن مصالحه وعن التعامل مع الأقوى والأشرس للاستفادة منه وأيضاً لترويضه إلى أن تتغير الأحوال وتظهر قوة جديدة تقنع الغرب بأنها الأولى بالتعامل معها فى عموم قضايا الإقليم. المخاوف الخليجية هذه المرة حقيقية وكبيرة وتتعلق أساساً بالضمانات التى يمكن الحصول عليها من الولاياتالمتحدة حتى لا تتحول إيران شرطياً للمنطقة، وبالتالى يحدث المزيد من التمدد الإيرانى على حساب المصالح والموارد الخليجية. الخوف إذن يكمن فى تحول اتجاهات السياسة الأمريكية والأوروبية من احتوائية لإيران إلى محايدة لفترة من الزمن ستكون مُحمّلة بانفراجات متدرجة قد تؤدى بعد فترة قصيرة إلى تحول جذرى وكبير فى المشهد الأمنى فى الخليج. الخليجيون يتحدثون عن ضرورة الحصول على ضمانات قوية وعملية من قبَل الولاياتالمتحدة تحول دون تخلى واشنطن عنهم لصالح إيران فى المديين القريب والمتوسط، وفى الآن ذاته يرى الواقعيون منهم أن فكرة الضمانات ليست كافية؛ نظراً لأن السياسة الأمريكية ليست سياسة مبادئ، وإنما هى سياسة براجماتية تتكيف مع الظروف والأحوال الجديدة بما يتناسب مع مصالحها العليا، ولا يهمها فى ذلك مبدأ الصداقات القديمة مهما كانت مُحمّلة بارتباطات ومصالح ورصيد تاريخى كبير من التعاون المشترك، فضلاً عن أن سياسة الرئيس أوباما، لا سيما فى ولايته الثانية، ركزت أكثر على فكرة الانسحاب التدريجى من الشرق الأوسط لصالح التوجه إلى آسيا لمزيد من الوجود المعمّق فى هذه المنطقة لغرض احتواء التهديدات الصينية على المدى المتوسط. حين سألت بعض الأكاديميين الخليجيين من الإمارات والكويت والبحرين فى لقاء عابر بمعرض أبوظبى للكتاب حول تصوراتهم للمطالب الخليجية من الولاياتالمتحدة، تضمنت الإجابات أربعة مطالب كبرى؛ أولها أن يتم عقد اتفاق أمنى بين الولاياتالمتحدة ودول مجلس التعاون الست مجتمعة يكون بمثابة شراكة مقننة تستهدف احتواء أى تهديدات إيرانية للدول الست مجتمعة، وثانياً أن تقوم الولاياتالمتحدة برفع تصنيف دول المجلس إلى مصاف البلدان الحليفة العضوة فى حلف الناتو، كما هو الحال مع كل من البحرين والكويت، وثالثاً أن تضع واشنطن دول الخليج تحت المظلة النووية الأمريكية وبما يمنع إيران من التفكير فى تهديد أى من الدول الخليجية. ورابعاً أن تمد الولاياتالمتحدة الدول الخليجية بمنظومة أسلحة متطورة من طائرات إف 35 وصواريخ متوسطة وبعيدة المدى ونظم رادار متطورة تكشف كل التحركات الإيرانية أولاً بأول. البدائل الأربعة ليست على المستوى نفسه من القابلية للتنفيذ؛ فالبديل الأول، أى توقيع اتفاق أمنى جماعى مع الولاياتالمتحدة يتضمن التزامات أمريكية بالحماية الفورية لأى دولة خليجية إن تعرضت لتهديدات إيرانية، مشكوك فيه جملة وتفصيلاً، ذلك أن الكونجرس، وفيه اتجاهات عدائية إجمالاً ضد دول الخليج، وينظر دائماً لأوضاع الشرق الأوسط من منظور إسرائيلى بحت، سيكون بمثابة عائق كبير أمام تمرير مثل هذه الاتفاقية. أما بديل رفع تصنيف دول الخليج الأربع الأخرى إلى مصاف دول حلفاء الناتو فلن يؤدى إلى نتيجة عملية فى احتواء التهديدات الإيرانية المتوقعة ما لم يكن هناك وجود عسكرى أمريكى قوى جداً فى أكثر من موضع فى بلدان الخليج، وهو ما يصعب على دول الخليج، فيما عدا قطر والكويت، أن تقدم عليه نظراً لما سينطوى عليه هذا الإجراء من عودة للوراء، وغالباً ستجد رد فعل عكسياً لدى المواطنين. وربما كان مد المظلة النووية الأمريكية سهلاً من حيث الاتفاق، ولكنه سيتطلب أيضاً تجهيزات وقواعد من الصعب إقامتها. ويظل فى النهاية مسألة بيع منظومات أمريكية دفاعية متطورة للدول الخليجية، وهو ما سيحقق مصالح المؤسسة العسكرية الأمريكية، ولكنه لن يكون كافياً لردع التهديدات الإيرانية، خاصة التى تستهدف المجتمعات الخليجية والتى لا تجدى معها الأسلحة المتطورة إن وجدت. والمرجح أن يكون هناك مزيج من هذه المسارات الأربعة، وهو ما ألمح إليه وزير الخارجية كيرى، معتبراً أن هذه الإجراءات ستنقل العلاقات الأمريكية مع دول الخليج الست إلى مستوى أعلى مما كان عليه فى السابق، دون أن يوضح مثل هذه الإجراءات والتى لن تخلو من بيع منظومات أسلحة متطورة وغالية جداً للدول الخليجية العربية، وبما سيؤدى حتماً إلى سباق تسلح جديد فى المنطقة، وعندها ستبرر إيران لنفسها ولجيرانها المزيد من التسلح والمزيد من مساعى تصدير ما تعتقد أنه ثورة إسلامية. وإذا ما انتهت القمة الخليجية الأمريكية دون مواقف حاسمة ستكون النتيجة خيبة أمل كبرى يتطلب محوها عقداً على الأقل، تكون فيه إيران حققت المزيد من تخصيب اليورانيوم والمزيد من التدخل فى الشأن المحلى لدول الخليج العربية. وعندها سيصبح ترميم العلاقات الخليجية الأمريكية درباً من المستحيل.