يجرى الحديث فى مصر راهناً عن خمس قنوات فضائية تبث من تركيا لصالح تنظيم «الإخوان»، هى قنوات: «رابعة»، و«الشرق»، و«مكملين»، و«مصر الآن»، و«الشرعية»، باعتبارها وسائل إعلام مغرضة وتحريضية. إن تلك القنوات ليست إلا منصات لدعم الإرهاب، والحديث عنها بوصفها وسائل إعلام ليس سوى تدليس واحتيال، لأن المحتوى الذى تقدمه لا يمت إلى الإعلام بأى صلة. سيقول البعض إن وسائل الإعلام المصرية ترتكب الأخطاء الجسيمة أحياناً، وبعضها يقدم خطاباً يثير الكراهية والتمييز، ويعزز الانقسام المجتمعى، وربما يشجع على انتهاج العنف. إن هذه التوصيفات صحيحة؛ إذ إن بعض وسائل الإعلام المصرية يقع فى تلك الأخطاء الكبيرة، بداعى حشد الجمهور فى مواجهة الهجمة الإرهابية الدنيئة والشرسة التى تستهدف الدولة المصرية والشعب فى آن واحد، وهو أمر يجب أن نواجهه جميعاً وألا نستسلم له، باعتبار أن معركتنا مع الإرهاب يجب ألا تنسينا الفارق الأخلاقى بيننا وبين الإرهابيين، ويجب أن ننتصر فيها دون أن نفقد إنسانيتنا واحترامنا لدستورنا وامتثالنا للقانون. فما الفارق إذن بين ما تفعله تلك القنوات «الإخوانية» التى تبث من تركيا وبين بعض وسائل الإعلام المصرية التى قد تتورط فى أخطاء مشابهة أحياناً؟ الفارق واضح وكبير؛ إذ إن قنوات «الإخوان» الخمس المشار إليها تنطلق من مظلومية مصطنعة ومدعاة، وتعمل تماماً خارج سياق القانون والمنطق، وتمول من قوى دولية معادية للدولة المصرية، وتستخدم الدين استخداماً مسيئاً لتحقيق أغراض إرهابية، والأهم من كل هذا أنها تمثل عدواناً تشنه دولة، أو دول، أخرى بحق مصر والمصريين. وكما كانت «الجزيرة» تعمل كمنصة للتحريض على العنف وتقويض أركان الدولة فى مصر بداعى حرية الرأى والتعبير، فى وقت تعجز فيه عن توجيه انتقاد لموظف قطرى صغير، أو إظهار صورة لمعارض، أو الكشف عن مخالفة أو فساد فى قطر، فإن القنوات الجديدة «التركية» تفعل الشىء نفسه. الأنكى من ذلك أن تركيا نفسها شنت حرباً شعواء على بعض القنوات التركية المعارضة التى كانت تبث من خارج أراضيها، وضغطت على الدول التى تستضيفها حتى أغلقتها، على الرغم من أن تلك القنوات تنطق بلسان حال الأكراد الأتراك، الذين تضطهدهم حكومة أردوغان وتحرمهم من حقوقهم. فقد استطاع أردوغان أن يغلق قناة كردية تابعة لحزب العمال الكردستانى فى بلجيكا، وثلاث قنوات فى الدنمارك، كما ألزم ذلك البلد الأخير بتوقيف 12 من قيادات الحزب المعارض فيه وإحالتهم إلى المحاكمة. ضغط أردوغان بكل الوسائل على هاتين الدولتين لإغلاق تلك القنوات، كما أغلق قنوات وأوقف بث برامج داخل تركيا، لاستشعاره أنها تعارضه أو تخدم وجهة نظر خصمه اللدود فتح الله جولن. إن أردوغان الذى يتهم مصر بممارسة القمع ومعاداة الديمقراطية هو نفسه الذى حجب موقعى «تويتر» و«يوتيوب» فى بلاده فى شهر مارس الماضى، كما هدد بإغلاق موقع «فيس بوك»، وحول تركيا إلى «أكبر سجن للصحفيين فى العالم»، كما وصفتها منظمة «مراسلون بلا حدود». لا يوجد ما يمكن أن نتعلمه من أردوغان، الغارق فى عدالته الانتقائية، واستبداده بالسلطة، وقتله للمتظاهرين، وقمعه للإعلام، ومعاداته للدولة المصرية وإرادة مواطنيها، سوى قدرته على الضغط على الدول الأوروبية، ومزودى خدمات التواصل الاجتماعى الكبار، لإلزامهم باتخاذ إجراءات تساعده فى حفظ «الأمن القومى» لبلاده، حسب فهمه، ووفق تشخيصه لمصلحة تركيا الوطنية. علينا أن نضغط على تركيا بشتى الوسائل السياسية والدبلوماسية والتجارية والقانونية، لكى توقف عمل هذه المنصات الإرهابية من أراضيها، كما يجب أن نضغط على سلطات الأقمار الاصطناعية التى تبث من خلالها، لمنع بث هذا المحتوى التحريضى. وبموازاة ذلك، سيتوجب علينا أيضاً أن نعمل على تنقية ممارساتنا الإعلامية من المحتوى التحريضى ومن خطاب الكراهية، لأن معركتنا عادلة وشريفة، ولأن انتصارنا فيها لا يستلزم دحر الإرهاب فقط، إنما يستوجب أيضاً احترام القانون وعدم التفريط فى وعينا وإنسانيتنا.