يستغرب المرشد الأول لجماعة الإخوان الشيخ «حسن البنا» من التناقض العجيب فى سلوك المصريين، الذى يتأرجح ما بين أفعال تشهد على الإلحاد فى لحظات، وأخرى تشهد على الإيمان فى لحظات تالية، دون أن يدرك أن تلك هى الطبيعة الإنسانية وتناقضات «الأوادم»، وهى تنطبق أشد ما تنطبق على الشخصية المصرية ذات الطابع «الدينيوى»، وبعيداً عن أن الشيخ «البنا» قد أعطى لنفسه حق التفتيش عن نوايا البشر ووزن درجة أو ثقل إيمانهم، فإن مربط الفرس فى هذا الكلام أن المرشد الأول لم يفهم معنى التدين المصرى، لكنه اكتفى كمدرس لغة عربية بسرد بعض الإنشائيات فى وصف الحالة الدينية المصرية، الأمر الذى يحول بين القارئ وبين الظفر بفكرة متماسكة، وتنطبق سمة «الإنشائية» هذه على الكثير من الأفكار التى طرحها «البنا». لقد تحدث «الشيخ» عن حالة الازدواجية أو التراوح بين الدين والدنيا التى تميز الإنسان المصرى دون أن يلتفت إلى حالة «الخلط» التى اعتمد عليها فى تقديم الإسلام إلى المجتمع المصرى، حين قال: «الإسلام عبادة وقيادة، ودين ودولة، وروحانية وعمل، وصلاة وجهاد، وطاعة وحكم، ومصحف وسيف، لا ينفك واحد من هؤلاء عن الآخر». كلام «البنا» يتسم بموسيقى خلابة، لكنه فارغ من أى مضمون، فالعابد الحقيقى يزهد فى القيادة، وأمام الدين يصغر صولجان حكم الدولة، وفى حضور المصحف تبرز الحكمة وليس الحكم، ولا أجد فى وصف هذه العبارات «البناوية» سوى المفردة المصرية العبقرية التى تصف حالة الاختلاط بين المعانى والأفكار: مفرد «خلطبيطة»!. وانطلاقاً من هذا الفهم «الزائغ» للإسلام، ظن الإخوان من لدن الشيخ «البنا» وحتى المشايخ «مرسى» و«بديع» و«عزت» و«الشاطر» و«العريان» و«الكتاتنى» أن بإمكانهم اللعب على المصريين بالعزف على وتر الدين، دون أن يستوعبوا الفهم الخاص الذى يغزل تدين «ولاد البلد»، وسعوا عبر أكثر من ثمانين سنة إلى تدليك المشاعر الدينية تارة، وإطعام الفم بالزيت والسكر وخلافه تارة أخرى، فى محاولة دؤوب للوصول إلى السلطة، ليدين لهم بر المحروسة بالسمع والطاعة، لكن الواقع أثبت وما زال يثبت أن الإخوان حفظت من التدين المصرى شيئاً وغابت عنها أشياء. كان أهم وأخطر اكتشاف، وقف المصريون عليه من تجربتهم مع الإخوان خلال العام الذى حكموا فيه البلاد أن «الجماعة» تتاجر بالدين من أجل حصد مغانم دنيوية، أو بعبارة أخرى علموا أنهم ليسوا صنفاً ممتازاً من المصريين، بل هم غارقون فى «الدينيوية» بصورة بدت فى منتهى البشاعة، فقد كذبوا وخانوا العهود وحنثوا بالوعود ونافقوا وداهنوا ومدوا أيديهم إلى أعداء مصر، أرعدوا وأبرقوا حين قهروا، وخنعوا وتذللوا حين تمكن الشعب منهم، وفى كل الأحوال لم تكن المسألة عندهم مسألة دين، بل كان الإسلام مجرد أداة يمتطونها من أجل تحقيق أهدافهم، وكانت النتيجة أن الشعب الذى وضعهم فى «عليين» الحكم، بادر إلى ردهم أسفل سافلين.