لم يعش شعب على الأكاذيب كما عاش هذا الشعب. والفضل -أو قل الجرم- فى ذلك يرتبط بالنخبة المثقفة التى عاثت فى عقول المصريين فساداً عبر سنين طويلة، وحقنتها بجملة من الخرافات والأضاليل المضحكة التى ظل اللسان الشعبى يرددها سنين طويلة، وإن كان لسان حاله وكذلك سلوكياته وممارساته تقول غير ذلك أو تكذّب «الكدبة» إذا صح التعبير. هكذا كان الحال منذ عهد الشيخ محمد عبده وحتى عصر مشايخ العصر الحالى بجل أطيافهم!. تعال نتوقف أمام ثلاث أكاذيب شهيرة قبل أن نتطرق إلى لب الموضوع الذى نبحر فيه: الأولى، هى أكذوبة أن الدكتور «طه حسين» -رحمه الله- كان صاحب الفضل فى إقرار مبدأ مجانية التعليم، انطلاقاً من مقولته الشهيرة: «التعليم كالماء والهواء حق لكل إنسان».. كلام رائع جداً.. ولكن ألم تسأل نفسك مرة: كيف تعلم طه حسين نفسه، وقد نشأ فقيراً داخل أسرة متواضعة الحال؟. حقيقة الأمر أن المجانية كانت مكفولة لكل من لديه القدرة أو الرغبة أو الطموح إلى التعلم. كان النظام الملكى يساعده ويمكّن له حتى يصل إلى مراتب الوزراء. فى ظل هذا النظام تعلم طه حسين الفقير، وتعلم إخوته، ونحن ننسى أن أسرة طه حسين كان فيها طبيب على وشك التخرج، لولا أن وافته منيته، وشيخ أزهرى جليل، وكلاهما كان أخاً لطه حسين فى الأسرة والظروف القاسية. يرتبط بهذه الكذبة المضحكة «كدبة» أكثر إضحاكاً، هى أن أبناء العمال والفلاحين كانوا محرومين من الالتحاق بالجيش المصرى، قبل ثورة يوليو 1952. ربما تذكر بعض المشاهد من فيلم «رد قلبى» عن قصة الراحل «يوسف السباعى»، وهو أحد الضباط الأحرار، تلك المشاهد التى كانت تصف العنت الذى قابله «على» -بطل القصة- فى الالتحاق بالمدرسة الحربية، لأنه ابن «جناينى». ومطلوب منا طبعاً ونحن نشاهد تلك المواقف المأساوية التى يضمها الفيلم أن نرتدى «عمّة السذاجة» ونصدق هذا، ونكذب حقائق الواقع التى تقول إن «الضباط الأحرار»، كانوا فى أغلبهم من أبناء أسر متوسطة، بل ومتواضعة الحال، بمن فيهم الزعيم جمال عبدالناصر نفسه!. ثم تعال إلى كذبة ثالثة تدخل بنا إلى جوهر الموضوع، وترتبط بالعبارة التى رددها الشيخ «محمد عبده» عندما اطلع على أهل الغرب وقارنهم بأهل مصر فقال: «رأيت فى أوروبا إسلاماً بلا مسلمين.. وهنا -يقصد مصر- وجدت مسلمين ولم أجد إسلاماً».. والسؤال: ما معنى هذه العبارة التى لا تفتأ ألسنة المتكلمين من أبناء النخبة تكررها؟ ما مغزى تلك الكلمات التى التقطها الشيخ «حسن البنا» ليتذرع بها فى بناء جماعته التى رفعت شعار إعادة المسلمين مرة ثانية إلى حظيرة الإسلام. وعلى هذه الكذبة تأسست كذبة أن المصريين يريدون أن يحكموا بالدين. وهى الفكرة التى أصّل لها الشيخ حسن البنا وحملتها جماعة الإخوان وغيرها من الجماعات الإسلامية من بعده.. وبعد سنين طويلة من العبث أثبت لهم المواطن المصرى مؤخراً أنه إنسان «دينيوى»!.