لست أدرى أى إسلام هذا الذى وجده الشيخ «محمد عبده» فى الغرب، ولم يجده فى بلاد المسلمين، كما كان يردد فى عبارته الشهيرة؟. إننى أفهم أن «الشيخ» كان يتحدث عن القيم والأخلاقيات الرفيعة التى وجدها حاضرة فى أوروبا، وغائبة فى بلاد الشرق. وفى تقديرى أن الأخلاق لا ترتبط بالدين بمقدار ما ترتبط بالثقافة الاجتماعية. وقد تميز أهل الشرك فى مكة بالعديد من الأخلاقيات والقيم المعتبرة، وتذكر كتب السيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم تحدث ذات يوم عن حلف الفضول - وهو حلف من أحلاف الجاهلية- وقال: «لو دعيت إلى مثله فى الإسلام لأجبت»، وقد ارتكز الحلف على مجموعة من القيم النبيلة، مثل إغاثة المهلوف والانتصار للمظلوم وإطعام الجائع. ومن المعلوم أيضاً أن المجتمع المكى الجاهلى لم يعرف الكذب وكان ينكر هذا الخلق أشد الإنكار. إذن الحديث عن الدين كمجموعة من القيم والأخلاقيات لا يعدو أن يكون اختزالاً ممجوجاً. وأصغر مسلم يعلم أن الإسلام عقيدة تحدد تصور الإنسان للذات الإلهية، ونظرته إلى الحياة الدنيا وإلى الآخرة، وتبين العبادات التى يجب أن يؤديها المسلم تقرباً إلى الله، والقواعد التى يجب أن تحكم تعاملاته مع غيره. لقد كان الشيخ محمد عبده يردد كلاماً غير دقيق أدى إلى خلق أكذوبة كبرى، تأسست عليها أكذوبة أكبر التأمت حولها جماعة الإخوان، حين دعا مؤسسها الأول حسن البنا إلى «إعادة المصريين إلى الإسلام الحقيقى»، انطلاقاً من مقولة محمد عبده: «المصريون مسلمون بلا إسلام». وتلك أكذوبة الأكاذيب التى تعالت فى ظلها الأصوات القائلة بأن الإسلام أصبح غريباً فى ديار المسلمين، وأن الابتعاد عنه هو الذى خلف لنا الهزائم والانكسارات، من هنا دعا الشيخ «حسن البنا» إلى العودة إلى الإسلام النقى الصافى فى صورته الأولى الناصعة زمن النبى صلى الله عليه وسلم، وفى عصر الخلفاء الراشدين. يقول الشيخ فى رسالة «دعوتنا» وهو يفرق بين المسلم الإخوانى وغير الإخوانى: «والفرق بيننا وبين قومنا أنه عندهم إيمان مخدر نائم فى نفوسهم لا يريدون أن ينزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوى يقظ فى نفوس الإخوان المسلمين. ظاهرة نفسية عجيبة نلمسها ويلمسها غيرنا فى نفوسنا نحن الشرقيين، أن نؤمن بالفكرة إيماناً يخيل للناس حين نتحدث إليهم عنها أنها ستحملنا على نسف الجبال، وبذل النفس والمال، واحتمال المصاعب، ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا، حتى إذا هدأت ثائرة الكلام، وانفض نظام الجمع نسى كل إيمانه وغفل عن فكرته، فهو لا يفكر فى العمل لها ولا يحدث نفسه بأن يجاهد أضعف الجهاد فى سبيلها، بل إنه قد يبالغ فى هذه الغفلة وهذا النسيان حتى يعمل على ضدها وهو يشعر أو لا يشعر؟. أولست تضحك عجباً حين ترى رجلاً من رجال الفكر والعمل والثقافة فى ساعتين اثنتين متجاورتين من ساعات النهار ملحداً مع الملحدين وعابداً مع العابدين».. انتهى كلام «البنا».. وهو يثبت حالة من الإفلاس العجيب فى امتلاك القدرة على فهم العقل الدينى المصرى!.