من المؤكد أن فوز الدكتور مرسى بمنصب رئيس جمهورية مصر كان حلماً بعيد المنال بالنسبة للإخوان، بل كان مجرد التفكير فى الاقتراب منه ضرباً من الخيال، وأحسب أن استيعاب الوضع سوف يتطلب وقتاً حتى يتم التعود عليه..والذى يتأمل خطابات الدكتور مرسى سوف يلاحظ أن هناك تطوراً فى اتجاه التأقلم أو التكيف مع الوضع الجديد.. لقد خاضت السلطة القمعية والمستبدة عبر عقود طوال معارك ضارية ضد الإخوان، ذاقوا فيها ألواناً شتى من البطش والتنكيل والتعذيب بشكل لا يتحمله بشر ولا يطيقه إنسان، ناهينا عن الشهداء الذين فاضت أرواحهم على أعواد المشانق وفى غياهب السجون والمعتقلات. يكفى أن يقال إن عدد من تم اعتقالهم أو حبسهم احتياطياً فى الفترة من 1995 حتى 2010 تجاوز الثلاثين ألفاً، وإن عدد المحاكمات العسكرية لرموز الإخوان بلغت سبعاً، ولم يكن ذلك لجريمة ارتكبوها وإنما بسبب حرصهم على ممارسة حقهم الدستورى والقانونى كمواطنين مصريين فى خوض الانتخابات البرلمانية! لقد كان مجرد التفكير فى إنشاء حزب سياسى يعد من الخطوط الحمراء التى يجب على الإخوان ألا يقتربوا منها، فضلاً عن أن يمسوها، وإلا تعرضوا لمعارك تكسير عظام. وجاءت الثورة، فاختلف الوضع تماما، إذ صار للإخوان حزبهم، كما صار للجماعة الإسلامية حزبها، وللتيار السلفى أحزابه، بل إن الباب انفتح على مصراعيه لتشكيل العديد من الأحزاب، ولم تعد هناك أية قيود على حركتها وفاعلياتها. ليس هذا فقط، وإنما صار رئيس الجمهورية من الإخوان، وهم على وشك أن يشكلوا الحكومة، أو جزءا منها، كما أنه من المتوقع أن يفوزوا بالأغلبية فى انتخابات مجلس الشعب القادمة، وبالتالى عليهم أن يتصرفوا على أساس أنهم فى السلطة، وليس فى المعارضة.. لم يعد هناك تربص بهم أو تضييق عليهم أو مطاردة لهم أو اعتقال لأفرادهم، وزال عنهم الإحساس بالاضطهاد، ومن ثم عليهم أن ينطلقوا فى ممارساتهم ومواقفهم من موقع الثقة، الأمر الذى يفرض عليهم إفساح صدورهم لناقديهم والصبر عليهم وألا يصيبهم قلق أو توتر مما يسمعون. آن للدكتور مرسى أن يسرع فى تكوين مؤسسة الرئاسة على نحو صحيح، فيختار مستشاريه وأعوانه الدائمين من ذوى الكفاءة والقدرة والخبرة والتجربة، بغض النظر عن الانتماءات السياسية أو الأيديولوجية، وأن يتفرغ للقضايا الاستراتيجية الكبرى، مع ترتيب فى الأولويات، وأن ينأى بنفسه عن الاستغراق فى الفروع والجزئيات التى تثقل كاهله دون مردود حقيقى. ما يهمنى فى هذا الصدد هو التزام الرئيس مرسى بالشورى، فى كل قضايا الداخل والخارج، وأن تتسع دوائرها بحيث تشمل كل ألوان الطيف السياسى، وأن يتم ذلك بشكل دورى، ومن ثم تتحقق الشراكة الوطنية التى نأملها. لا بد من العمل الجاد لتحقيق الأهداف التى قامت من أجلها الثورة (حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية)، وأرى أن المسألة الأمنية لها الأولوية عما سواها، وأن تتوقف عملية الخطف والتعذيب التى تمارسها الشرطة العسكرية. على الرئيس أن يترك قضايا المرور والنظافة والخبز والوقود للحكومة ضمن مهامها الحيوية الأخرى كالتعليم والصحة والزراعة والصناعة والرى والإسكان.. إلخ، والتى يجب أن تنطلق من فلسفة ورؤى مغايرة تماما لما هو موجود، ويكتفى هو بالمتابعة. فهل يمكننا أن نرى مصر الحديثة عما قريب؟