بقلم أحمد عز الدين من حق الناس أن تنفعل ، ومن حقها أن تغضب ، ومن حقها أن تعبر عن انفعالها وغضبها سلميا في الميادين والساحات ، وليس من حق أحد أن يسلبها هذا الحق ، أو أن يفتأت عليه . لكن تعبيرها بالخروج انفعالا وغضبا ، لا ينبغي أن يدفعه البعض دفعا نحو التأثير في حكم قضائي ، لأن التأثير في حكم قانوني سبيله الوحيد هو استخدام سلاح القانون ، لا غيره ولا سواه ، كما أن تعبريها بالخروج انفعالا وغضبا ، لا ينبغي أن يدفعه البعض دفعا نحو توظيفه سياسيا لمصلحته ، تأثيرا في أوضاعه الذاتية أو الانتخابية ، ومن ثم التأثير في المصير الوطني كله ، وإلا تحولت الحشود التي خرجت بالأساس لرد الاستبداد القديم إلى سلالم يصعد فوقها إلى سدة الحكم استبداد جديد . ولهذا كان ينبغي أن يعتصم الجميع بحبل الوحدة الوطنية ، في ظروف تطل فيها التهديدات والتحديات من كل حدب وصوب ، فلا تسعى بعض الوجوه السياسية إلى استخدام غضب الناس وانفعالهم ، إلى مادة لتجميل صورها في مرايا الرأي العام ، ولا تسعى جماعة بعينها إلى تحويل هذا الغضب والانفعال ، إلى وقود تتدفأ به في الطريق إلى ما تظن أنه قصر الرئاسة . ستكون شفافة ونظيفة وديموقراطية ، إذا قطفوا ثمارها وتبوأ الدكتور مرسي مقعد الرئاسة ، وستكون معتمة ومزورة ومستبدة إذا صعد الفريق شفيق إلى المقعد ذاته ، فتلك هي القسمة العادلة لديهم في كل شئ ، إذا ثقلت موازينهم فذلك هو العدل والحق والاستحقاق ، وإذا خفت موازينهم فذلك هو الجور والظلم والافتئات ، ولا يهم أن يكون ما أثقل موازينهم قد تم أخذه بحد المال ، أو بحد السيف ، أو بحد التخويف والإكراه ، ذلك أنهم منذ أن حملتهم ثورة الشعب وأخرجتهم من شقوق الغياب ، وحفر الدفاع السلبي ، ما يزالون يواصلون المشي في الأرض زهوا ، كأنهم العصبة أولي القوة ، مع أنهم لن يخرقوا الأرض ولن يبلغوا الجبال طولا . والحقيقة أن ذلك لا يعكس إلا مظهرا واحدا من مظاهر الازدواجية بين القول والفعل ، وبين كل مستويات القول والفعل كل على حدى ، ولذلك قد يبدو مدهشا أن أكثر الذين رفعوا أصواتهم ، وصعدوا بمواقفهم إلى شرفة عالية ، من رفض المحاكم الاستثنائية ، والقوانين الاستثنائية ، ولطخوا وجه ثورة يوليو 1952 بكل ملوثات هذه المحاكم والقوانين ، هم أكثر الذين طالبوا وما يزالون ، بمحاكمات استثنائية بعد ثورة 25 يناير ، بل إن أحكام القضاء التي عانوا من عدم احترامها ، والضرب بها عرض الحائط في ظل النظام السابق ، هم أنفسهم الذين يرفعون الصوت عاليا ، متوعدين وداعين إلى عدم احترامها والضرب بها عرض الحائط ، وآية ذلك واضحة في تصريح مجلجل للدكتور مرسي ، توعد فيه قبل يومين من صدور الحكم على مبارك بالمؤبد ، بأنه يعد بوضعه في غياهب السجن مدى حياته ، مهما كان الحكم القضائي الذي سيصدر في حقه ، وكأنه سيبقى رئيسا أبديا . ثم ما تلى ذلك بعد صدور الأحكام القضائية من دعوة إخوانية للخروج والتظاهر في كافة الميادين في أنحاء مصر ، لتحويل الأحكام نفسها وأيا كان أمرها ، إلى ماكينة لتوليد مزيد من الغضب والفوضى ، يصعدون على موجتها الدامية إلى الحكم ، باعتبارهم قادة الثورة الشعبية المتجددة ، أو أن تولد بدورها مزيدا من الأصوات المؤيدة في صناديق الانتخاب . وفي كل الأحوال فإن من حق الناس أن تنفعل وأن تغضب على أحكام قد لا تراها متوافقة مع ما لحق بها من ضرر وأذى ، ولكنه ليس من حق قوى سياسية بعينها ، أن تحول بالخديعة والباطل غضب الناس إلى مظلات واقية تهبط بها من الفراغ على سطح السلطة . قبل يومين اثنين من صدور الحكم على مبارك ، صاغ جانب مهم من الجماعة الوطنية ، تحت تأثير خوف مزدوج من التهميش أولا ومن الاستبداد ثانيا ، وثيقة جديدة هي وثيقة العهد ، وبعيدا عن بنود الوثيقة التي أرى في منهجها ، درجة عالية من السعي الجاد إلى إحداث قدر من التوازن ، ونفي التمييز والاحتكار ، وصيانة بعض أهداف الثورة ، فقد كان واضحا أن الدكتور محمد مرسي ، قد صارع ربما قبل أن يجف حبرها إلى إعلان قبوله بها ، مترافقا مع تأكيد رفضه التوقيع عليها ، لكنه قبل أن يتبدد صوت الدكتور مرسي في فضاء الميكروفونات ، كان الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسممي باسم الجماعة ، يخرج على الناس شاهرا وصف المطالب ، التي تتضمنها الوثيقة ، بأنها حالة " ابتزاز واضح " رادا المطالب إلى نحور أصحابها ، بتأكيده على أن الإخزان ليسوا في حالة ضعف . ورغم أن إجادة الدكتور مرسي ، على نعومتها ، عكست ازدواجية واضحة ، هي القبول الشفوي والرفض العملي ، إلا أن وضع تصريح الدكتور غزلان في أعقاب تصريحه أو إجابته بسويعات قليلة ، وعلى النقيض منها شكلا ومضمونا ، إنما تعكس ما يستحق التوقف : • إنها تعكس – أولا – أن القرار السياسي ، فيما يتعلق بأبجديات المصير الوطني والعمل التنفيذي ، ليس في يد الدكتور مرسي ، مرشحا للرئاسة أو رئيسا فعليا ، وإنما هو مستقر على نحو كامل بقده وقديده في يد مرشد الجماعة ومكتب الإرشاد . • وهي تعكس – ثانيا – أن إرادة الجماعة ممثلة في المرشد ومكتب الإرشاد ، لا تعنيها حتى الصورة الرمزية لمرشحها كرئيس محتمل أمام الرأي العام ، ولا أعتقد أن تصريح غزلان كان تصحيحا لما رأته الجماعة في تصريح مرسي خطأ يستوجب التصحيح العاجل ، بقدر ما كان تأكيدا للرأي العام ، ولهذا القطاع الهام من الجماعة الوطنية ، الذي تنادى إلى إصدار هذه الوثيقة ، أن مرسي ليس بديلا عن الجماعة ، وأن التفاهم معه ليس بديلا عن التفاهم معها ، رغم أنها وضعته في ذلك في صورة الممثل الذي اجتهد فارتجل جملة خارج النص ، فاستوقفه مخرج العرض أمام الجمهور تأنيبا له ، وأعاده عنوة إلى صلب النص ، مؤكدا له أن عليه أن يلتزم بتلاوة ما يلقى إليه . • وهي تعكس – ثالثا – حقيقة أن هذا المرشح البديل لن يكون إذا ما قدر له أن يصعد إلى مقعد الرئاسة بديلا لأحد ، فلن يكون بديلا لمكتب الإرشاد ، ولا بديلا للمهندس الشاطر ، ولا بديلا للمرشد ، وبالتالي فإن الكلام عن استقالة الدكتور مرسي من موقعه في الحزب والجماعة ، وإحلال المرشد له من بيعته لتأكيد موقفه كرئيس مستقل ، هو مجرد لغو فارغ فإذا كان مرسي على هذا النحو وبهذا الوضع قبيل انتخابات الإعادة ، وإذا قدر له أن يحصل على استحقاق الرئاسة ، ويكون قاطرة الدولة فإنه بالتأكيد لن يكون القضبان التي تسير عليها ، ولن يكون الوقود الذي تتحرك به ، ولن يكون السائق الذي يدير آلتها . • وهي تعكس – رابعا – حقيقة هذا التزييف الذي قدمه أحد قادة الجماعة ، لمسألة البيعة مؤخرا ، حين قال أن " بيعة الإخوان للمرشد ، بيعة داخلية ، فيما يختص بأنشطة الجماعة " دون أن يحدد ماهية أنشطة الجماعة ، وما الفرق بين الأنشطة الداخلية والخارجية لها ، وما إذا كان ما تمارسه الجماعة الآن من أنشطة سياسية واقتصادية وتجارية ودعائية ، يصنف في قطاع الأنشطة الداخلية أو الخارجية ، وبالتالي ما إذا كان وصف الدكتور غزلان لمطالب بعض القوى السياسية بأنها ابتزاز واضح ، يمكن تصنيفه داخل الأنطة الداخلية أو الخارجية . • وهي تعكس – خامسا – حقيقة لا تقل أهمية عما استبقها من حقائق ، وهي أن الجماعة ليست قابلة لأن تتنازل لأحد عن شئ ، لا أقصد بذلك موقعا أو موضعا في السلطة التنفيذية أو غيرها من السلطات ، وإنما أقصد منطق الغلبة الكاملة والسيطرة المطلقة والاستحواز غير المنقوص ، والذين ما يزالون يتصورون أن هناك نقطة توافق معلقة في رحم الغيب ، أو في فضاء الحوار بين جانب من الجماعة الوطنية ، أيا كان لونه أو طبيعته أو توجهه ، يطفئون ذاكرتهم بأيديهم ، ويتنكبون قراءة كافة محاولات البحث عن توافق أو حتى عن توفيق لبعض مصالحهم الذاتية في إطار مصالح الجماعة . فهذه جماعة طاردة لمن عداها مهمشة لسواها ، كلما تحدثت عن التوافق في لحظات إحساسها بالضعف ، أو الحاجة إلى الآخرين ، كلما تنكرت لما بدا أنها قابلة به ، أو أدعت أنها حريصة عليه ، ونسخت دون خجل أو تردد ما وقعت عليه وما قررته وأكدته وأعلنته ، تحت دعوى واحدة لا تتغير هي الظروف المتغيرة والوقائع المستجدة ، ولهذا تعروني الدهشة حد العجب ، كلما فريق وطني محاولاته المنهارة للتوافق معها ، ثم أخذت في تكرار المحاولة ، وكأنه يزداد إصرارا بمرور الوقت على الدوران في حلقة مفرغة . • وهي تعكس – سادسا – مجمل نظرة الجماعة إلى هذا القطاع الحيوي الكبير من الجماعة الوطنية ، فعندما يتصدى المتحدث الرسمي باسم الجماعة ، لمطالب وطنية عادلة ، تدخل في صلب أهداف الثورة ، ثم يأتي رده كالصدى يحمل وصفا لها بالابتزاز ، مصحوبا بنفي الضعف عن الجماعة ، فإن ذلك يعني من بين ما يعنيه ، أن الجماعة مستقوية بذاتها ، كما هي مستقوية بما تره قوة مضادة إليها ، من داخل الحدود ومن خارجها ، أما هذا القطاع الحيوي من الجماعة الوطنية ، فإنه لا يضيف رصيدا ولا يمثل ثقلا ، وهو ليس قادرا على أن يحرك ساكنا ، أو يمثل فرقا ، بل إن سلوكه بما احتواه من مطالب فب مواجهة الجماعة ، ليس سلوكا سياسيا ، وإنما هو سلوك أخلاقي ، يحمل صفة دونية مجردة من القيم ، وهي الابتزاز . • وهي تعكس – سابعا – حقيقة ألححت على تأكيدها عدة مرات ، ولم أتوقف عن التحذير من مغبة عدم رؤيتها بالدرجة المطلوبة من الوضوح ، وهي أننا لسنا أمام جماعة تسعى بأساليب ديموقراطية للاستحواز على النظام السياسي ، بأن تحل نفسها محل النظام السياسي السابق ، وإنما نحن بصدد جماعة وصفها مرشدها ، بأنها مؤسسة دولية ، أي فوق وطنية ، وفوق قومية ، وفوق إقليمة ، ولذلك فإن هدفها الاستراتيجي البالغ الوضوح ، هو أن تحل نفسها لا محل النظام ، وإنما محل الدولة الوطنية ، ولذلك فلسنا في حالة صدام بين مشروع دولة مدنية ، ومشروع دولة دينية ، فهذا تبسيط مخل ، وإنما نحن في حالة صدام بين المشروع التاريخي للدولة الوطنية المصرية ، وبين المشروع المستحدث لدولة الإخوان المسلمين . المدهش والغريب ، وهو ليس بمدهش ولا بغريب ، أن يعاود الإخوان المسلمون بعد ساعات من تصريحات الدكتور غزلان ، التي اعتبرت وثيقة العهد وبنودها حالة ابتزاز واضحة ، رغم أنها لم تعكس غير حرص وسعي جادين من جانب كبير في الصف الوطني ، إلى صياغة توافق وطني في لحظة شدة وزلزلة ، أن يعاود الدعوة إلى تجمع واسع للقوى الثورية والأحزاب الوطنية لمواجهة ما صدر عن المحكمة من أحكام ، وأن يتنكروا لما قرروه بضمير مستريح قبل ساعات ، وأن يتنقلوا من موقف إلى نقيضه ، من رفض لمشروعية الميدان إلى تأجيج لمشاعر الناس ودفعها إلى النزول في كافة الميادين ، ومن مصادرة حق باقي القوى السياسية في الحصول على ضمانات تحصن المصير الوطني ، واستضعافها والتعامل معها بدونية واضحة ، إلة مناداة لها بالتجمع والتوحد ، تحت شعارات الثورة التي تفتت تحت أقدامهم شظايا . ولا أعتقد أن ما سبق كله يعكس جوهر الازدواجية أو التناقض في موقف الجماعة ، ذلك أن هذا الجوهر الحقيقي ، سيتبدى بوضوح كامل إذا ما تم لها تحقيق مأربها ، بالاستيلاء على كافة مقاعد السلطة ، ويقيني أن الجماعة تشحذ أسلحتها في الظلام ، استعدادا لمرحلة ما بعد القفز على السلطة ، وأن أي حديث عن حرية التظاهر السلمي ، أو مشروعية التجمع السلمي ، أو صيانة حقوق الإنسان ، أو تداول السلطة وغيرها وغيرها ، سوف يذوب في خطاب الجماعة وسلوكها ، كأنه قطع من الثلج تحت لهيب هذا الصيف ، وهناك نذر وشواهد تؤكد ذلك دون ريب ، بعضها تحت قبة البرلمان ، وبعضها يلمع خاطفا في ثنايا أحاديث عابرة في الإعلام . هناك – على سبيل المثال – مشروع قانون تم إعداده وتجهيزه وصياغته بشكل كامل ، سوف يتم استحصال موافقة المجلس عليه فور إعلان نجاح مرشح الجماعة في الانتخابات ، والأغلبية جاهزة لتمريره ، يقضي بوضع حق التظاهر أو التجمع السلمي في قبضة أحكام عقوبة بالسجن ، إذا ما جرى التظاهر دون طلب مسبق قبل أيام ، يتضمن مكان التظاهر وتوقيته وأسبابه للموافقة عليه ، قبل أن يصبح حقا قابلا للاستخدام ، وعلينا أن نتصور أن قانون تقييد حق التظاهر السلمي بشروط ملزمة ، وموافقة مسبقة ، وقطع الطريق عليه بعقوبة الحبس ، سوف يقدم مشفوعا بضرورات الاستقرار والأمن والعمل والإنتاج ، وهي إذا كانت ضرورات حقيقية فالشاهد أن الجماعة ضربت بها عرض الحائط في وقت شحوب العمل والإنتاج ، وضعف الأمن واهتزاز الاستقرار ، عندما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمارس وظيفة رئيس الدولة ، لكنها أعدت القانون ودبجته وصاغته ، بينما تدفع الناس دفعا إلى التظاهر والاعتصام في ميادين مصر ، باعتباره حقا ثوريا مكتسبا ، في انتظار لحظة اختطاف السلطة ومن ثم استصدار القانون ، لإطفاء أي نزعة قادمة للرفض أو المعارضة . وهناك – على سبيل المثال – تلك الفتوى التي أصدرها مفتي الجماعة " الشيخ عبد الرحمن البر " والتي تمثل سقفا فقهيا مرافقا لقاون تقييد التظاهر ، الذي سوف يتم الدفع به إلى البرلمان ، إذا ما تم إعلان فوز مرشح الجماعة ، وهي فتوى لا تجرم فقط الخروج على الحاكم ، شرط أن يكون الحاكم من الجماعة طبعا ، وإنما تبيح سفك دمه وقطع رقبته ، كما يقول منطوقها : " إذا أراد الشعب الخروج على الحاكم وخلعه ، فلا يجوز له أن يفعل ذلك إلا بالانتخابات ، أما الذي يحاول خلع الحاكم بغير هذا الطريق ، فيجب ضرب عنقه بالسيف " . ويخيل إلى من ثقل وقع هذه الفتوى على عقلي ، أنه يعيد تلقائيا بناء صور الثورة المصرية ، لأتخيل في لحظة وجوم ، أننا خلعنا مبارك بالانتخابات ، بدليل أن أعناقنا ما تزال قائمة لم يضربها السيف . وهناك – على سبيل المثال – ما بدى في تلافيف حديث تليفزيوني لأحد قادة الجماعة عن وجود توجه لإعادة عقوبة الجلد إلى السجون ، وهي عقوبة من السجون المصرية قبل سنوات ، باعتبارها أكثر العقوبات مجافاة لحقوق الإنسان ، وما تزال بعض السجون تحتفظ بنموذج " العروسة " في متاحفها ، والذي كان يتم تقييد هؤلاء المساجين البائسين إليه ، عندما تطبق عليهم عقوبة الجلد . وقد تأخذك الدهشة حد الفزع ، إذا كان بعض هؤلاء الذين ذاقوا العذاب في غياهب السجون ، يتوجه تفكيرهم إلى إعادة استخدام أسوأ أنواع التعذيب والتنكيل ، على مساجين جدد ربما في نفس ردهات السجون التي احترقوا بجحيمها ، وقد تجد في ذلك تفسيرا نفسيا مغلقا لتبادل الأدوار بين الضحية والجلاد ، لكن هذه الدهشة الممزوجة بالفزع سرعان ما تتبدد إذا أخرجت تفسيرك لهذا التوجه ، خارج المساحة الضيقة المكانية أو النفسية التي تحتبسه فيها ، فالأمر في حقيقته ليس معلقا بحدود إعادة عقوبة الجلد إلى السجون ، وإنما بالبدء في تطبيقها في ساحات السجون ، لتكتسب مشروعية الاستخدام الاعتيادي الذي يؤهل الناس للقبول باستخدامها في عقوبات بعينها ، ولكن في ساحات المجتمع . لست أعرف من يبتز من في هذه الظروف ، تلك الوجوه الوطنية التي اجتهدت بعد أن وجدت نفسها في قلب محنة اصطفاف غريب ، فقدمت ما يعين على إعادة بناء الصف الوطني حفاظا على الثورة وأهدافها ، والتي صورت الجماعة عملها على أنه محض ابتزاز ، أم أنها الجماعة نفسها وهي ترمي بهلبها كسفينة جانحة ، على أرصفة البشر الغاضبين ، الذين مايزالون يرممون حلم التغيير والثورة ، بين اليأس والرجاء . إلى أين نحن ذاهبون ، أعتقد جازما أنه لا بديل عن إعادة الاصطفاف حول الدولة الوطنية المصرية . [Share/Bookmark]