وزير التعليم العالي وسفير الأردن يبحثان دعم التعاون الأكاديمي والبحثي -تفاصيل    صعود شبه جماعي لمؤشرات البورصة في منتصف تعاملات الثلاثاء    وزير الإنتاج الحربى يفتتح مصنع الرزينة بشركة "هليوبوليس للصناعات الكيماوية"    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 42 ألفًا و718 فلسطينيًا    إيران: جيراننا أكدوا عدم سماحهم استخدام أراضيهم وأجوائهم ضدنا    كوريا الشمالية تنفى إرسال قوات لروسيا لمساعدتها فى حربها ضد أوكرانيا    قبيل الانتخابات الأمريكية.. تحول تاريخى فى مراكز الدولار وتقلص الرهانات السلبية    واشنطن بوست: هاريس وترامب متعادلان في استطلاع للرأي في سبع ولايات    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    «الاحترام أهم من البطولات».. كواليس جلسة محمد رمضان مع الخطيب بعد أزمة كهربا    أيمن الشريعي: الأهلي المنظومة الأنجح ولكن لا يوجد أنجح مني    رجلان وسيدة يستدرجون شابًا لابتزازه في الشرقية    7 مصابين في انقلاب سيارة ربع نقل بالشرقية    تواصل عمليات انتشال الشهداء والمصابين من تحت الأنقاض أمام مستشفى رفيق الحريري    داعية إسلامي: هناك جانبًا مظلمًا في فهم القضاء والقدر    رئيس هيئة الاعتماد: الأخطاء الطبية ثالث سبب للوفاة فى العالم    السبت.. جامعة طنطا تنظم قافلة طبية وبيطرية مجانية بقرية شبرا النملة    الموافقة على بدء إجراءات إنشاء جامعة الوادي الجديد الأهلية -تفاصيل    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    مشيرة خطاب: خطة عمل متكاملة عن الصحة الإنجابية بالتعاون مع منظمات دولية    احتفالات أبوسمبل.. رقص السائحات خلال تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني| صور    حفل هاني شاكر في مهرجان الموسيقى العربية الليلة «كامل العدد»    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    وزيرا الشباب والرياضة والتعليم يبحثان التعاون في إطار مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    الأعلى للطاقة بدبى: نتعاون مع جهاز الكهرباء بمصر لتشجيع الدول لإنشاء أجهزة مماثلة    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    وزير الأوقاف يلتقي رئيس إندونيسيا بقصر الرئاسة بجاكرتا - صور    «الصحة»: إضافة الأمراض النادرة لقانون صندوق الطوارىء الطبية أداة فعّالة لعلاجها    فى اليوم العالمى له، اعرف ماهو التلعثم والتأتأة وأسباب إصابة الأطفال بهما    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    عشرات النواب الأمريكيين يدعون بايدن للسماح بدخول الصحفيين إلى غزة    واقعة فبركة السحر.. محامي مؤمن زكريا: اللاعب رفض التصالح وحالته النفسيه سيئة    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    وزير التعليم للنواب: لا يوجد فصل الآن به أكثر من 50 طالبا على مستوى الجمهورية    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل في الشرقية    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    «الأزهر»: دورة مجانية لتعليم البرمجة وعلوم الروبوت للأطفال والشباب    رئيس الأركان يشهد تنفيذ التدريب المشترك «ميدوزا -13» | صور وفيديو    سعر أسطوانة الغاز 380 جنيه وتباع ب150| وزير سابق يعلن مفاجأة للمواطنين (فيديو)    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    أول رد من «الصحة» على فيديو متداول بشأن فساد تطعيمات طلاب المدارس    تصالح أحمد فتوح مع أسرة ضحية الدهس رسميًا قبل دقائق من المحاكمة    خطوات تحميل التقييمات والأداءات الصفية والواجبات المنزلية من موقع وزارة التربية والتعليم    رئيس «التنسيق الحضاري» عن فوزه بجائزة «الآثاريين العرب»: تتويج لرحلة 30 سنة ثقافة    في خدمتك| العمل تحدد شروط شغل 950 وظيفة بالقاهرة    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    الجارديان تلقي الضوء على مساعي بريطانيا لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا    هبوط مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    رواية الشوك والقَرنفل.. السنوار الروائي رسم المشهد الأخير من حياته قبل 20 عاما    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    الحلفاوي: "الفرق بين الأهلي وغيره من الأندية مش بالكلام واليفط"    حدث بالفن| طلاق فنانة للمرة الثانية وخطوبة فنان وظهور دنيا سمير غانم مع ابنتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعادة الاصطفاف
نشر في الواقع يوم 08 - 06 - 2012


بقلم أحمد عز الدين
من حق الناس أن تنفعل ، ومن حقها أن تغضب ، ومن حقها أن تعبر عن انفعالها وغضبها سلميا في الميادين والساحات ، وليس من حق أحد أن يسلبها هذا الحق ، أو أن يفتأت عليه .
لكن تعبيرها بالخروج انفعالا وغضبا ، لا ينبغي أن يدفعه البعض دفعا نحو التأثير في حكم قضائي ، لأن التأثير في حكم قانوني سبيله الوحيد هو استخدام سلاح القانون ، لا غيره ولا سواه ، كما أن تعبريها بالخروج انفعالا وغضبا ، لا ينبغي أن يدفعه البعض دفعا نحو توظيفه سياسيا لمصلحته ، تأثيرا في أوضاعه الذاتية أو الانتخابية ، ومن ثم التأثير في المصير الوطني كله ، وإلا تحولت الحشود التي خرجت بالأساس لرد الاستبداد القديم إلى سلالم يصعد فوقها إلى سدة الحكم استبداد جديد .
ولهذا كان ينبغي أن يعتصم الجميع بحبل الوحدة الوطنية ، في ظروف تطل فيها التهديدات والتحديات من كل حدب وصوب ، فلا تسعى بعض الوجوه السياسية إلى استخدام غضب الناس وانفعالهم ، إلى مادة لتجميل صورها في مرايا الرأي العام ، ولا تسعى جماعة بعينها إلى تحويل هذا الغضب والانفعال ، إلى وقود تتدفأ به في الطريق إلى ما تظن أنه قصر الرئاسة .
ستكون شفافة ونظيفة وديموقراطية ، إذا قطفوا ثمارها وتبوأ الدكتور مرسي مقعد الرئاسة ، وستكون معتمة ومزورة ومستبدة إذا صعد الفريق شفيق إلى المقعد ذاته ، فتلك هي القسمة العادلة لديهم في كل شئ ، إذا ثقلت موازينهم فذلك هو العدل والحق والاستحقاق ، وإذا خفت موازينهم فذلك هو الجور والظلم والافتئات ، ولا يهم أن يكون ما أثقل موازينهم قد تم أخذه بحد المال ، أو بحد السيف ، أو بحد التخويف والإكراه ، ذلك أنهم منذ أن حملتهم ثورة الشعب وأخرجتهم من شقوق الغياب ، وحفر الدفاع السلبي ، ما يزالون يواصلون المشي في الأرض زهوا ، كأنهم العصبة أولي القوة ، مع أنهم لن يخرقوا الأرض ولن يبلغوا الجبال طولا .
والحقيقة أن ذلك لا يعكس إلا مظهرا واحدا من مظاهر الازدواجية بين القول والفعل ، وبين كل مستويات القول والفعل كل على حدى ، ولذلك قد يبدو مدهشا أن أكثر الذين رفعوا أصواتهم ، وصعدوا بمواقفهم إلى شرفة عالية ، من رفض المحاكم الاستثنائية ، والقوانين الاستثنائية ، ولطخوا وجه ثورة يوليو 1952 بكل ملوثات هذه المحاكم والقوانين ، هم أكثر الذين طالبوا وما يزالون ، بمحاكمات استثنائية بعد ثورة 25 يناير ، بل إن أحكام القضاء التي عانوا من عدم احترامها ، والضرب بها عرض الحائط في ظل النظام السابق ، هم أنفسهم الذين يرفعون الصوت عاليا ، متوعدين وداعين إلى عدم احترامها والضرب بها عرض الحائط ، وآية ذلك واضحة في تصريح مجلجل للدكتور مرسي ، توعد فيه قبل يومين من صدور الحكم على مبارك بالمؤبد ، بأنه يعد بوضعه في غياهب السجن مدى حياته ، مهما كان الحكم القضائي الذي سيصدر في حقه ، وكأنه سيبقى رئيسا أبديا .
ثم ما تلى ذلك بعد صدور الأحكام القضائية من دعوة إخوانية للخروج والتظاهر في كافة الميادين في أنحاء مصر ، لتحويل الأحكام نفسها وأيا كان أمرها ، إلى ماكينة لتوليد مزيد من الغضب والفوضى ، يصعدون على موجتها الدامية إلى الحكم ، باعتبارهم قادة الثورة الشعبية المتجددة ، أو أن تولد بدورها مزيدا من الأصوات المؤيدة في صناديق الانتخاب .
وفي كل الأحوال فإن من حق الناس أن تنفعل وأن تغضب على أحكام قد لا تراها متوافقة مع ما لحق بها من ضرر وأذى ، ولكنه ليس من حق قوى سياسية بعينها ، أن تحول بالخديعة والباطل غضب الناس إلى مظلات واقية تهبط بها من الفراغ على سطح السلطة .
قبل يومين اثنين من صدور الحكم على مبارك ، صاغ جانب مهم من الجماعة الوطنية ، تحت تأثير خوف مزدوج من التهميش أولا ومن الاستبداد ثانيا ، وثيقة جديدة هي وثيقة العهد ، وبعيدا عن بنود الوثيقة التي أرى في منهجها ، درجة عالية من السعي الجاد إلى إحداث قدر من التوازن ، ونفي التمييز والاحتكار ، وصيانة بعض أهداف الثورة ، فقد كان واضحا أن الدكتور محمد مرسي ، قد صارع ربما قبل أن يجف حبرها إلى إعلان قبوله بها ، مترافقا مع تأكيد رفضه التوقيع عليها ، لكنه قبل أن يتبدد صوت الدكتور مرسي في فضاء الميكروفونات ، كان الدكتور محمود غزلان المتحدث الرسممي باسم الجماعة ، يخرج على الناس شاهرا وصف المطالب ، التي تتضمنها الوثيقة ، بأنها حالة " ابتزاز واضح " رادا المطالب إلى نحور أصحابها ، بتأكيده على أن الإخزان ليسوا في حالة ضعف .
ورغم أن إجادة الدكتور مرسي ، على نعومتها ، عكست ازدواجية واضحة ، هي القبول الشفوي والرفض العملي ، إلا أن وضع تصريح الدكتور غزلان في أعقاب تصريحه أو إجابته بسويعات قليلة ، وعلى النقيض منها شكلا ومضمونا ، إنما تعكس ما يستحق التوقف :
• إنها تعكس – أولا – أن القرار السياسي ، فيما يتعلق بأبجديات المصير الوطني والعمل التنفيذي ، ليس في يد الدكتور مرسي ، مرشحا للرئاسة أو رئيسا فعليا ، وإنما هو مستقر على نحو كامل بقده وقديده في يد مرشد الجماعة ومكتب الإرشاد .
• وهي تعكس – ثانيا – أن إرادة الجماعة ممثلة في المرشد ومكتب الإرشاد ، لا تعنيها حتى الصورة الرمزية لمرشحها كرئيس محتمل أمام الرأي العام ، ولا أعتقد أن تصريح غزلان كان تصحيحا لما رأته الجماعة في تصريح مرسي خطأ يستوجب التصحيح العاجل ، بقدر ما كان تأكيدا للرأي العام ، ولهذا القطاع الهام من الجماعة الوطنية ، الذي تنادى إلى إصدار هذه الوثيقة ، أن مرسي ليس بديلا عن الجماعة ، وأن التفاهم معه ليس بديلا عن التفاهم معها ، رغم أنها وضعته في ذلك في صورة الممثل الذي اجتهد فارتجل جملة خارج النص ، فاستوقفه مخرج العرض أمام الجمهور تأنيبا له ، وأعاده عنوة إلى صلب النص ، مؤكدا له أن عليه أن يلتزم بتلاوة ما يلقى إليه .
• وهي تعكس – ثالثا – حقيقة أن هذا المرشح البديل لن يكون إذا ما قدر له أن يصعد إلى مقعد الرئاسة بديلا لأحد ، فلن يكون بديلا لمكتب الإرشاد ، ولا بديلا للمهندس الشاطر ، ولا بديلا للمرشد ، وبالتالي فإن الكلام عن استقالة الدكتور مرسي من موقعه في الحزب والجماعة ، وإحلال المرشد له من بيعته لتأكيد موقفه كرئيس مستقل ، هو مجرد لغو فارغ فإذا كان مرسي على هذا النحو وبهذا الوضع قبيل انتخابات الإعادة ، وإذا قدر له أن يحصل على استحقاق الرئاسة ، ويكون قاطرة الدولة فإنه بالتأكيد لن يكون القضبان التي تسير عليها ، ولن يكون الوقود الذي تتحرك به ، ولن يكون السائق الذي يدير آلتها .
• وهي تعكس – رابعا – حقيقة هذا التزييف الذي قدمه أحد قادة الجماعة ، لمسألة البيعة مؤخرا ، حين قال أن " بيعة الإخوان للمرشد ، بيعة داخلية ، فيما يختص بأنشطة الجماعة " دون أن يحدد ماهية أنشطة الجماعة ، وما الفرق بين الأنشطة الداخلية والخارجية لها ، وما إذا كان ما تمارسه الجماعة الآن من أنشطة سياسية واقتصادية وتجارية ودعائية ، يصنف في قطاع الأنشطة الداخلية أو الخارجية ، وبالتالي ما إذا كان وصف الدكتور غزلان لمطالب بعض القوى السياسية بأنها ابتزاز واضح ، يمكن تصنيفه داخل الأنطة الداخلية أو الخارجية .
• وهي تعكس – خامسا – حقيقة لا تقل أهمية عما استبقها من حقائق ، وهي أن الجماعة ليست قابلة لأن تتنازل لأحد عن شئ ، لا أقصد بذلك موقعا أو موضعا في السلطة التنفيذية أو غيرها من السلطات ، وإنما أقصد منطق الغلبة الكاملة والسيطرة المطلقة والاستحواز غير المنقوص ، والذين ما يزالون يتصورون أن هناك نقطة توافق معلقة في رحم الغيب ، أو في فضاء الحوار بين جانب من الجماعة الوطنية ، أيا كان لونه أو طبيعته أو توجهه ، يطفئون ذاكرتهم بأيديهم ، ويتنكبون قراءة كافة محاولات البحث عن توافق أو حتى عن توفيق لبعض مصالحهم الذاتية في إطار مصالح الجماعة .
فهذه جماعة طاردة لمن عداها مهمشة لسواها ، كلما تحدثت عن التوافق في لحظات إحساسها بالضعف ، أو الحاجة إلى الآخرين ، كلما تنكرت لما بدا أنها قابلة به ، أو أدعت أنها حريصة عليه ، ونسخت دون خجل أو تردد ما وقعت عليه وما قررته وأكدته وأعلنته ، تحت دعوى واحدة لا تتغير هي الظروف المتغيرة والوقائع المستجدة ، ولهذا تعروني الدهشة حد العجب ، كلما فريق وطني محاولاته المنهارة للتوافق معها ، ثم أخذت في تكرار المحاولة ، وكأنه يزداد إصرارا بمرور الوقت على الدوران في حلقة مفرغة .
• وهي تعكس – سادسا – مجمل نظرة الجماعة إلى هذا القطاع الحيوي الكبير من الجماعة الوطنية ، فعندما يتصدى المتحدث الرسمي باسم الجماعة ، لمطالب وطنية عادلة ، تدخل في صلب أهداف الثورة ، ثم يأتي رده كالصدى يحمل وصفا لها بالابتزاز ، مصحوبا بنفي الضعف عن الجماعة ، فإن ذلك يعني من بين ما يعنيه ، أن الجماعة مستقوية بذاتها ، كما هي مستقوية بما تره قوة مضادة إليها ، من داخل الحدود ومن خارجها ، أما هذا القطاع الحيوي من الجماعة الوطنية ، فإنه لا يضيف رصيدا ولا يمثل ثقلا ، وهو ليس قادرا على أن يحرك ساكنا ، أو يمثل فرقا ، بل إن سلوكه بما احتواه من مطالب فب مواجهة الجماعة ، ليس سلوكا سياسيا ، وإنما هو سلوك أخلاقي ، يحمل صفة دونية مجردة من القيم ، وهي الابتزاز .
• وهي تعكس – سابعا – حقيقة ألححت على تأكيدها عدة مرات ، ولم أتوقف عن التحذير من مغبة عدم رؤيتها بالدرجة المطلوبة من الوضوح ، وهي أننا لسنا أمام جماعة تسعى بأساليب ديموقراطية للاستحواز على النظام السياسي ، بأن تحل نفسها محل النظام السياسي السابق ، وإنما نحن بصدد جماعة وصفها مرشدها ، بأنها مؤسسة دولية ، أي فوق وطنية ، وفوق قومية ، وفوق إقليمة ، ولذلك فإن هدفها الاستراتيجي البالغ الوضوح ، هو أن تحل نفسها لا محل النظام ، وإنما محل الدولة الوطنية ، ولذلك فلسنا في حالة صدام بين مشروع دولة مدنية ، ومشروع دولة دينية ، فهذا تبسيط مخل ، وإنما نحن في حالة صدام بين المشروع التاريخي للدولة الوطنية المصرية ، وبين المشروع المستحدث لدولة الإخوان المسلمين .
المدهش والغريب ، وهو ليس بمدهش ولا بغريب ، أن يعاود الإخوان المسلمون بعد ساعات من تصريحات الدكتور غزلان ، التي اعتبرت وثيقة العهد وبنودها حالة ابتزاز واضحة ، رغم أنها لم تعكس غير حرص وسعي جادين من جانب كبير في الصف الوطني ، إلى صياغة توافق وطني في لحظة شدة وزلزلة ، أن يعاود الدعوة إلى تجمع واسع للقوى الثورية والأحزاب الوطنية لمواجهة ما صدر عن المحكمة من أحكام ، وأن يتنكروا لما قرروه بضمير مستريح قبل ساعات ، وأن يتنقلوا من موقف إلى نقيضه ، من رفض لمشروعية الميدان إلى تأجيج لمشاعر الناس ودفعها إلى النزول في كافة الميادين ، ومن مصادرة حق باقي القوى السياسية في الحصول على ضمانات تحصن المصير الوطني ، واستضعافها والتعامل معها بدونية واضحة ، إلة مناداة لها بالتجمع والتوحد ، تحت شعارات الثورة التي تفتت تحت أقدامهم شظايا .
ولا أعتقد أن ما سبق كله يعكس جوهر الازدواجية أو التناقض في موقف الجماعة ، ذلك أن هذا الجوهر الحقيقي ، سيتبدى بوضوح كامل إذا ما تم لها تحقيق مأربها ، بالاستيلاء على كافة مقاعد السلطة ، ويقيني أن الجماعة تشحذ أسلحتها في الظلام ، استعدادا لمرحلة ما بعد القفز على السلطة ، وأن أي حديث عن حرية التظاهر السلمي ، أو مشروعية التجمع السلمي ، أو صيانة حقوق الإنسان ، أو تداول السلطة وغيرها وغيرها ، سوف يذوب في خطاب الجماعة وسلوكها ، كأنه قطع من الثلج تحت لهيب هذا الصيف ، وهناك نذر وشواهد تؤكد ذلك دون ريب ، بعضها تحت قبة البرلمان ، وبعضها يلمع خاطفا في ثنايا أحاديث عابرة في الإعلام .
هناك – على سبيل المثال – مشروع قانون تم إعداده وتجهيزه وصياغته بشكل كامل ، سوف يتم استحصال موافقة المجلس عليه فور إعلان نجاح مرشح الجماعة في الانتخابات ، والأغلبية جاهزة لتمريره ، يقضي بوضع حق التظاهر أو التجمع السلمي في قبضة أحكام عقوبة بالسجن ، إذا ما جرى التظاهر دون طلب مسبق قبل أيام ، يتضمن مكان التظاهر وتوقيته وأسبابه للموافقة عليه ، قبل أن يصبح حقا قابلا للاستخدام ، وعلينا أن نتصور أن قانون تقييد حق التظاهر السلمي بشروط ملزمة ، وموافقة مسبقة ، وقطع الطريق عليه بعقوبة الحبس ، سوف يقدم مشفوعا بضرورات الاستقرار والأمن والعمل والإنتاج ، وهي إذا كانت ضرورات حقيقية فالشاهد أن الجماعة ضربت بها عرض الحائط في وقت شحوب العمل والإنتاج ، وضعف الأمن واهتزاز الاستقرار ، عندما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يمارس وظيفة رئيس الدولة ، لكنها أعدت القانون ودبجته وصاغته ، بينما تدفع الناس دفعا إلى التظاهر والاعتصام في ميادين مصر ، باعتباره حقا ثوريا مكتسبا ، في انتظار لحظة اختطاف السلطة ومن ثم استصدار القانون ، لإطفاء أي نزعة قادمة للرفض أو المعارضة .
وهناك – على سبيل المثال – تلك الفتوى التي أصدرها مفتي الجماعة " الشيخ عبد الرحمن البر " والتي تمثل سقفا فقهيا مرافقا لقاون تقييد التظاهر ، الذي سوف يتم الدفع به إلى البرلمان ، إذا ما تم إعلان فوز مرشح الجماعة ، وهي فتوى لا تجرم فقط الخروج على الحاكم ، شرط أن يكون الحاكم من الجماعة طبعا ، وإنما تبيح سفك دمه وقطع رقبته ، كما يقول منطوقها : " إذا أراد الشعب الخروج على الحاكم وخلعه ، فلا يجوز له أن يفعل ذلك إلا بالانتخابات ، أما الذي يحاول خلع الحاكم بغير هذا الطريق ، فيجب ضرب عنقه بالسيف " .
ويخيل إلى من ثقل وقع هذه الفتوى على عقلي ، أنه يعيد تلقائيا بناء صور الثورة المصرية ، لأتخيل في لحظة وجوم ، أننا خلعنا مبارك بالانتخابات ، بدليل أن أعناقنا ما تزال قائمة لم يضربها السيف .
وهناك – على سبيل المثال – ما بدى في تلافيف حديث تليفزيوني لأحد قادة الجماعة عن وجود توجه لإعادة عقوبة الجلد إلى السجون ، وهي عقوبة من السجون المصرية قبل سنوات ، باعتبارها أكثر العقوبات مجافاة لحقوق الإنسان ، وما تزال بعض السجون تحتفظ بنموذج " العروسة " في متاحفها ، والذي كان يتم تقييد هؤلاء المساجين البائسين إليه ، عندما تطبق عليهم عقوبة الجلد .
وقد تأخذك الدهشة حد الفزع ، إذا كان بعض هؤلاء الذين ذاقوا العذاب في غياهب السجون ، يتوجه تفكيرهم إلى إعادة استخدام أسوأ أنواع التعذيب والتنكيل ، على مساجين جدد ربما في نفس ردهات السجون التي احترقوا بجحيمها ، وقد تجد في ذلك تفسيرا نفسيا مغلقا لتبادل الأدوار بين الضحية والجلاد ، لكن هذه الدهشة الممزوجة بالفزع سرعان ما تتبدد إذا أخرجت تفسيرك لهذا التوجه ، خارج المساحة الضيقة المكانية أو النفسية التي تحتبسه فيها ، فالأمر في حقيقته ليس معلقا بحدود إعادة عقوبة الجلد إلى السجون ، وإنما بالبدء في تطبيقها في ساحات السجون ، لتكتسب مشروعية الاستخدام الاعتيادي الذي يؤهل الناس للقبول باستخدامها في عقوبات بعينها ، ولكن في ساحات المجتمع .
لست أعرف من يبتز من في هذه الظروف ، تلك الوجوه الوطنية التي اجتهدت بعد أن وجدت نفسها في قلب محنة اصطفاف غريب ، فقدمت ما يعين على إعادة بناء الصف الوطني حفاظا على الثورة وأهدافها ، والتي صورت الجماعة عملها على أنه محض ابتزاز ، أم أنها الجماعة نفسها وهي ترمي بهلبها كسفينة جانحة ، على أرصفة البشر الغاضبين ، الذين مايزالون يرممون حلم التغيير والثورة ، بين اليأس والرجاء .
إلى أين نحن ذاهبون ، أعتقد جازما أنه لا بديل عن إعادة الاصطفاف حول الدولة الوطنية المصرية .
[Share/Bookmark]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.