عرفت مصر التعذيب علي نطاق واسع وغير مسبوق في مطلع عصر مبارك, وكنت واحدا من أولئك الذين تعرضوا لهذا التعذيب الوحشي في سجن المرج, وفي سجن القلعة, وفي سجن الاستقبال, حسنا فعل النائب العام بفتح ملفات التعذيب قبل الثورة وبعدها, ونريد أن يكون ذلك جزءا من سياسة الدولة المصرية بعد الثورة, فنحن نسمع ونري خناقات بين القوي السياسية حول الدستور أولا, وحول الديني والمدني, لكننا لم نسمع أحدا يتكلم عن ملف التعذيب في عصر مبارك وبعد الثورة. وإذا كانت هناك مبادئ فوق دستورية فإن كرامة الإنسان المصري والحفاظ عليها وعدم مسها بأي شكل كان أحد تلك المبادئ, ولقد كرمنا بني آدم, فكرامة الآدمي وعصمته بصرف النظر عن دينه ولونه وقومه وعشيرته هي أحد المبادئ المهمة التي يجب أن تستلهمها جمهورية ما بعد الثورة, من هنا كانت المبادرة الوطنية لتوثيق جرائم التعذيب في عصر مبارك التي أطلقها حزب السلامة والتنمية, ويشرف عليها أعضاء منه تعرضوا للتعذيب في عصر مبارك, وأمضوا سنوات طويلة من أعمارهم وهم شباب في غياهب السجون. عرفت مصر التعذيب علي نطاق واسع وغير مسبوق في مطلع عصر مبارك, وكنت واحدا من أولئك الذين تعرضوا لهذا التعذيب الوحشي في سجن المرج, وفي سجن القلعة, وفي سجن الاستقبال, حيث عرفت مصر مع بدايات عصر مبارك الاعتقال العشوائي, وانتزاع الاعترافات تحت سياط التعذيب, وتلفيق الاتهامات, ورسم خرائط لتنظيمات وهمية من جانب مباحث أمن الدولة, وعلي سبيل المثال فقد واجهتني النيابة بتنظيم كامل في الدقهلية كنت أنت المسئول عنه, ولم أكن أعرف منه شخصا واحدا. وقد كان حكم القاضي عبدالغفار محمد الذي حكم في قضية الجهاد واضحا بأن كل المتهمين تعرضوا للتعذيب, وأمر بالتحقيق في ذلك, وتم اتهام48 ضابطا بالتعذيب, وكانت رقم واحد في هذه القضية كمجني علي, بيد أن نظام مبارك جاء بقضاة عينوا فيما بعد محافظين منهم المستشار عدلي حسين وتمت تصفية القضية, وهنا فإن فتح ملفات التعذيب يستوجب أن يعاد النظر في تلك القضية مرة ثانية, وتعاد محاكمتهم, ومنهم أسماء كبيرة في عالم أمن الدولة المرعب, وعالم التعذيب, منهم محمد عبدالفتاح عمر, ومحسن حفظي, وصفوت جمال الدين وغيرهم من جلاوزة التعذيب في السجون. وقد انفتحت السجون المصرية علي موجة جديدة من عالم الإرهاب والتعذيب بعدما عرف باسم حادث الهروب الكبير عام1988 علي يد صديق لوزير الداخلية وقتها زكي بدر اسمه اللواء نبيل عثمان, الذي حول السجون إلي ساحة للتعذيب بالمعني الحقيقي, وللجميع إسلاميين وغيرهم من المدافعين عن حقوق العمال كالدكتور محمد السيد سعيد. وقد تآمر علي في هذا الوقت رئيس مباحث السجون واسمه مصطفي لطفي, والهيئة الطبية في السجن, وتم جلدي مع اثنين من المسجونين وقتها هما: طارق الأسواني, وعلي عبدالنعيم, وكان انتهاك الكرامة الإنسانية, وسب الأمهات والنساء, ومنع الزيارات لسنوات, ومنع التعليم والامتحانات, كلها وسائل للإذلال والإهانة والتعذيب. وفي التسعينيات انفتحت السجون المصرية والمنظومة القانونية والأمنية في البلاد علي تقاليد لم تعرفها الدولة المصرية في كل تاريخها, وانتهك نظام مبارك القانون, فظهرت ظاهرة إجرامية هي الاعتقال المتكرر, حيث يتم الإفراج عن المعتقل علي الورق ثم يكتب ضابط أمن الدولة علي الورق أيضا أن المذكور عاد لنشاطه, ويعاد اعتقاله علي الورق, وهو بعد لم يغادر مقر أمن الدولة التابع لمنطقته. وتحت بند الاعتقال المتكرر تم اعتقال مئات الآلاف من المصريين أغلبهم من الجماعات الإسلامية من الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد, كما أهدرت ملايين الأحكام القضائية التي كانت تقضي بالإفراج عن هؤلاء وفق قانون الطوارئ الذي وضعه نظام مبارك, وكان ينتهك قواعده. وهنا تحولت المؤسسة الأمنية, خاصة جهاز أمن الدولة الوحشي الذي كان عنوانا للعار بعينه, إلي عصابة لا تعرف سوي الالتزام بقواعد العصابات الإجرامية التي لا تعرف معني القانون, ولا المواطنة, ولا الوظيفة العامة, ولا تعرف معني الدولة, ولا تعرف معني المؤسسات التي تراقب مثل القضاء والبرلمان, وصارت الدولة تعبيرا عن مجموعة تمتلك شرعية استخدام أدواتها دون الخضوع لقواعدها وقانونها. هنا تحول النظام السياسي المصري الذي يترأسه مبارك إلي عصابة تأتمر بقواعد رؤساء العصابة وممثليها, وهنا انهار مفهوم الدولة والشرعية والنظام السياسي. في فترة التسعينيات عرفت الدولة المصرية الأحكام العسكرية التي حكم فيها علي أكثر من مائة من الجماعات الإسلامية, وتم تنفيذ حكم الإعدام بالفعل فيهم, فقد عرفنا قضية العائدون من أفغانستان, والعائدون من ألبانيا, وقضايا طلائع الفتح المتسلسلة واحد واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة. تحولت السجون إلي وسيلة لبث الرعب والخوف في نفوس الناس علي طريقة اضرب المربوط يخاف السايب, وكانت النخب والمثقفون والقوي السياسية والاجتماعية وعامة الناس يعرفون طرفا مما يجري في سجون مبارك, لكن الخوف والمطامح والمطامع جعلتهم لا ينطقون. المبادرة الوطنية لتوثيق جرائم التعذيب عقدت ندوتين في نقابة الصحفيين, وهي تهدف لتوثيق شهادات الذين تعرضوا للتعذيب, وذلك لإيجاد ذاكرة جماعية مصرية ضمن الوعي الثوري الجديد تقول: لا لما حدث, وتقول إن ما حدث لا نريد وقوعه ثانية. وثقت المبادرة الوطنية أكثر من مائة شهادة الآن, وهي تدعو كل من تعرض للتعذيب من المصريين في سجون مبارك, إلي أن يتقدم ليقول كلمته ويدلي بشهادته من أجل مستقبل وغد آمن بدون تعذيب, ولا انتهاكات للكرامة الإنسانية, ولا ترويع للأسر والأصدقاء, وفي الوقت نفسه من أجل مستقبل يطبق في القانون علي الجميع, وتكون الشرطة والحاكم وجهاز التنفيذ خادما للمواطنين وليس سيدا عليهم. يريد الناس أن يطمئنوا أن الثورة لها صدي في واقعهم, وهذا لن يكون إلا بإلغاء كل المحاكم الاستثنائية, والعفو السياسي عمن تعرضوا لأحكامها, ورد الاعتبار لهم, وتعويض كل المعتقلين والمعذبين وأسرهم, هذا هو سبيل الثورة المستقيم, فلنعلن جميعا كمصريين: نريد مصر بلا قانون طوارئ, ولا محاكم عسكرية, ولا انتهاك لحقوق الإنسان, وأن يكون ذلك سياسة للدولة المصرية بعد ثورة25 يناير. رئيس حزب السلامة والتنمية تحت التأسيس قيادي سابق بجماعة الجهاد الإسلامية حاصل علي الدكتوراه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة