اختلفت معه كثيرا شأنى شأن غيرى واتفقت معه أيضاً كثيرا، وأذكر أننا كنا من الرافضين لتولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الوزراء، لم يكن الرفض فى وقتها لشخص الدكتور كمال الجنزورى ولكن لمبدأ استمرار المجلس العسكرى وحده فى الهيمنة على مجريات الأمور السياسية فى البلاد، وكانت أيضا هناك رغبة منا فى أن يكون لدينا مجلس رئاسى مدنى، ثم جاء الحل بتولية رئيس الوزراء بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية ليتمكن من تحقيق المطالب الثورية، ولذلك خرج علينا الدكتور كمال الجنزورى فى حينها بعد لقاء جمعه بالسيد المشير رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليعلن أنه بكامل صلاحيات رئيس الجمهورية. الآن وبعد أن ترك الجنزورى موقعه أجدنى من باب الأصالة أتوجه بخالص الشكر والتقدير له على تلك الفترة التى قضاها رئيسا لوزراء مصر وإن كان الرجل قد أخفق فى بعض الأمور فإنه قطعًا قد نجح فى بعضها الآخر، وكفاه أنه قبل أن يتحمل هذه المسؤلية الجليلة فى هذه الظروف الصعبة من تاريخ مصر؛ حاول الرجل من خلالها وعلى طول الطريق أن يكون صريحا مع نفسه ومع الشعب، فى حين كانت تظهر على ملامح وجهه وُعورة المرحلة وصراع الأحداث. هاجمنا الدكتور الجنزورى كثيرا وخصوصا عقب السماح لأعضاء المنظمات المدنية الأجنبية المخالفة للقانون بالمغادرة، ثم خرج الرجل ليقول إنها مسؤلية القضاء وإنه فى هذه القضية بالذات لا ناقة له فيها ولا جمل، وقلنا له وقتها كيف سجدت مصر وأنتم من قال يوما إن مصر لم ولن تركع. وعلى ما يبدو أننا فى وقتها كان يغيب عنا كثير من الأمور التى لا علم لمن هو بعيد عن صناعة القرار بها. كان الرجل صريحا حين قال إن كل الدول العربية التى وعدت بمساعدة مصر سحبت وعودها ونكصت على عقبيها ولم تقدم لمصر ولا جنيها واحدا، وكأنه كان يريد أن يرسل برسالة مفادها (ما حك جلدك مثل ظفرك فتولّ أنت جميع أمرك)، كان كأنه ينادى فى الفلاح فى أرضه بألا يعتمد إلا على سواعده والعامل فى مصنعه بأن يقف على ماكينته. واجهه كثير من الخطط الجهنمية التى رسمها من يريدون لمصر أن تنكسر وللثورة أن تجهض وللفتنة أن تشتعل. لم نرحمه أحيانا ولم ترحمه وسائل الإعلام أحيانا أخرى، وفضل الرجل أن يصمت فى كثير من المواقف. أنا الآن لا أدافع عن هذا الرجل فالرجل ليس بمتهم وأكبر من أن ندافع عنه.. كما أننى لا أقيّم فترة عمله بالسلب أو الإيجاب فالتاريخ هو من يفعل ذلك والتاريخ لا يرحم أحدا والأيام كفيلة بأن تكشف ما لم نعلم من أسرار، ولكننى الآن فقط أردت أن أشكر الرجل على تحمله نقدنا ونقد الآخرين له وأشكره كذلك على قبوله هذه المسؤلية فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها البلاد، وأشكره على محاولاته إنقاذ الاقتصاد المصرى عبر وسائل كثيرة منها أسلوب التقشف الحكومى الذى قررته حكومته وأشكره على استمراره فى العمل والعطاء لآخر لحظة وحتى بعد استقالة الحكومة وحتى بعد الإعلان عن رئيس جديد للوزراء. لم يكن من حقى أن أشكره وهو رئيس للوزراء حتى لا يحمل ذلك على أنه نوع من النفاق أو المداهنة أو طمعا فى منصب لا قدر الله، بل كان من حقى فى وقتها أن أختلف معه وأن أنتقده بما يرضى الله عز وجل لمصلحة الوطن. والآن ليس من حقى أن أنتقده أو أن أقيّم مرحلته فالتاريخ كفيل بذلك متمنيا له دوام الصحة والعافية.. وشكراً يا دكتور كمال.