من الممكن أن أصدق أن المهندس أو المقاول الإخوانى يناصر أبناء جماعته بمساكن أفضل أو إيجارات أقل، وأصدق أن المحامى الإخوانى يساند إخوانه بالدفاع عنهم مجاناً، والبقال الإخوانى يبيع لأحفاد «البنا» بسعر الجملة... إلخ، لكن ما لم أكن أصدقه أو حتى أتخيله هو أن يمتنع الطبيب الإخوانى عن علاج المرضى الذين لا ينتمون إلى جماعته بل يتعمد إيذاءهم وحرمانهم وتعذيبهم حتى الموت!! طبيب استقبال إخوانى فى المنيا يصل إليه ضابط شرطة وهو ينزف غارقاً فى دمائه نتيجة الهجوم الإخوانى على قسم شرطة مطاى، فيمتنع الطبيب الإخوانى ملاك الرحمة عن تركيب المحاليل ونقل الدم، بل عندما يرى الضابط وهو يصارع الموت يسرع من مهمة عزرائيل ويضرب الضحية بأسطوانة الأوكسجين!! إنسانية الطبيب وقسمه الذى أقسمه ومهنته التى جعلت منه يداً حانية من الرب على عباده تخفف عنهم الألم وتجمل لهم الحياة وتنزع عنهم مخالب قسوة الدنيا.. كل هذا يجعله ينسى انتماءاته وجنسيته ومعتقداته السياسية وشهوته وتأففه وذوقه الجمالى وكل شىء أمام الجسد الذى يتعامل معه، يتذكر فقط أنه طبيب وأن الراقد أمامه على السرير إنسان مريض، روحه وحياته ووجوده رهن قرار وكلمة وإجراء منه، لكن أن يتركه هكذا بل يسهم فى قتله فهو بذلك قد خلع بالطو الطبيب الأبيض ليرتدى بدلة عشماوى أو جلباب الخُط أو لثام سفاح النساء أو سروال التوربينى أو أنياب دراكولا مصاص الدماء، التفسير ببساطة أن المنتمى إلى هذا التنظيم السرى الإرهابى هو إخوانى قبل أن يكون مهندساً أو محامياً أو طبيباً أو حتى إنساناً! لكن كله كوم والطبيب كوم آخر، الكارثة هى فى الطبيب بالذات لأنها تتعلق بمهنة تتعامل مع اللحظة الفارقة بين الحياة والموت، الكارثة أن طبيب مطاى مجرد نموذج لظاهرة كارثية مصرية اسمها الطبيب الإخوانى، التى ذقنا منها المر والحنظل ونحن نتخيل أننا نتعامل مع رسل الرحمة وملائكة البلسم والترياق فأفقنا على أننا نتعامل مع شياطين وأفاعى السم والدم، فهاهى طبيبة، يعنى ملاك رحمة، وأم كمان، تمتنع عن علاج مصابى «الاتحادية» بل وتشارك فى تعذيبهم وتدوس عليهم بالحذاء وتتبجح بقولها: ما عنديش أوامر بعلاجكم من المرشد!! وهاهم آخرون ميدانيون يتفننون فى تعذيب شباب، وفين؟ فى مسجد عمر مكرم! وهاهو طبيب يطل علينا متجهماً وهو يحطم خيمة يحتمى فيها بعض المتظاهرين الغلابة ليعرض مضبوطاته الخطيرة من أسلحة «الجبنة النستو يا معفنين»! وهاهو طبيب قيادى إخوانى المفروض أنه طبيب أنف وأذن وأزهرى لكن الإخوانجى بالطبع يجبّ صفة الأزهرى وينفيها، هذا القيادى يشرف على تعذيب الضابط المختطف فى «رابعة» ويتولى رئاسة كتائب التعذيب وبتر الأصابع فيها ثم يخرج علينا فى شريطه المسجل ليصف ما فعله بأنه اعتصام سلمى! كل هؤلاء الذين ينتمون إلى أقدس مهنة وهى مهنة الطب، إلى الذين لطخوها بوحل البيزنس والسمسرة والانتماءات السياسية الرخيصة، إليهم جميعاً أهدى قسم الأطباء لعلهم يتفكرون ويتذكرون: «أقسم بالله العظيم.. أن أراقب الله فى مهنتى.. وأن أصون حياة الإنسان فى كافة أدوارها.. فى كل الظروف والأحوال باذلاً وساعياً فى استنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم وأستر عورتهم وأكتم سرهم، وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلا رعايتى الطبية للقريب والبعيد، والصالح والخاطئ، والصديق والعدو، وأن أثابر على طلب العلم، أسخره لنفع الإنسان.. لا لأذاه».