اثارت واقعة النائب البلكيمي العديد من التساؤلات حول العلاقة بين المريض وطبيبه, فبقدر ما اثارته هذه القضية من ردود فعل الملايين في مصر والخارج وانصبت في مجملها علي جلد النائب فإن خطأ الطبيب الذي افشي سر مريضه اشد وانكي لانه افشي سر مريضه. طواعية في وسائل الإعلام دون طلب من نيابة او قرار من محكمة ما يعني حنثه باليمين التي اقسم عليها بحفظ اسرار مرضاه, ما يوجب استنفار نقابة الاطباء حفاظا علي حقوق المرضي وسمعة الطبيب المصري حتي لايشوبها اللغط جراء هذا الفعل. وتعقيبا علي هذا الحدث تلقيت رسالة من طبيب مصري استاذ لامراض القلب بأمريكا, معتبرا ان ما حدث خرق صارخ لرسالة الطبيب, ويروي فيها كيف انه اصطدم عندما بدأ دراسته بأمريكا قبل20 عاما بالفرق الواضح بين علاقة الطبيب بمريضه في مصر مقارنة بالولاياتالمتحدة في كل جوانب التعامل بدءا من حق المريض في معرفة حالته الصحية بالتفصيل وانواع العلاج ونسبة نجاح كل نوع من العلاج, الي السرية المفرطة التي يتعامل بها النظام الطبي الأمريكي مع معلومات المريض. ففي اول ليلة له كطبيب نوبتجي في المستشفي اخبره النائب المسئول عن تدريب النواب الجدد بضرورة حصوله علي امضاء احد المرضي الجدد لكي يوافق المستشفي الذي كان يعالجه من قبل علي الاطلاع علي ملفه الطبي لكنه لم يفكر كثيرا في هذا الطلب وذهب الي المريض لكي يحصل علي امضائه لكنه تذكر ان المريض في غيبوبة ولايستطيع ان يبدي رأيا ويوقع علي المستندات فعاد الي النائب المسئول ثانية لكي يبلغه ببساطة المصريين انه لا داعي لامضاء المريض لانه في غيبوبة لكنه فوجئ بإصرار المسئول انه مسئول عن التوصل الي اقارب المريض المصرح لهم باتخاذ قرارات طبية او اي شخص ذي صفة قانونية مصرح له بأن يتكلم نيابة عن المريض في حالة الغيبوبة او اذا لم يكن في كامل قواه العقلية. ولأول وهلة اعتقد الطبيب المصري ان المسئول يسخر منه لاعتقاده ان الامر ليس اكثر من مجرد الاطلاع علي ملف مريض في مستشفي مجاور ولايحمل معه اي اجراء لجراحة او وضع علي جهاز تنفس صناعي! في هذه الليلة امضي الطبيب المصري قرابة ساعتين لكي يتوصل الي احد اقارب المريض لينال موافقته علي مجرد الاطلاع علي الملف من المستشفي المجاور ورغم تذمره من هذا الموقف آنذاك فإنه لم يفهم الداعي لإضاعة ساعتين كاملتين كان يمكن ان يباشر فيها اعمالا اخري مهمة لكنه ادرك بعد ذلك ان هذا الموقف يعبر عن احترام خصوصية المريض وان معلوماته ملكا له وانه ليس من حقه كطبيب معالج ان يطلع علي هذه المعلومات الا بإذنه حتي ولو كان ذلك ضروريا لانقاذه.. فما بالك بمن اهدر حق المريض وأذاع تفاصيل مرضه علي الملأ؟ وتماشيا مع المرحلة التي تمر بها مصر الآن يذكر العالم المصري الأطباء من كل التيارات بقسم المهنة وكلها تؤكد تمتع المريض بالخصوصية فإن كنت منتميا للتيار الإسلامي فهذا هو القسم الطبي الذي اقره المؤتمر العالمي الاول للطب الإسلامي بسم الله الرحمن الرحيم اقسم بالله العظيم ان اراقب الله في مهنتي وان اصون حياة الانسان في كل ادوارها في كل الظروف والأحوال باذلا وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق وان احفظ للناس كرامتهم واستر عوراتهم واكتم سرهم.. وان كنت ليبراليا فقد ورد ضمن قسم أبوقراط المستخدم في كليات الطب في الولاياتالمتحدة.. وسوف احترم خصوصيات المرضي لكي لايتم الكشف عن مشاكلهم للعالم اجمع.. وربما افضل نص هو ما يأتي في لائحة اداب المهنة المنصوص عليه في نقابة اطباء مصر: مادة(30): لايجوز للطبيب افشاء اسرار مريضه التي اطلع عليها بحكم مهنته إلا اذا كان ذلك بناء علي قرار قضائي او في حالة امكان وقوع ضرر جسيم ومتيقن يصيب الغير او في الحالات الأخري التي يحددها القانون. ويختم رسالته بالقول ألسنا أول علماء, وأول أطباء؟.. ألم يتحدث أطباء الفراعنة عن سلوك معاملة المريض قرونا طويلة قبل ميلاد أبوقراط نفسه؟.. ألسنا أولي أن نطبق ما علمناه للبشرية!.. وبعد, فلنتخذ مما ذكره العالم المصري عبرة لدي من يفكر في انتهاك خصوصية الآخرين حتي وان كانت في صالحهم دون موافقتهم ولايمكن اعتبار ما صنعه الطبيب هفوة يمكن تجاوزها, حتي وان كشفت كذب النائب وان كان ذلك لازما فوفق الأطر القانونية التي تحمي حقوق المرضي حتي وإن كذبوا.. وان كان مدير المستشفي وهو غير طبيب هو من بادر بإفشاء سر المريض, فالمسألة اخطر لانه سيصبح في مقدور اي مدير مستشفي ليس طبيبا ان يفشي اسرار المرضي دون ان تحرك نقابة الاطباء ساكنا, وحتي تتخذ النقابة موقفا حازما ومانعا لتكرار اخطاء الاطباء بحق المرضي.. انا لمنتظرون..