يُحكى فى كتاب الألعاب أن هناك لعبة نسختها المصرية تسمى «عسكر وحرامية»؛ حيث يقسم مراقبُ اللعبة اللاعبين عن طريق تحليق أصابعه حول رأسهم، ثم يكون قراره بأن هذا من العسكر (الذين يمثلون فريق القوة والخير) والآخر من الحرامية (الضعفاء الهاربين الأشرار)، ويوجب قانون اللعبة على العسكر أن يقبضوا على الحرامية. ويُحكى أن هذا المراقب قد ضاق ذرعاً بهؤلاء اللاعبين لسوء أخلاقهم وعدم معرفتهم قواعد اللعبة التى كان يستمتع فى أول الأمر بمراقبتها، فقام ذات يوم بعملية فرزهم، ولكنه ظل صامتاً حتى انتهى من الفرز، ثم جاء قراره النهائى بأن جميع اللاعبين من الحرامية وهكذا انتهت اللعبة. وإن عدنا إلى مدينة الألعاب السياسية المصرية فسنجدها تجعل المواطن المصرى المراقب لتلك الساحة على وشك أن يضع الساسة جميعاً فى قسم واحد وينهى اللعبة السياسية بتجاوز جديد لكل من يظن فى نفسه أنه الفاعل الحقيقى الوحيد فى هذه الساحة مما تسبب فى انتشار الأمراض النفسية المجتمعية المعدية مثل: التخوين والنرجسية النخبوية والطائفية والتعالى على إرادة المواطن، وهذه الأمراض بدأت فى نشر فيروسها فى المجتمع المصرى مما أدى إلى ارتفاع درجة الاستقطاب فى الشارع المصرى. والتجربة الأندونيسية تحكى أن الحرب الأهلية فى هذا البلد الكبير ما كانت فى الحقيقة إلا على خلفية انتشار مثل هذه الأمراض حتى وصلت إلى حالة مشهورة ب«تخوين الكل للكل». نعم أشعر مثل غيرى أن بداخل المحروسة مناعة ما ضد الحرب الأهلية، ولكن هذا لا يمنع من النظر إلى المؤشرات المجتمعية الخطيرة المتنامية فى المجتمع المصرى، ففى هذا السياق يجب استحضار مؤشرات مثل التى حكاها أساتذة العلوم السياسية الذين عاصروا الأستاذ الدكتور عز الدين فودة الذى قال للرئيس المخلوع فى زيارته الأولى والأخيرة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية فى أوائل التسعينات: الناس أصبحت كئيبة لا تضحك. وقد عدَّ علماء السياسة والاجتماع هذه المقولة من أقوى الرسائل الدالة على فساد سياسات المخلوع. واليوم أقول للساسة من الطرفين المتناحرين من التيار الإسلامى السياسى وقوى المعارضة: الناس فى المحروسة يحاولون الآن قتل الكآبة لا بأن يضحك بعضهم على بعض كما كانوا، بل بأن يخوّن كل واحد منهم الآخر ويجعله أصل كل مصيبة تقع عليه، وهذا يعنى احتمال وصول المجتمع المصرى للحالة الأندونيسية التى تقول حكمة حربها: إن بداية الفتنة المجتمعية النائمة تستيقظ بتخوين الكل للكل ولا تلبث حتى تصبح حرب الكل للكل. ولذا أقترح إنشاء مجلس المصالحة الوطنية، وهو مجلس حكماء يقصد به إدارة أزمة الاستقطاب فى المجتمع المصرى، ويعمل بأقصى سرعة فى ثلاثة ملفات هى: 1- الخروج من الأزمة الاقتصادية (الهمُّ المشترك). 2- صياغة رؤية مصر 2025 (الحلم المشترك). 3- وضع ميثاق شرف العمل السياسى (العيش المشترك). وعلى أن يكون المراقب على أداء هذا المجلس: الشباب الذين بدأوا يضيقون ذرعاً من الأداء غير المتزن للساسة، وأخشى أن يضعوهم جميعاً مرة أخرى فى قسم... المتجاوزين.