*أصحاب القنوات يقابلون المعلنين على المقهى وألف جنيه تكلفة الإعلان فى شهر *مرشح لمجلس الشعب يؤسس قناة لتلميعه انتخابيًا *«نورسات» و«يوتليسات» الباب الخلفى لبث القنوات فى مصر والقانون عاجز عن التعامل معها مقابل 20 ألف دولار فقط يمكنك أن تصبح مالكًا لقناة فضائية، وأن تسرق كل ما يمكن أن تطاله يداك من تراث السينما المصرية، لتعرضه دون مقابل، ووقتها لن تجد «دولة » تسألك من أنت؟، أو تطلب منك مليماً واحداً كضرائب،أو «ملكية فكرية ،»والأخطر من ذلك أن أحداً لن يحاكمك بتهمة ترويج الخرافات، عندما تعلن عن ساحر مغربى، أو منشطات جنسية مجهولة المصدر،باختصار، ستكون خارج على القانون، لأن القناة التى تملكها يمكن بثها من «بير أى سلم » فى مصر. "الصباح"اخترقت العالم السرى لفضائيات بير السلم، التى تملأ ترددات الأقمار الصناعية، دون أن تجد من يوقفها، حتى لو قررت بث أفلام إباحية، لأن المادة يمكن بثها من أى غرفة فى أى حارة فى أى قرية داخل الجمهورية، عبر أقمار صناعية أجنبية، وأبرزها قمر يوتيل سات، المملوك لشركة فرنسية،وهو يدور فى نفس مدار القمر المصرى «نايل سات »، الذى يغطى جنوب أوروبا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، والمنطقة من المحيط الأطلسى إلى الخليج العربى. ومع سهولة التعامل مع الأقمار الأجنبية،باعتبارها لا تفرض أى قيود على المتعاملين معها، أصبح الفضاء المصرى ساحة لقنوات تبث سمومها دون أى رقابة، حيث تقدر الأجهزة الأمنية عدد القنوات التى تندرج تحت بند «فضائيات بير السلم »، ب 56 قناة، غالبيتها تقدم مواد فنية مسروقة، وإعلانات عن منتجات تضر بالصحة العامة، وتمارس النصب والاحتيال على المواطنين. وبحسب مصادر فى إحدى تلك القنوات،والتى تحفظت على ذكر اسمها، يمكن شراء حيز التردد مقابل 20 ألف دولار فقط على قمر «نور سات »، الذى تقع إدارته فى البحرين، ثم يعاد بث القنوات من الباطن عبرالقمر الصناعى الفرنسى، ويحقق أصحاب تلك القنوات مكاسب تقدر بملايين الجنيهات، من الإعلانات التى لا يعرف أحد مدى مصداقيتها. ورغم كل التحذيرات والشكاوى من المستهلكين أو المنتجين، إلا أن الحكومة واصلت تجاهل الظاهرة، كما تجاهلت صرخات ضحايا هذه القنوات، من صناع السينما، ولم تلتفت إلى تحذيرات جهاز حماية المستهلك، حول مضمون الإعلانات التى تروج لسلع طبية وغذائية مجهولة المصدر، ومنشطات جنسية وهمية، ولم تفلح استغاثات نقابة الصيادلة، فى إقناع الأجهزة الرقابية بفتح ملف هذه القنوات، التى لا ترقى لمستوى «دكاكين»، لأنها تعمل دون مقار أو استديوهات، وكل ما تمتلكه هو أرقام تليفونات تبث مع كل فاصل إعلانى. كانت أرقام التليفونات الخيط الأول الذى تتبعته «الصباح» للوصول إلى هذه الأوكار، ومن هنا تبدأ الحكاية، باتصالات تليفونية من المحرر، بتلك القنوات، باعتباره معلنا يمتلك محلات عطارة، ويرغب فى الترويج لمنتج يقضى على آلام الروماتيزم، وتم تحديد موعد للمقابلة مع أكثر من مسئول فيها. البداية كانت مع قناة «مصر العرب»، فعبر اتصال تليفونى تم تحديد موعد لمقابلة صاحب القناة (م. أ)، الذى اختار أن تتم المقابلة على مقهى خلف أحد المطاعم الشهيرة بجوار مسجد الحصرى فى مدينة 6 أكتوبر، وهو المكان المخصص لاستقبال الزبائن الجدد، لتفادى الكشف عن مقر القناة للجهات المختصة. واستغرق اللقاء دقائق قليلة، أطمأن بعدها صاحب القناة للمحرر، وانتقل معنا إلى المقر، بعدما اقتنع بأنه يجالس معلنين حقيقيين، قد تجمعه معهم صفقات قادمة، وربما يجذبون معلنين آخرين للقناة، مقابل 10 فى المائة من قيمة كل اتفاق، ويقع المقر الذى توجهنا إليه فى شقة بالدور الثانى فى إحدى البنايات بشارع جانبى متفرع من ميدان الحصرى. والشقة عبارة عن غرفتين لم تكتمل تشطيباتهما، إحداهما مخصصة لرئيس القناة، والأخرى تحوى عددًا من الأسطوانات، وأجهزة تسجيل المواد المعروضة، والتى يعاد تشغيلها من المقر على التردد الخاص بالقناة، لتبث من البحرين، دون طاقم عمل، وفقًا لما أكد صاحب القناة فى حديثه معنا. وأشار إلى أن أسعار الإعلانات فى القناة أرخص من تكلفة ملصقات الحائط، فالإعلان المصور لمدة شهر كامل قيمته 950 جنيهًا، والإعلان على شريط القناة قيمته 400 جنيه، والتعاقد يجرى شفاهة، دون تحرير أى عقود، فأبلغناه أن المواد التى نود الإعلان عنها غير حاصلة على ترخيص من وزارة الصحة، فلم يبد أى اعتراض، بل ضحك قائلا: «متقلقش مفيش أى مشكلة، أى حاجه عايز تعرضها أعرضهالك». ودخل محرر «الصباح» فى تجربة مع قناة أخرى، تحمل اسم «مصر البلد»، مقرها عبارة عن فيلا صغيرة بجوار أحد المصانع الشهيرة فى ميدان الحصرى بمدينة 6 أكتوبر أيضًا، وتتكون الفيلا من طابقين، وبها عدد من الاستديوهات، وجهاز بث، وكاميرات تصوير، والميكروفونات، وبحسب أحد أعضاء فريق الإعداد، (أ. ع)، فإن وكالة «spot» هى المسئولة عن الدعاية والإعلان على القناة، فطلبنا منها الإعلان عن منتجات محلات العطارة التى لا تحمل ترخيصًا، وتم إبلاغنا بأنه لا يوجد أى داع للترخيص، لأن الأمر مرهون فقط بالاتفاق على تكلفة الإعلان. ومن جهته، قال المعد إنه كان يعمل رئيسا لتحرير أحد البرامج دون مقابل، مضيفًا أن عدد أفراد طاقم القناة لا يتعدى 35 فردًا، يحصلون على أجور زهيدة، والغالبية دون أجور من الأساس، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيسى من القناة، هو تقديم مالكها كمرشح فى البرلمان المقبل عن دائرة تابعة لمحافظة الدقهلية، وتسويقه فى دائرته، وأكد أن الانتخابات المقبلة ستكون «موسم إعلانات»، يسمح بظهور العديد من القنوات، التى تبث إعلانات غير مرخصة، لتغطية نفقات البث، بالإضافة لعرض برامج المرشحين. وتواصلنا مع أحد المعدين فى القناة نفسها، يدعى (ه. م)، والذى أكد أن قناة (سينما مصر) وقناة (مصر البلد) كانتا فى البداية تابعتين لشخص يدعى الدكتور محمود رياض، إلا أنه باع الأولى إلى أحد الشخصيات البارزة فى النقابة العامة للفلاحين، منذ عدة أشهر، وأشار إلى أنه لا يعلم ما إذا كانت القنوات حاصلة على ترخيص أم لا، لكنه لم يجد سواها للتدريب على العمل. وتلعب الوكالات الإعلانية دورًا حيويًا فى انتشار قنوات «بير السلم»، فهى من تحمل لها المعلنين، ومن يجرى لها استطلاعات مشاهدة، يتم على أساسها تحديد مناطق نفوذ هذه القنوات، بما يتيح استغلالها وفقا لرغبات المعلنين، فعلى سبيل المثال تتولى وكالة «شاهين» للدعاية والإعلان، التعامل مع الراغبين فى الإعلان على قناة (حلاوة روح)، التى أغلقت منذ فترة بسبب ضعف التمويل، لكن خطوطها التليفونية لا تزال تعمل، وحين اتصلنا جاء الرد من شخص يدعى «شريف. ش»، وأبلغنا بأنه ترك القناة، وأصبح متعهدًا لقنوات أخرى. وأضاف شريف أن الإعلانات تعرض حسب المردود الذى ينتظره المعلن، وفى المنطقة أو المحافظة التى يستهدفها، ووفق خارطة توزيع المنتج، فقناة حلاوة روح على سبيل المثال لها مردود أكبر فى محافظتى القاهرة والإسكندرية، وعلمنا منه أن الإعلان يتكلف 3 آلاف جنيه نظير التصوير، بالإضافة إلى 5 آلاف جنيه قيمة توقيع عقد بث الإعلان على القناة لمدة شهر، ولا يشترط أن يكون المنتج المروج له حاصل على أى ترخيص. من جهته، اعتبر الرئيس السابق لهيئة الرقابة على المصنفات الفنية، سيد فتحى، أن «تلك القنوات كارثة على المجتمع بكل المقاييس، فهى تدمر صناعة السينما، وبالتالى ينحدر مستوى الأفلام المعروضة، بالإضافة إلى أن السينما واحدة من أهم مصادر الدخل القومى، والأكثر خطورة هو عرض الإعلانات غير المصرح بها من الأساس».
وأوضح أن «تلك القنوات يتم بثها من خارج مصر، على أقمار مثل نور سات ويوتيل سات»، مؤكدًا أنه سيرفع دعوى قضائية ضد الجهات المالكة لهذه الأقمار، نظرًا لسماحهم لشركات وأفراد بشراء ترددات لبث هذه السموم، وأشار إلى أن «هذه القنوات يتم استغلالها من جانب البعض فى غسيل الأموال»، كما اعتبر أن أصحاب وكالات الدعاية والإعلان، السبب وراء انتشار هذه القنوات، لأنهم يمدونها بالمال من خلال الإعلانات، ولفت إلى أنه «ليس من الوطنية تشجيع مثل تلك القنوات المشبوهة، التى تدمر سوق السينما، وتدمر المجتمع».