ألقى الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة -إيسيسكو-، كلمة في افتتاح الدورة الخامسة لمنتدى باكو الإنساني الدولي، الذي افتتحت أعماله اليوم في باكو عاصمة جمهورية آذربيجان، بحضور إلهام علييف رئيس الجمهورية وعدد من رؤساء الدول والحكومات، وممثلي المنظمات الدولية والإقليمية، وحشد من المفكرين والأكاديميين والإعلاميين. وقال المدير العام للإيسيسكو في كلمته إن المنتدى يعقد في ظرف دقيق يمرُّ به العالم بأسره، بات فيه الأمن والسلم الدوليان مهددين أكثر من أي وقت مضى، مما يقتضي تضافر جهود المجتمع الدولي بشكل أكثر جدية وفعالية للحدّ من المخاطر الناجمة عن نشوب الحروب المدمرة للمجتمعات، واحتدام الصراعات السياسية الممزقة للسلم الأهلي، وعن تفشي النزاعات العرقية المهدِّدة للاستقرار، وعن تفاقم الأزمات الإنسانية التي هي إفرازات لتلك الكوارث كلها، وعن تصاعد موجات الكراهية والعنصرية والانتهاكات الصارخة للقوانين الدولية من جراء الاعتداد الزائد بالقوة التي تعلو فوق الحق وتخرق القانون. وأكد أن هذه المرحلة الدقيقة التي يعيشها عالمنا اليوم، تفرض على النخبَ السياسية والعلمية والثقافية، أن تنهض بالمسؤوليات الأخلاقية الملقاة على عاتقها، باعتبارها حملةَ مشاعل الفكر الإنساني الحر، والمدافعة عن القيم الثقافية الراقية، والمناصرة للمبادئ الإنسانية السامية. ذلك أن التحديات الكبيرة التي تواجه مجتمعاتنا، تغلق أمامنا الآفاق التي تتيح لنا فرص استشراف المستقبل، وتوفر لنا الإمكانات للإسهام في صياغته، بما يحقق الأهداف الإنسانية العليا التي يخدمها هذا المنتدى الراقي الذي نلتقي في رحابه. وأوضح أنه نتيجة لتقاعس القوى العظمى عن القيام بواجبها الأخلاقي والسياسي في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، لحسابات خاطئة ولاعتبارات واهية، فإن العالم أصبح اليوم عرضةً للاهتزازات التي تخل بالتوازن الدولي، والتي تؤدي إلى الاضطرابات المتصاعدة التي تزعزع الاستقرار في العلاقات الدولية، مما يكون من نتائجه الدخول في متاهات لا يعلم أحد إلى أين ستنتهي. وهو الأمر الذي تنشأ عنه الأزمة الحضارية العالمية التي تنزع عن العولمة طابعَها الإنساني، وتجعل منها أحد أقوى العوامل لانفجار الأوضاع الدولية بأشكال عدة. وأضاف قائلاً : « حين تبلغ التحدّيات في هذه المرحلة من القرن الحادي والعشرين، هذا المستوى من الخطورة ومن التهديد للأمن والسلم الدوليين في ظل العولمة المتوحشة المنطلقة في اندفاع هادر، فإنه يكون من الواجب على النخب المفكرة والقيادات التي تصنع الرأي العام في بلدانها وتساهم في خدمة مجتمعاتها في مجال اختصاصها، التحركُ في الاتجاه الصحيح، من أجل بناء تكتّلٍ إنسانيٍّ يرقى بأهدافه ومضامينه، إلى المستوى الحضاري العالي، دفاعاً عن القيم الإنسانية المشتركة، وتعزيزاً للحوار بين الثقافات والحضارات وأتباع الأديان، تمكيناً لمبادئ الحرية والكرامة والعدالة والمواطنة الإنسانية العالمية». وأكد أن التأخر في اتخاذ القرار المناسب بهذا الخصوص، والتردد في السير في هذا الاتجاه، سيكون لهما سلبياتهما التي من شأنها أن تعطل حركة المجتمع الدولي الرامية إلى إنعاش علاقات التعاون بين الشعوب والأمم، من خلال تعزيز قيم الحوار على شتى المستويات؛ لأن الحوار هو اختيار الحكماء، وسبيل العقلاء نحو خدمة الإنسانية والارتقاء بها، وهو المنهج القويم لبناء النظام العالمي الجديد على قواعد القانون الدولي، والمبادئ السامية للثقافات والقيم الإنسانية للحضارات وتعاليم الأديان. وبيَّن أن منتدى باكو الإنساني الدولي، هو الصيغة الملائمة لبلورة كل جهد إنساني ثقافي إبداعي يهدف إلى تحقيق هذه الأهداف السامية. وقال : « نحن هنا مسؤولون أخلاقياً، وملتزمون ثقافياً، مطلوبٌ منا وبإلحاح، أن نتخذ من القرارات الحكيمة والتوصيات الملائمة القابلة للتنفيذ، ما نترجم به الأفكار الخلاقة المبدعة التي أتينا بها، إلى ممارسات عملية تخدم هذه الأهداف الإنسانية، وتساهم في إنقاذ العالم مما يتهدده من مخاطر باتت محدقة به من شتى الجوانب». وعبر المدير العام للإيسيسكو عن ثقته في أن هذه الصفوة المختارة من النخب والقيادات المشاركة بفعالية في هذا المنتدى العالمي، ستتحمّل مسؤوليتها وتنهض بواجبها وتؤدي الدور المنوط بها، بحيث تكون رسل سلام تدعو إلى نبذ الحروب وإعادة تأسيس العلاقات الدولية على أسس سلمية عادلة جديدة.