شارك الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة"إيسيسكو" ، في المنتدى العالمي الثالث للحوار بين الثقافات، الذي افتتح أعماله اليوم في باكو، برئاسة السيد إلهام علييف، رئيس جمهورية آذربيجان. وألقى المدير العام للإيسيسكو كلمة في افتتاح المنتدى، قال فيها إن الرسالة الحضارية التي ينهض بها المنتدى، تَتَعَاظَمُ أهميتُها كلما كثرت بؤر التوتر، ونشبت الحروب، واضطربت الأوضاع في بعض المناطق من العالم، من جراء استفحال ظاهرة الإرهاب، وتصاعد موجات الكراهية والعنصرية، واحتدام الصراعات المذهبية التي تغذيها في غالب الأحيان، التدخلات الأجنبية التي قال إن أصحابها يسعون إلى إشعال نيران الفوضى الهدامة التي يزعمون واهمينَ، أنها تخدم مصالحهم الاستراتيجية. وذكر أنَّ العالم اليوم يموج بأحداث تهزّ أركان الاستقرار في عديد من البلدان، غالبيتُها تقع في المنطقة العربية وفي العالم الإسلامي، بصورة عامة، وأن المجتمع الدولي قد عجز حتى اليوم، عجزًا مطلقًا عن إيجاد تسويات سياسية للأزمات الحادة التي يَتَزَايَدُ خطرها على السلام العالمي يومًا بعد يوم. كما أشار إلى أن الجهود الدولية لم تفلح من خلال مجلس الأمن، في المساعي المبذولة من أجل حقن الدماء، ووقف آلة العنف، ونشر الأمن والسلام، موضحًا أن من أسباب هذا الفشل في إنهاء الأزمات الناشبة والصراعات المسلحة والتوترات الأمنية في تلك المناطق، الحسابات الخاطئة لدى القوى العظمى التي تغلب مصالحَها الخاصة على المصالح الإنسانية العامة. وقال التويجرى إن ذلك أمر لا يستغرب من السياسيين الذين لا ينطلقون في تخطيطاتهم من الرؤية الثقافية إلى القضايا الكبرى التي تهدد الأمن والسلم الدوليين، ولا يصدرون في حساباتهم عن مراعاة الحقائق الإنسانية على الأرض، فتكون سياساتهم بعيدة عن القيم الأخلاقية، والروح الثقافية، والرؤية الحضارية. وأضاف الدكتور عبد العزيز التويجري قائلا ً : « إن هذا الخلل في السياسة الدولية هو الذي يضعف قدرة المجتمع الدولي على تطبيق القانون الدولي، ويُقعده عن العمل بمبادئ حقوق الإنسان التي تؤكد على احترام حقوق الشعوب في تقرير المصير، وفي التمتع بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وفي الحفاظ على الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية، وفي مقاومة الظلم والعدوان، ومكافحة القهر والاستبداد، وفي رفض الاحتلال وانتهاك سيادة الدول على أراضيها، كما هو الشأن بالنسبة لإقليم ناقورنو كاراباخ الآذري المحتل من قبل أرمينيا والأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل، وسبتة ومليلية والجزر الجعفرية المحتلة من قبل إسبانيا. و تابع : وهو الأمر الذي يزيدنا اقتناعًا بأن الحوار بين الثقافات هو أحد المداخل المهمّة لإيجاد التسويات السلمية، في نطاق القانون الدولي، لجميع الأزمات الطاحنة التي تذهب ضحيتَها الشعوب التي نكبت بتلك الكوارث، والتي تعاني منها أشدّ المعاناة أمام مرأى العالم ومسمعه». وأبرز المدير العام للإيسيسكو في كلمته أمام رئيس جمهورية آذربيجان، والوزراء، وممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، وكبار الشخصيات من المفكرين والأكاديميين والمثقفين، أنَّ ما ينطوي عليه تعزيز قيم الحوار بين الثقافات من أهمية بالغة، موضحًا أن من شأنه أن يساهم في إزالة العقبات التي تقطع الطريق أمام الجهود الدولية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن لتعزيز التفاهم وتوطيد الثقة بين الدول الكبرى حتى لا تضع العراقيل أمام اتخاذ القرارات القوية واللازمة والملزمة بشأن إنهاء الأزمات التي كان من وراء استفحالها واستمرارها، المواقف غير المسؤولة التي تتخذها بعض الأطراف على صعيد الأممالمتحدة. فيما استبعد أن يكون الحوار بين الثقافات ترفًا، أو عملا ً ثقافيًّا محضًا لا علاقة له بالعمل السياسي الإنساني الهادف إلى تقويم الاختلال الذي يعاني منه العالم، موضحًا أن تعزيز هذه القيم الحضارية هو عمل بالغ القيمة عظيم الأهمية، علينا أن نسعى جميعًا ليكون شديد التأثير في ترسيخ قواعد السلام العالمي. ودعا المدير العام للإيسيسكو إلى ترجمة أهداف المنتدى إلى ممارسات عملية، وقال : « انطلاقًا من هذا الاقتناع الذي يترسَّخ لدينا، فإن هذا المنتدى العالمي يتحمل مسؤولية إنسانية ثقيلة الوزن، يتوجب علينا جميعًا، نحن رواده، وكلٌّ من موقعه، أن ننهض بها على مستويين رئيسَيْن، هما : مواصلة العمل في هذا الاتجاه، لتطوير الحوار بين الثقافات، وإغنائه، والارتقاء به إلى التحالف بين الحضارات، ترسيخًا للارتباط القائم بين الحوار الثقافي وبين التحالف الحضاري، والتوسّع في الأنشطة الخاصة بعقد المؤتمرات والندوات وأوراش العمل على أوسع نطاق وتكثيف العمل على جميع الأصعدة لتفعيل نتائج الحوار بين الثقافات في مناهج التعليم ومنتديات الثقافة وأنشطة منظمات المجتمع المدني كافة حتى تكون واسعة الانتشار واتخاذ مبادرات رائدة يتم من خلالها بلورة قيم الحوار وترجمتها إلى ممارسات عملية على أوسع نطاق عالمي». وأشار إلى أن المنتدى العالمي للحوار بين الثقافات قد انتقل من طور التنظير، إلى طور التنفيذ للأفكار والرؤى والمقترحات التي طرحتها النخب الفكرية والعلمية والثقافية والقيادات السياسية التي شاركت في أعمال المنتدى، والتي ناقشتها وتوافقت على الشهادة لها بالأصالة والمصداقية والجدية. وخاطب المدير العام للإيسيسكو أعضاء المنتدى قائلا ً : « لا يخامرني شك في أنكم تتفقون معي على أهمية انطلاق هذه المرحلة، حتى نعزز مكانة منتدانا هذا على الصعيد الدولي، ومن أجل أن يبقى دائمًا منارة للإشعاع الثقافي ومصدرًا للإبداع الفكري من أجل تجديد البناء الحضاري لعالمنا، ونشر السلام والوئام في الأرض». وتحدث عن الرسالة الحضارية التي ينهض بها المنتدى وعن النجاح الذي يحققه في مساعيه من أجل تحقيق أهدافه الإنسانية، فقال إن المنتدى أصبح أحدَ أهمّ المنتديات الدولية التي تعنى بقضايا الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات والتعايش والوئام بين الأمم والشعوب، فهو يحقق الأهداف المرسومة له، ويساهم في التخفيف من حدة التوترات والأزمات التي تنعكس سلبًا على العلاقات الدولية، والتي تحول دون تحقيق حلم الإنسانية في استتباب الأمن وإقرار السلام في هذا العالم.